رام الله– الحياة الاقتصادية– ملكي سليمان– يتكبد مزارعو “الصبر” منذ عامين خسائر فادحة بسبب مرض أصاب “التين الشوكي” ويتسبب بنوع من التعفن على الثمار، ولأن الخسائر تقدر بالملايين في فلسطين التاريخية، خسرت عائلات فلسطينية ريفية مصدر رزقها الموسمي.
ورغم محاولات المهندسين الزراعيين لتوفير العلاج اللازم للقضاء على “الحشرة القرمزية” أو “البق الدقيق” او “المن القطني” يبدو أن مهمتهم تحتاج الى مزيد من الوقت.
يمثل الصبر رمزا لصمود الفلسطيني على ارضه، واتخذت بعض الهيئات المحلية من نبتة الصبر شعارا لها كذلك فإن فاكهة الصبر مرغوبة عند كثيرين.
واكدت وزارة الزراعة انها تتابع انتشار هذا المرض وتقوم منذ عامين بالعمل على مكافحته، الذي بدأ انتشاره في المرحلة الاولى في قرى محافظة جنين، اولا ومن ثم الى بعض قرى نابلس ومحافظة رام الله والبيرة والآن في قرى شمال مدينة القدس، وقالت الوزارة انها تمكنت وبالتعاون مع الهيئات المحلية من مكافحة الحشرة ولكن الامر يحتاج الى مزيد من الوقت للقضاء النهائي على هذه الآفة.
مزارعون
وقال المزارع ابراهيم مصطفى عميرة من بلدة نعلين بمحافظة رام الله: “إنه يعتمد على بيع الصبر كجزء من مصدر رزقه، ولكن فقد الكثير من الانتاج بسبب المرض وكذلك بقية المزارعين وبالتالي لم يعد الصبر يوفر دخلا له ولمزارعي قريته التي تشتهر بانتاج الصبر منذ سنوات طويلة، وان البلدية اتخذت الصبر شعارا لها لمدى الاهتمام بالصبر كرمز وطني قبل ان يكون يشكل لهم مصدر دخل”.
وقدر عميرة مساحة الاراضي المزروعة بالصبر في بلدته باكثر من 300 دونم ولكن المرض دمر نسبة كبيرة من تلك المساحة، كذلك كان اكثر من 300 مزارع يعتمدون على بيع الصبر وكان يشكل لهم مصدر دخل موسمي جيد كل عام، وان العائدات المالية لهؤلاء تزيد عن مليوني شيقل سنويا.”
وقال خليل مصطفى تاجر الصبر: “إن تجارة الصبر مربحة في سنوات الانتاج الطبيعي ولكن منذ عامين لم نعد نجد كميات كبيرة متوفرة عند المزارعين لاغراض التجارة.”
واضاف مصطفى: “يشكل نبات الصبر مصدر دخل ثابت لعشرات العائلات في قرى غرب رام الله خاصة بدرس التي اشتري منها كميات كبيرة كل عام، وانني كنت اقوم بتسويق هذه الكميات لمدينة رام الله وكذلك فان بعض التجار من فلسطينيي الداخل يأتون لشراء الصبر، وخلال السنوات الماضية كان التجار يأتون إلى القرى للتعاقد مع مزارعين من قرى (بدرس ونعلين وقبيا وشقبا والمدية) لشراء كميات كبيرة من الصبر وبيعها في اسواق رام الله وبيت لحم والقدس وتصدير البقية إلى الاردن”.
وتابع:” العمل في قطف الصبر مرهق وشاق وخطير على الجسم خاصة العيون ولكن يدر ارباحا اكثر من انواع كثيرة من الزراعة لدرجة انني حاولت استئجار اراض لزراعتها بالصبر ولكني لم اوفق، وان بعض المزارعين الاسرائيليين كانوا اقتلعوا مزارع البرقوق والمشمش واستبدلوها بزراعة الصبر لنفس السبب علما بأن المرض قد اصاب مزروعاتهم ايضا.
تجارة رابحة
اما نافع سعيد نافع والذي يمتلك محلا لبيع الخضراوات والفواكه فقال: “إنه يشتري كميات كبيرة من الصبر من مزارعي قريته نعلين وقرى بدرس والمدية وشقبا وشبتين، وكان يبيع يوميا قرابة 300 كرتونة صبر لتجار من مدينة رام الله ومن داخل الخط الاخضر”.
واوضح نافع ان اسعار الصبر بالجملة كانت معقولة مقارنة باسعار بقية المنتجات الزراعية كالعنب والبرقوق والمشمش، لانها فاكهة مطلوبة ومرغوبة من قبل الزبائن، علما بأن موسم قطف الصبر لا يزيد عن 40 يوما ولكنه كان يوفر دخلا معقولا لعائلات كثيرة وخاصة النساء الكبيرات في السن واللاتي يمتلكن خبرة واسعة في عملية القطف والتنظيف والتعبئة، حيث كنت اعتمد على 15 امرأة في كل قرية وكنت اشتري منهن بـ 100 الف شيقل سنويا، وان بعض الاسر كانت تجهز لي 100 صندوق سعة كل صندوق 1,5 كيلو غرام يوميا.
وانتهى نافع الى القول: “اما توقعات هذا العام وبسبب استمرار المرض فان الانتاج لن يكون كافيا للبيع والتجارة فقط للاكتفاء الذاتي لاصحاب نبات الصبر، مثلما كان العام الماضي.
المرض يصل قرى القدس
وقال المهندس الزراعي حمزة منصور من قرية بدو بمحافظة القدس:” إن الحشرة القرمزية هي المسببة لمرض الصبر وهي آفة تصيب نبات الصبر على شكل كومات بيضاء شبه القطن وظهرت قبل 10 سنوات في دول حوض البحر المتوسط وتلحق هذه الحشرة اضرارا بالغة بالصبار اذ تمتص سوائله ما يؤدي الى ذبوله وجفافه في وقت قصير، وان اولى خطوات العلاج تتمثل بقص الاجزاء المريضة وحرقها ومن ثم رشها بالمبيدات القادرة على قتل الحشرة ومنها سائل الصابون ويجب ان يتم الرش بشكل جماعي ليشمل جميع مزارع الصبر في كل قرية، وان المرض وصل هذا العام الى قرى شمال القدس وخاصة قرى بيت اكسا وقطنة وبيت سوريك وبيت دقو.
الاستفادة من التجربة المغربية
وقال المهندس الزراعي سلامة اشبيب مدير دائرة تشخيص الآفات في الادارة العامة لوقاية النبات بوزارة الزراعة: “إن مصدر هذا المرض لم يكن موجودا في فلسطين ولكن العدوى جاءت من جنوب لبنان حيث تتم تربية هذه الحشرة القرمزية لاستخدامات طبية في كثير من الدول الاوروبية وتباع هذه الحشرة بمبالغ مالية باهظة للمختبرات لاجراء التجارب العلمية ولكن تبين ان هذه الحشرة تسببت بمرض نبات الصبر هناك وبعد ذلك بدأت العدوى تنتشر في ارجاء لبنان وسوريا وفلسطين حيث اصيب الصبر اولا في قرى الشمال وبالتحديد في محافظة جنين وخاصة في قريتي فقوعة وعربونة ومع الوقت استمر انتشار المرض في محافظة نابلس حيث اصيب الصبر في قرية تل ولكن تمت معالجته دون ان يلحق اضرارا كبيرة في مزارع الصبر وبعدها وصل الى قرى غرب رام الله مثل قرى بدرس ونعلين والمدية وشقبا وشبتين وبيت لقيا وخربثا المصباح، وهذا العام بدأ ينتشر في قرى شمال القدس ومنها بيت اكسا وقطنة وبيت دقو وغيرها من القرى.
واشار اشبيب الى ان وزارة الزراعة ومن خلال مديرياتها في كافة محافظة الوطن بدأت بمتابعة وتعقب هذا المرض وخاصة في قرية فقوعة التي تمتلك مساحة واسعة من الاراضي المزروعة بالصبر ولكن بشكل عشوائي ما ادى الى عرقلة عملية المتابعة والعلاج اذ ان بعض هذه النباتات تكون معلقة فوق سلاسل حجرية او في مناطق مرتفعة يصعب على ماكينة الرش الوصول اليها ما يؤدي الى تأخر في العلاج.
وقال اشبيب: منذ اليوم الاول لوصول المرض بدأت الوزارة بخطوات متعددة منها حصر مساحات الارض المزروعة بالصبر سواء كان مصابا او سليما لمعرفة آلية العلاج وعمل حجر للنبات المصاب وهكذا، كما وتوجه المرشدون الزراعيون الى الحقول لتشخيص المرض والبحث عن آلية العلاج السريع، وكذلك تواصلت الوزارة مع المملكة المغربية التي تشتهر بزراعة الصبر وتصدر كميات كبيرة منه الى اوروبا وقد اصيب هذا النبات وان المغرب وضعت خطوات للعلاج ونحن نحاول الاستفادة من التجربة المغربية ومنها زراعة اشتال جديدة من الصبر قادرة على مقاومة الآفات.
وتابع اشبيب: “ولكن بسبب انتشار فيروس كورونا حدث بعض التأخر في انجاز المتابعات والعلاجات مع هذا المرض، ولكننا في الوزارة كنا على تواصل مع الهيئات المحلية في تلك القرى التي فيها نبات الصبر المريض وغير المريض ووفرنا الماكينات والعلاجات للكثير من القرى والبلدات في جنين ونابلس ورام الله وغيرها وقد نجحنا في بعض القرى في الحد من انتشار المرض ومن بين تلك القرى كما اسلفت قرى فقوعة وعربونة في جنين وتل في محافظة نابلس، وتابعنا ايضا مع قرى غرب رام الله وكان عدد من المهندسين والمرشدين الزراعيين يتواصلون مع المجالس القروية والبلديات للمتابعة والعلاج، ولكننا في وزارة الزراعة واجهنا مشكلة ان معظم نبات الصبر مزروع بشكل هامشي وغير منتظم او مهجور ليس له اصحاب ما كان يعيق عملنا في الرش والقطع والحرق خاصة في المناطق الوعرة والتي يصعب وصول السيارات اليها.
وتابع اشبيب: “هنالك الكثير من القرى التي تعتمد على ايرادات بيع الصبر منها قرى فقوعة جلبون ونعلين وبدرس وغيرها، واننا حاولنا ادخال العلاجات من الخارج ولانه مكلف وباهض الثمن تواصلنا مع منظمة زراعية واغاثية التي رفضت توفير التمويل كون ان العلاجات تحتوي على مواد كيماوية معادية للبيئة كما يقولون.
واشار اشبيب الى انه من بين خطوات العلاج اضافة الى زراعة الاشتال المقاومة للمرض وبشكل منتظم هو استخدام سائل الصابون مع مبيد حشري وقد حقق نجاجا في بعض القرى، ولحسن الحظ ان هذه الحشرة المسببة للمرض لا تصيب الاشجار المثمرة الاخرى كالزيتون وإنما تصيب الصبر فقط.
وخلص اشبيب إلى القول: “بناء على تقديرات وزارة الزراعة وجهاز الاحصاء الفلسطيني فان عدد الدونمات المزروعة بالصبر في فلسطين تقدر بـ1500 دونم معظمها مزروعة بشكل هامشي غير منتظم و70% من هذا النبات للاستهلاك المحلي و30% لاغراض تجارية علما بأن هنالك بعض القرى كانت تحقق عائدات مالية كبيرة في موسم بيع الصبر، اما كميات الانتاج فان التقديرات بأن كل دونم ارض ينتج 1,5 طن سنويا، معلقا على ان تقديرات المزارعين حول مساحات الاراضي المزروعة بالصبر قد تكون مبالغا فيها.
تخوفات جمعية الحياة البرية
وكانت جمعية الحياة البرية في فلسطين قد طالبت بتشكيل لجنة طوارئ لمكافحة المرض ولا سيما ان المرض بدأ يستفحل وينتشر بشكل كبير في فلسطين ويطال بعض نبات الصبر الذي يتجاوز عمره 80 عاما وبات مهددا بالانقراض دون وجود العلاج الفاعل والسريع.