يجسد الإعدام الوحشي التعسفي خارج نطاق القانون للشاب الفلسطيني محمد أبو خضير اتجاهاً مقلقاً جديداً في تطرف المجتمع اليهودي الإسرائيلي. وقد تم اختطاف الشاب الفلسطيني البالغ من العمر سبعة عشر عاماً وهو في طريقه إلى أداء صلاة الفجر، ثم تم ضربه بوحشية، وإجباره على شرب البنزين، ثم إحراقه حياً على يد أفراد من “لا فاميليا”، المافيا اليهودية الإرهابية التابعة لنادي كرة القدم اليهودي العنصري المتطرف “بتار القدس”.
في الوقت الذي تصبح فيه التصدعات في صرح دولة الفصل العنصري الإسرائيلية تحت مزيد من الضوء وضغط الإدانة الدولية، يبدو أن سلطة الدولة تتحول إلى أيدي الجماعات اليهودية الإرهابية، وجماعات الأمن الأهلي، والغوغاء. وحتى الآن، وفرت أجهزة دولة الفصل العنصري القمعية الإسرائيلية لهؤلاء الصهاينة الفاشيين الإرهابيين كل الأمن والحماية اللازمين لمواصلة حملتهم الإرهابية ضد الفلسطينيين. وبالنسبة لهذه الجماعات الإرهابية الفاشية، فإن هياكل الهيمنة بوسائل الفصل العنصري والاحتلال والاستعمار، والتي جرى استخدامها للتوسط بين الدولة اليهودية الخالصة والفلسطينيين الخاضعين للاحتلال، لم تعد قادرة على إدارة العلاقات العنصرية بطريقة تتوافق مع أيديولوجيتهم الصهيونية القومية، وهو ما دفع بهم إلى أخذ زمام الأمور بأيديهم.
على هذا النحو، أصبح عناصر الجماعات الإرهابية الصهيونية الفاشية أكثر رغبة الآن في تطبيق القانون بأيديهم، بهدف التعويض عما يرونه عجز حكومة نتنياهو عن إدامة حملة القمع ضد الفلسطينيين. وتشعر هذه الجماعات بعدم الرضى أيضاً عن البطء وعدم الكفاءة اللذين يجعلان حكومة نتنياهو تفشل في تحقيق أحلامها بإقامة إسرائيل الكبرى.
لا يشكل عنف الصهاينة الفاشيين انحرافاً عن العادي في دولة الفصل العنصري الإسرائيلية، وإنما يشكل جزءاً تأسيسياً لدولة الفصل العنصري الإسرائيلية غير الأخلاقية وغير القانونية. وفي حقيقة الأمر، لا يمكن أن تحدث هجمات الصهاينة الفاشيين الإرهابية على الأطفال الفلسطينيين، بما في ذلك الاختطاف، والدهس، والإعدام التعسفي، إلا في سياق تُشن فيه حرب منهجية في دولة الفصل العنصري الإسرائيلية ضد الأطفال الفلسطينيين. لكن الصهاينة الفاشيين يقومون عن طريق أخذ زمام الأمور بأيديهم بتخليق ثقافة للقتل التعسفي بحق الفلسطينيين، والتي اتخذت أشكالاً فردية ومجتمعية من العنف خارج نطاق القانون.
في احتفالات “يوم القدس” الإسرائيلية الأحدث، على سبيل المثال، اتخذت ثقافة القتل خارج نطاق القانون هذه شخصية اجتماعية طقوسية واضحة المعالم واحتفالية الطابع، وشكلاً أقرب إلى التمثيليات العامة (أو النزهات) -من النوع الشائع في أميركا الجنوبية. ويصف معلق افلسطيني مر من وسط “أكبر مهرجان للكراهية اليهودية” مزاج حشد الرعاع “المنتشي بالسلطة والقدرة على إلحاق الأسوأ بـ”الآخر” -“الفلسطينيين”. وفي الحقيقة، سرعان ما يدرك المعلق أن هؤلاء الغوغاء من الصهاينة الفاشيين الذين يأتون من شتى مشارب الحياة في دولة الفصل العنصري الإسرائيلية، كانوا يمارسون لعبة “اكتشف العربي” –إذا شوهد عربي في الجوار، تنطلق دعوة لشحن الغوغاء وتحفيز الرعاع على مضايقة الشخص والانتقام منه، مع عدم وجود أي رد فعل على الإطلاق من جانب القوات الإسرائيلية.
لقد تبين أن “يوم القدس” هذا ليس أكثر من مناسبة صهيونية فاشية لإدامة التفوق اليهودي الجماعي على الفلسطينيين من خلال حملة منظمة من الإرهاب والتخويف تحت حماية الجيش الإسرائيلي وشرطة الحدود. وفي ثقافة تعتبر الفلسطينيين أقل من بشر وحيوانات، و”قساة بطبيعتهم”، يصبح قتل الفلسطينيين والعرب واجباً دينياً، حسب مؤلفَي الكتاب العنصري “توراة الملك”. ويعتقد واضعا هذا الكتاب، الحاخام يتسحاق شابيرا والحاخام يوسف إليتسور، أن الشريعة اليهودية تبرر “قتل الرضع إذا كان من الواضح أنهم سيكبرون وسيلحقون الأذى بنا. وفي مثل هذه الحالة يمكن إلحاق الأذى بهم بشكل مقصود ومنفرد، وليس فقط خلال القتال مع الكبار”.
لعل من باب المعجزة ان هذا المشهد من الاستعراض الصهيوني الفاشي للسلطة في “يوم القدس” لم ينته بموت المارة الفلسطينيين، ولو أن الكاميرا التقطت الفلسطينيين وهم يهربون بالكاد وبصعوبة من هذه الغوغاء المنكبة على الانتقام. ومع ذلك، فإن القتل البربري الأخير الذي أزهق روح محمد أبو خضير يكشف عن التهديد الوجودي الذي تصنعه الأشكال المتطرفة من العنف خارج نطاق القانون على الفلسطينيين في الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، كما يقولون. هذه الأشكال التي يعتنقها الأشخاص من العنف تؤكد قوة وصلافة المواطنين الأفراد السيكوباتيين المناهضين للمجتمع مقارنة بالفلسطينيين الأفراد الذين يستثمرون في الرمزية الوطنية فقط. ويبدو واضحاً من كل ذلك أن مجتمع التمييز العنصري الإسرائيلي ينزلق إلى مرحلة بدائية، يقوم فيها الصهاينة الفاشيون الإرهابيون، ولجان الأمن الأهلية والغوغاء بتجديد عهدهم مع إلههم، باعتبار أنهم “الشعب المختار” بتطبيق كلمات مناحيم بيغن، “العرق السيِّد” و”الآلهة المقدسون على هذا الكوكب”، وروابطهم مع غيرهم من مواطنيهم من خلال التضحية بالبشر.
ليس من المستغرب، إذن، أن يتم حزم هذه الأعمال الصهيونية الفاشية الإرهابية السادية في الخطاب الديني. وبطريقة شبيهة إلى حد كبير بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وأنظمة جيم كرو الأميركية الإرهابية العنصرية، يتم استخدام الخطاب الديني لتقديس هذه الأعمال الإرهابية وأنظمة العنف العنصري التي تمثلها. ويلعب رهاب الإسلام على وجه الخصوص، دوراً رئيسيا في تشكيل هذه الثقافة من العنف العنصري في دولة الفصل العنصري الإسرائيلية. وقد تم الإبلاغ في عمليات إعدام الفلسطينيين خارج القانون، الخاصة والعامة منها على حد سواء، عن ترديد الغوغاء شعارات تتجاوز “الموت للعرب”، إلى الهتاف الموحي، “محمد مات”، في إشارة إلى النبي محمد.
ينم هذا الخطاب الديني أيضاً عن مكامن القلق الجنسية لدى الصهاينة الفاشيين والمتعلقة بخصوبتهم ورجولتهم، وكذلك فرط الرغبة الجنسية المزعوم لدى الفلسطينيين. وفي دعوته للانتقام لمقتل ثلاثة من المراهقين الإسرائيلي، كتب الحاخام نعوم بيريل، الأمين العام لحركة الشباب العالمية بني عكيفا: “إن حكومة إسرائيل تعقد جلسة استماع خاصة بالانتقام والذي لا يتعلق بالحداد، لقد جن جنون سيد البيت لمرأى جثث أبنائه، ولدينا حكومة سوف تحول الجيش الذي كان يبحث (عن المراهقين) إلى جنود منتقمين، جنود لن يتوقفوا عند 300 قلفة فلسطينية”. وكما هو ملاحظ، يجري هنا استخدام الأسطورة التوراتية التي تقول بأن الملك داوود عاد بمائتي قلفة للفلسطينيين الأوائل الذين قتلهم، للتأكيد على التفوق اليهودي الجنسي والسياسي. وتحاول الأشكال الصهيونية الفاشية المعاصرة قتل الفلسطينيين خارج القانون تكرار طقوس الحرب القديمة البربرية، والتي تنكر وتهين الفلسطيني الذكر “الآخر” من خلال الإخصاء والتسبب بالعقم.
من غير المرجح أن يفضي القتل البربري الهمجي لمحمد إلى قيام انتفاضة الثالثة. ذلك أن الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية الموضوعية على أرض الواقع في الأراضي المحتلة وقطاع غزة تحول دون اندلاع مثل هذا الحدث الثوري. ومع ذلك، يمكن موت محمد المأساوي من تعبئة الشعب الفلسطيني في جميع أنحاء فلسطين التاريخية بطريقة لم تفعلها حتى الانتهاكات اليومية لحرمة المسجد الأقصى.
سوف يزود موت محمد المأساوي النضال الفلسطيني، عن غير قصد، برمز عالمي تمس الحاجة إليه، والذي يمكن تجميع قلوب وعقول الناس في جميع أنحاء العالم حوله. لقد أصبح محمد بمثابة “إميت تيل” فلسطين، ذلك المراهق الأميركي-الأفريقي ذو الأربعة عشر ربيعاً، والذي كان مقتله الوحشي هو الشرارة التي أطلقت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، في ولاية ميسيسيبي على الأقل.
سوف يصبح محمد “كبش فداء”، والذي سيجعل من الممكن أن يتآلف العالم مع القيم الإنسانية ويتفهم معاناة الفلسطينيين. سوف يولد موجة جديدة من حملات التضامن الدولية، ويؤدي إلى تكثيف حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وغيرها من أشكال المقاومة غير العنيفة ضد دولة الفصل العنصري الإسرائيلية والمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في جميع أنحاء العالم.
الغد الأردنية