سيدني – في كلمة ألقاها في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة في الثاني والعشرين من شهر شباط (فبراير)، أبلغ رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي جمهور الحاضرين من المسؤولين والخبراء والصحافيين بأن اليابان “عادت” ولن تتزحزح عن موقفها فيما يتصل بالنزاع السيادي مع الصين على جزر سينكاكو/دياويو. ومع تصاعد استفزازات الصين، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما، مضيف شينزو آبي، إلى التزام الهدوء وضبط النفس على الجانبين.
ومن المرجح أن تنزل اليابان -على مضض- عند رغبة الولايات المتحدة، مع استمرارها في الاعتماد على تحالفها مع الولايات المتحدة من أجل ضمان أمنها. لكن إقناع الصين بضرورة التنازل سوف يكون أصعب كثيراً.
إن عدوانية الصين في التأكيد على مطالبها السيادية تعكس ما هو أكثر من مجرد الرغبة في استغلال موارد قاع البحر، أو الفوز بمنفذ استراتيجي أوسع إلى منطقة غرب المحيط الهادئ. بل إن الأمر يرتبط أيضاً بالتجديد الوطني -المبرر الجوهري لوجود الحزب الشيوعي الصيني. ومن الواضح أن الانسحاب من المعركة مع المحتل السابق والمنافس التاريخي سوف يشكل خطوة إلى الوراء في هذا المسعى الذي دام ستة عقود من الزمان.
اكتسبت فكرة التجديد الوطني في الصين شعبيتها من تشاو زيانج رئيس مجلس الدولة في ثمانينيات القرن العشرين، كما روج لها بشكل متكرر الرئيسان جيانج زيمين وهيو جين تاو. ومؤخرا، تعهد الرئيس القادم تشي جين بينج في زيارة إلى معرض “الطريق إلى التجديد” في متحف الصين الوطني بمواصلة “التجديد العظيم للأمة الصينية”.
ولكن ماذا يعني “التجديد” أو “إعادة الشباب” بالنسبة للصينيين؟ إن كل الأمم -الكبيرة منها والصغيرة- تجسد مزيجاً من الحقائق التاريخية والأساطير. وفي هذه الحالة، فإن نظرة الحزب الشيوعي الصيني إلى إعادة الشباب مبنية على اعتقاد مفاده أن أوج القوة الصينية الذي بلغته في عهد الأسرتين مينج وكينج يمثل المكانة الطبيعية والعادلة والدائمة لدولة ذات حضارة عمرها خمسة آلاف عام.
عندما تولى ماو تسي تونج السلطة في العام 1949، كان هدفه الفوري يتلخص في إعادة تأسيس “الصين العظمى” من عهد أسرة كينج (1644-1912)، وكان يصر على أن الإمبراطورية الصينية تحت قيادة المانشو كانت هي الصين الدائمة الباقية. ولكن في حين كان الاعتداء على أسرة كينج بواسطة قوى أجنبية حقيقة تاريخية، فإن فكرة الصين الباقية التي كانت تناضل ضد أغراب نهمين عبر آلاف السنين زائفة ولا تخدم سوى مصالح ذاتية.
وقد حقق ماو هدفه في أعقاب التحرير السلمي المزعوم لجمهورية تركستان الشرقية (شينجيانج الآن) في العام 1949 وغزو التبت في العام 1950، والذي زاد حجم الصين بأكثر من الثلث. وكان كل زعماء الحزب الشيوعي الصيني حريصين منذ ذلك الوقت على تعزيز هذه الرؤية للصين العظمى، وتعديلها وتوسيعها مع تنامي قوة البلاد. على سبيل المثال، أظهرت الصين قدراً ضئيلاً من الاهتمام بجزر سينكاكو/دياويو قبل العام 1968 -العام الذي صدرت فيه دراسة جغرافية أشارت إلى احتياطيات نفطية هائلة تحت قاع البحر.
ومن الممكن أن يُقال الشيء نفسه عن تنامي حدة الصين فيما يتصل بمطالباتها في بحر الصين الجنوبي. ففي العام 2009 ذهبت الصين، التي كانت تعتمد بشكل كبير على مطالبتها التاريخية المشكوك فيها، إلى تقديم “خريطة ذات نقاط تسعة” إلى لجنة الأمم المتحدة بشأن حدود الجرف القاري، وكانت حريصة منذ ذلك الوقت على الإشارة إلى كل بحر الصين الجنوبي تقريباً باعتباره خاضعاً “لسيادتها التي لا جدال فيها”.
بعد أن ظلت الصين مسيطرة على شرق وجنوب شرق آسيا طيلة الألفيتين الأخيرتين باستثناء القرنين الماضيين، فإنها تبدي الآن الغضب إزاء النظام الإقليمي الحالي تحت قيادة الولايات المتحدة، حيث يتمتع حتى أصغر المشاركين بنفس الحقوق والامتيازات والحماية التي يتمتع بها أكبرهم. لقد استفادت الصين الحديثة كثيراً من هذا الترتيب؛ ولكن هناك على الرغم من ذلك استياء شديد لأن إنجازات دولة الحضارة الصينية الهائلة على مدى آلاف الأعوام لا تضمن للصين مكانة خاصة.
وبالنسبة لشعب يتملكه شعور عميق بالجدارة الأخلاقية المتفوقة، فإن الإنجازات التاريخية، والوقوع ضحية للقوى الأجنبية، هذا الوضع يُعَد ظالماً وغير طبيعي. وبالتالي فإن الانسحاب من أي نزاع إقليمي مع دول أصغر حجماً وأقل شأناً سوف يُنظَر إليه باعتباره هزيمة مُذِلة، وليس بوصفه خطوة تحو ضمان الاستقرار الإقليمي الطويل الأجل.
وعلاوة على ذلك فإن النظرة التوسعية إلى الصين العظمى تعني ضمناً أن حل النزاع حول جزر سينكاكو/دياويو لصالح الصين من المرجح أن يزيدها جرأة بدلاً من إشباع طموحاتها. ولكي تؤكد على صدق مزاعمها فقد يكون بحر الصين الجنوبي بالكامل هو التالي.
وبينما يعكف أوباما وشينزو آبي على صياغة استراتيجية مشتركة تهدف إلى المساعدة في إدارة صعود الصين سلمياً، يتعين عليهما أن يدركا أن مفهوم تجديد الصين يسعى إلى إحياء الماضي المجيد، وأن هذا يعني ضمناً مراجعة النظام الإقليمي القائم وليس التأكيد عليه. وهذا يعني أنهما لا بد أن يعملا على الحد من الخيارات الاستراتيجية والعسكرية المتاحة للصين، حتى لو لم يكن بوسعهما تقييد طموحاتها.
الغد الاردنية
*زميل وأستاذ في مركز دراسات الأمن الدولي في جامعة سيدني. وهو أيضاً باحث غير مقيم لدى معهد هدسون في واشنطن العاصمة، ومدير مؤسسة كوكودا في كانبيرا.
*خاص بـالغد، بالتعاون مع خدمة “بروجيكت سنديكيت”، 2013.