الواضح أن العلاقات السعودية – الأميركية تمر حاليا بأفضل حالاتها على الإطلاق، خصوصا أن السعودية ستكون المحطة الأولى في أول جولة للرئيس دونالد ترمب خارج البلاد.
من جانبهم، يبدي السعوديون احتفاء شديدا بزيارة ترمب والوفد التجاري المرافق له، الأمر الذي ينعكس في تنظيم مقابلات عدة. ويأتي هذا الاحتفاء ليعكس الأهمية التي يوليها الجانب السعودي لترمب وزيارته والميلاد الجديد لعلاقة المملكة بالولايات المتحدة. جدير بالذكر أن زيارات الرؤساء الأميركيين للمملكة ليست من الأمور الاستثنائية، وقد زارها الرئيس باراك أوباما، الذي لطالما نظرت إليه الرياض بحذر، أكثر من أي من سابقيه. بيد أنها المرة الأولى التي يزور خلالها رئيس أميركي السعودية في أول جولة له خارج البلاد. الواضح أن المصالح التجارية دائما ما تكون لها الأولوية الأولى.
يذكر أن العلاقات التجارية الثنائية بين البلدين تتسم بقوتها، ووصلت إلى نحو 40 مليار دولار عام 2016، تبعا للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأميركي. في الواقع، شهد العام الماضي تحقيق الولايات المتحدة فائضا تجاريا أمام السعودية للمرة الأولى منذ 21 عاما، الأمر الذي يعود بصورة أساسية إلى تراجع أسعار النفط.
بالنسبة لترمب، تعد السعودية شريكا تجاريا طويل الأمد يحمل إمكانات هائلة أمام الشركات الأميركية باعتبارها دولة شرق أوسطية تتهيأ لمستقبل ما بعد النفط. وبالنسبة للسعودية، تحمل مسألة اجتذاب استثمارات أميركية أهمية حيوية لبرامج الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتنفيذ الناجح للرؤية السعودية لعام 2030. ومن بين القضايا المطروحة على الطاولة اضطلاع الشركات الأميركية بدور رائد على صعيد الفرص التجارية داخل السعودية، وذلك أمام المسؤولين المعنيين بوضع خطط خصخصة أربعة قطاعات هذا العام، بما في ذلك المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، وشركة توليد طاقة تعمل تحت مظلة الشركة السعودية للكهرباء وأندية رياضية ومخازن للغلال.
جدير بالذكر أنه خلال زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة في مارس (آذار)، أبدى ترمب تأييده لتطوير برنامج أميركي – سعودي جديد بمجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا بقيمة تتجاوز مائتي مليار دولار في صورة استثمارات مباشرة وغير مباشرة على مدار السنوات الأربع المقبلة. كما أعلن ترمب عزمه دفع استثمارات بقيمة تريليون دولار في البنية التحتية الأميركية على مدار العقد المقبل، مع مائتي مليار دولار منها قادمة من أموال دفاعي الضرائب، بينما الباقي من القطاع الخاص. يذكر أن السعودية، من خلال صندوقها الاستثماري العام، استثمرت 3.5 مليار دولار في شركة «أوبر تكنولوجيز» الأميركية عام 2016، وعليه، فإن معاونة السعودية على الانتقال الناجح إلى اقتصاد ما بعد النفط يحمل منافع لجميع الأطراف.
في الواقع، التوجه الاقتصادي للسعودية يبدو واضحا ًألا وهو تخليص نفسها من الاعتماد على النفط، مع التحول إلى مركز لوجيستي وتطوير قدراتها بمجال التعدين، وتعميق قطاع السياحة وبناء قطاع ترفيهي محلي وتعزيز القدرة التصنيعية المحلية بالمجال العسكري. واليوم، أصبح المسؤولون والوزارات المختلفة يخضعون للمحاسبة عبر كثير من الآليات المؤسساتية الجديدة والمتعددة أكثر من أي وقت مضى. وثمة أمل في نفوس الشباب السعودي حيال حدوث تغيير داخل بلادهم وتناول قضايا مثل العمالة ومشاركة المرأة.
ويشكل الطرح العام الأول لـ«أرامكو السعودية» فرصة أخرى ثمينة تكشف أهمية الخدمات المالية الأميركية فيما سيشكل أضخم طرح عام أول حتى الآن، من المتوقع أن يصل إلى مائة مليار دولار. ومن الممكن أن يساعد طرح إدراج مزدوج لأسهم الشركة في الرياض وبورصة نيويورك في تعميق الروابط التجارية المتينة بالفعل بين الجانبين. المعروف أن بورصة نيويورك الأكبر من نوعها عالميا، وتتضمن شركات نفطية كبرى مثل «شيفرون» و«إكسون موبيل». كما وفرت السعودية فرصا تجارية ثمينة للمصارف الاستثمارية والشركات الاستشارية المالية الأميركية المشاركة في الطرح العام الأول لأسهم «أرامكو». يذكر أن اثنتين من المؤسسات الثلاثة الكبرى المؤمنة تنتميان إلى الولايات المتحدة – «جيه بي مورغان تشيس» و«مورغان ستاني» – أما المؤسسة الثالثة فهي بنك «إتش إس بي سي». المؤكد أن إدراج «أرامكو» في بورصة نيويورك من شأنه تعزيز شعار ترمب القائل بأن المصالح التجارية تأتي أولاً.
بالنسبة للسعوديين، فإن ثمة أسبابا عدة تدعوهم لإبداء مشاعر إيجابية إزاء ترمب. داخل الرياض، وكثير من باقي دول العالم العربي، جرى النظر إلى إدارة أوباما باعتبارها مفرطة في موالاتها لإيران، الأمر الذي أثار شعورا بالارتباك، وأثارت هذه السياسة الشكوك حول الدور الأميركي الأوسع على مستوى الشرق الأوسط. واليوم، يمثل ترمب الموقف المضاد تماماً.
المؤكد أن العلاقات الاستراتيجية – العسكرية تشكل أهمية محورية في الشراكة السعودية – الأميركية. وعلى مدار عقود، شكلت الولايات المتحدة مصدرا حيويا للمعدات العسكرية البرية والجوية. واليوم، ترغب السعودية في مزيد من الأسلحة المتطورة، في الوقت الذي وعد فيه ترمب بتحفيز عجلة الاقتصاد الأميركي، من خلال خلق مزيد من فرص العمل. واليوم، تتطلع السعودية نحو شركاء في وقت تعكف على بناء اقتصادها في حقبة ما بعد النفط، ويكاد يكون في حكم المؤكد أنها وجدت في أميركا بقيادة ترمب شريكا مناسبا لها.
عن الشرق الأوسط – بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
كلمات دالّة: