أقرت اتفاقية التهدئة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة من غير رضى إسرائيلي كبير. وبرز التذمر من الاتفاق ليس فقط في عناوين الصحف وإنما في مواقف الكثير من رؤساء البلديات في مستوطنات غلاف غزة، وأوساط معينة في صفوف اليمين والقوات الاحتياطية. ويبدو أن نهاية هذه التهدئة لم تكن كما تمنى الإسرائيليون ممن يؤمنون بـ«ضربة واحدة وانتهينا».
ولاحظ معلقون كثر أن ما خفي في الاتفاق أكثر مما ظهر لأن هذه هي المرة الأولى التي ترعى فيها الولايات المتحدة مثل هذا النمط من الاتفاق. وربما أحد أشد العبارات المفسرة لواقع التغيير في الظروف كانت تلك التي كتبها المعلق العسكري في صحيفة «معاريف» عمير ربابورات أمس، حيث قال، في مقالة تحليلية موسعة، إن «إحدى الحقائق المفاجئة هي أنه طوال الحرب لم يمارس الجيش أي ضغط على المستوى السياسي لنيل مصادقة على أي عملية، فالجياد لم ترد الركض أسرع من فرسانها»، مضيفاً «سيطر على الجميع خوف مشترك: كارثة إستراتيجية يمكن أن تقع إذا انهار السلام مع مصر».
والواقع أن الكثير من المعلقين الإسرائيليين يعتبرون أن اتفاق التهدئة كان عملياً بين كل من واشنطن والقاهرة بصفتهما وكيلين لإسرائيل وحماس. ولكن الوكيلين ملزمان بالدفع من جيبهما لتحقيق الاتفاق: مصر لحماس وأميركا لإسرائيل.
عموماً، تشير الصحف الإسرائيلية إلى وجود غموض في جوانب عديدة في الاتفاق. إذ تعهدت إسرائيل بالكف عن كل هجوم على غزة، وبوقف الاغتيالات، والامتناع عن اجتياح الأراضي الفلسطينية. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى قوله إنه «إذا شخصت إسرائيل استعدادات لعملية من قطاع غزة، فإنها تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن النفس وستعمل على إحباطها». ومن جهة ثانية، تعهدت حماس والمنظمات الفلسطينية بوقف كل الهجمات ضد إسرائيل من قطاع غزة، بما في ذلك نار الصواريخ والهجمات على خط الحدود.
وأشارت «هآرتس» إلى أنه مثلما حدث في عدوان «الرصاص المسكوب» في العام 2008، تلقت إسرائيل هذه المرة أيضاً ضمانات من الولايات المتحدة بمعالجة تهريب السلاح إلى غزة، ولكن التقدير هو أن القدرة العملية لذلك ستكون محدودة للغاية.
أما «يديعوت» فاعتبرت أن الاتفاق أبقى الكثير من الأسئلة المفتوحة، خصوصاً أن الجيش بقي من دون أجوبة واضحة حول أسلوب تصرفه بعد الاتفاق. ومن الجائز أن طريقة التصرف قرب السياج الحدودي بقيت غامضة، الأمر الذي قاد في اليومين الأخيرين إلى استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين في تلك المنطقة.
ويشرح يوسي يهوشع في «يديعوت» أن مسائل أخرى بقيت مفتوحة مثل الاستخبارات وعمليات التهريب، متسائلاً «كيف سيعمل الجيش الإسرائيلي حيال معلومة استخبارية مؤكدة عن تخطيط لعملية تنطلق من القطاع أو عن نار صاروخية محتملة نحو إسرائيل؟ هل يمكنه أن يعمل ضد مخططي الأعمال؟ هل وكيف يمكنه أن يعمل تجاه معلومات استخبارية عن تهريب صواريخ فجر أو سلاح متطور آخر إلى القطاع؟»، مضيفاً «من الواضح أن ضرب مثل هذه الإرسالية قد تشعل النار من جديد، ولكن بالمقابل لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يجلس مكتوف الأيدي».
وكتب ناحوم بارنيع في «يديعوت» أيضاً، عن قرار قبول وقف النار في إسرائيل بعد مشاحنات شديدة في هيئة التساعية الوزارية، مبيناً أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ووزير المالية يوفال شتاينتس طالبا بمواصلة القتال.
واعتبر بارنيع أنه خلافاً للانطباع الذي نشأ فإنه ليس هناك اتفاق لوقف إطلاق نار ويبدو انه لن يكون، بل يوجد التزام متبادل لوقف إطلاق النار سيجري بعده مباحثات بين مصر وإسرائيل في حاجات كل من الدولة العبرية وحماس ومطالبهما. وبالتالي «إذا ثبت وقف إطلاق النار، فقد تأذن إسرائيل باستيراد عدد من المنتجات إلى القطاع، أو تُبطل بعض عناصر الحصار، وما يُفتح قد يُغلق، ولا يتوقع أي شيء حاد في هذا المجال».
ويرى بارنيع أن احتمال أن تنضج هذه المباحثات لتصبح تفاهمات بين إسرائيل وحماس غير كبير، «فهم في الحكومة يفترضون أنها لن تنضج». ويتعلق طول ثبات وقف إطلاق النار بطول ذاكرة الطرفين. واعتبر أن «الشيء الصارخ إلى السماء هو الفرق بين خطاب (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو حين كان رئيس معارضة»، مضيفاً «يُسمي نتنياهو هذا مسؤولية، ولكن رئيس الوزراء المسؤول يتنكر لكل ما وعد به حين كان رئيس معارضة غير مسؤول. وهذا تفكير فاسد غير جدي».
وفي «معاريف»، اعتبر عمير ربابورت أن تفاصيل اتفاق وقف النار، كما عرضتها حماس ومصر، مقلقة على نحو خاص، فحماس تدّعي بأن إسرائيل تعهدت، ضمن أمور أخرى، بوقف التصفيات المركزة، وبالامتناع عن النشاط في «القاطع الأمني» في غربي الجدار الفاصل المحيط بقطاع غزة، والسماح بمرور المزيد من البضائع والأشخاص في المعابر إلى القطاع. وأشار إلى أن «التصفيات حقاً تتوقف، هذا صحيح. وابتداء من يوم أمس دخلت إلى حيز التنفيذ تعليمات وقف النشاط بالقرب من الحاجز الأمني، التي تتيح فقط لحماس بفتح النار في قطاع غزة، في تهديد يعرض للخطر بشكل مباشر قوات الجيش الإسرائيلي أو الجبهة الداخلية».
ولكن ربابورات لا يرى أن المشكلة في ما سبق، ويقول إن تفاهمات «عمود السحاب غرست البذرة لجولة القتال التالية». وفي نظره، لن تجلب العملية سنتين وشهرين من الهدوء التام حيال غزة مثل حملة «الرصاص المسكوب». فإذا كان ممكناً ضمان سنة كاملة من الهدوء ابتداء من الآن، فإن ضباطا في الجيش، وعلى ما يبدو أيضاً رئيس الوزراء، وزير الدفاع ووزير الخارجية، كانوا سيقبلون بذلك.
السفير اللبنانية.