رام الله /انعكست الأزمة المالية المتراكمة التي تعيشها السلطة الوطنية الفلسطينية على أداء الاقتصاد الفلسطيني للعام 2012.
والمعطيات المالية للسلطة الوطنية لا تبشر حتى اللحظة بتغيير هذا المناخ في ظل غياب اليقين بحجم المساعدات المرصودة للسلطة الوطنية من المانحين، باستثناء تعهد الاتحاد الأوروبي باستمرار الدعم وبنفس القيمة.
وقال وزير العمل أحمد مجدلاني ‘الاقتصاد الفلسطيني نما في الربع الأول والثاني نموا معقولا في قطاع الخدمات والصناعة والتصدير الخارجي، ساهم فيه النمو في قطاع غزة والذي سجل نسبة 26% ويعود بشكل أساسي إلى تحرك قطاع البناء في رفع نسب النمو في الأرض الفلسطينية عامة.
وأضاف ‘مع تزايد حدة الأزمة المالية بدأت معدلات النمو في التراجع خصوصا في مطلع الربع الثاني حتى الآن، ولا يوجد مؤشرات واضحة لذلك لكننا نستشعره من تفاعلات الأزمة، والنشاط الاقتصادي يشهد تراجعا في قطاع التجارة والخدمات والصناعة، بما في ذلك قطاع البنوك، والنسب الحقيقية لا تظهر إلا بداية العام القادم بعد رصدها’.
وعن المؤشرات الاقتصادية للعام القادم، بين مجدلاني أن مؤشرات النمو تظهر ملامحه بداية شهر آذار بناء على إقرار الموازنة العامة وتدفق المساعدات من المانحين التي تبدأ في هذا الشهر، وبالعادة تشهد الأراضي الفلسطينية نموا في الاقتصاد من آذار حتى مطلع تموز مرتبطا في التدفقات المالية.
وقال ‘حتى اللحظة لم ننته من إعداد الموازنة، والمؤشرات لدى وزارة المالية بحاجة إلى تأكيدات من الدول المانحة بالتزاماتها تجاه السلطة، فقط تلقينا تأكيدات من الاتحاد الأوروبي والأطراف الأخرى لا يوجد تأكيدات منها أو حتى معلومات حول التزامها، فالولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها العام 2012 وبقيت مجمدة حتى اللحظة الراهنة ومن غير المتوقع التزامها العام القادم’.
من جهته، قال المدير التنفيذي لشركة ‘بديكو’ القابضة سمير حليلة سنة 2012 كانت صعبة بدأت مع أزمة مالية للسلطة وانتهت بحرب غزة، ما أثر على دافعية المستثمرين الدوليين وتقديراتهم لحالة الاستقرار في فلسطين، ومع أن الصورة العامة لا توحي بالتوجه نحو المواجهة إلا أن الأفق لحل سياسي ما زال غائبا، وهذا يغلق شهية المستثمرين عن العمل في فلسطين.
وفيما يخص استثمارات شركته، أكد حليلة أنه لا يوجد نية لدى الشركة بنقل استثماراتها للخارج في العام 2013، لكن الشركة أوقفت أي استثمار جديد لها هذا العام والعام القادم، ‘ونحاول استكمال والحفاظ على الاستثمارات السابقة وتقويتها، وهذا يعنى أنه لا فرص جديدة للعمل في المستقبل’.
واعتقد حليلة أن الربع الأول من العام القادم سيكون أصعب من الربع الأول للعام 2012، لأن المسألة لم تعد تتعلق فقط بالتزامات الدول المانحة بل طالت تحويل مستحقاتنا من الضرائب، وهذه أزمتها أكبر وأعقد، آملا أن تحل المشكلة خلال هذا الربع وتعود الأموال للتدفق ويعود أداء الاقتصاد لما كان عليه العام الجاري.
ورأى حليلة أن النمو الاقتصادي لن يعود بأي حال لما كان عليه في فترة 2008- 2011 فهذه مرحلة انتهت ودخلنا في فترة فيها تراجع في الإيرادات، مشيرا إلى أن الفترة القادمة لن تشهد انكماشا اقتصاديا وإنما تراجعا في نسب النمو ستتراوح بين 4-5%.
وأكد رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية صقر الخرابشي تأثر قطاع الصناعة بالأزمة المالية، متوقعا أن تصل نسب تراجع النشاط الصناعي لحوالي 2% للعام 2012.
وقال ‘التأثير السلبي طال الصناعات الغذائية والكيماوية التي يتم تسويقها في السوق المحلية، لكن الصناعات التي يتم تصديرها للخارج مثل صناعة الأدوية والحجر فلم تتأثر كثيرا’.
وعلى الرغم من تطور قطاع الإنشاءات والعقارات في قطاع غزة إلا أن الوضع في الضفة الغربية كان سيئا للغاية كما قال رئيس اتحاد المقاولين عادل عودة ‘العام 2012 كان الأسوأ علينا كمقاولين منذ قيام السلطة الوطنية، والمشاريع التي تم تنفيذها من قبل المقاولين لم تشكل سوى 20-30% من نسب مشاريع الأعوام السابقة’.
وأضاف عودة ‘السبب الأزمة المالية والديون المتراكمة للمقاولين على الحكومة، والتي ذهب جزء كبير منها كفوائد للتسهيلات بعد سداد جزء منها، إضافة إلى تراجع العطاءات الحكومية’.
وبين عودة أن هذا التراجع أثر في نسب اليد العاملة في هذا القطاع والتي تراجعت إلى أقل من النصف، ويشغل هذا القطاع حوالي 22% من اليد العاملة، ومع ذلك هناك ارتفاع في أسعار العقار بسبب ارتفاع أثمان الأراضي وأثمان مواد البناء.
وشكك عودة أن يكون العام القادم أفضل حالا في قطاع المقاولين؛ بسبب غياب الدعم العربي والدولي وخوف المستثمر الذي يفضل الانتظار وغياب للإستراتجية السكانية لفلسطين وكذلك غياب تشجيع الحكومة لهذا القطاع.
وبين مدير عام معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية سمير عبد الله أن العام الجاري شهد هبوطا في نسب النمو، لكن الرقم الحقيقي لم يصدر بعد.
وكانت التوقعات الاقتصادية أشارت إلى تراجع النمو الاقتصادي لحوالي 5% عن 6.3% العام الماضي.
وقال عبد الله ‘الضفة فيها هبوط عالي وأن الأثر الأكبر على نسب النمو من عدمه يحدده مؤشر نمو الاقتصاد في الضفة كون اقتصادها الأكبر حجما’، موضحا أن التراجع الكبير كان في القطاع الزراعي والصناعي.
وعن التقديرات للعام 2013 يرى عبد الله أن الاقتصاد وصل إلى درجة لا يمكن له النمو وإيرادات السلطة وصلت إلى الحد الأقصى وأي تحسين سيظل محدودا ‘أي أننا في أزمة حقيقية’.
وأشار عبد الله إلى أن نسب العجز في الموازنة يشكل حوالي ثلث الموازنة، وفرص تخفيضه ضعيفة، فديون السلطة تصل لحوالي 3 مليار دولار، ويشكل الدين العام حوالي 35% من الناتج القومي ويكاد يلامس الحد الأعلى الذي سمح به المجلس التشريعي 40%.
ولفت عبد الله لاختلاف طبيعة ديون السلطة عن ديون الدول الميسرة من السندات والبنك الدولي، كونها قصيرة المدى وتدفع مقابلها فوائد عالية نسبيا، والقطاع الخاص لا يستطيع الاستمرار في ظل هذه القروض لأنها ديون للموردين.
وقال عبد الله ‘وصلنا إلى أزمة مالية لا حل لها إلا بالانتقال من اتفاق أوسلو الانتقالي إلى الحل الدائم’، موضحا أن الحل الانتقالي حمل السلطة مسؤولية تقديم كل الخدمات للمواطنين من صحة وتعليم مقابل تعهدهم بدعمها ماليا.
وأضاف ‘على الراعين لعملية السلام وعلى الأخص الولايات المتحدة تحمل ثمن إداراتها للأزمة بدلا من حلها’.
وفا- زلفى شحرور.