بقلم: رون بن يشاي/رفعت شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” لجهاز الأمن، مؤخراً، تقديراً يقضي بأنه من المتوقع حدوث تصعيد في الضفة، وربما بحجوم انتفاضة في إطارها تكون عمليات زرع عبوات وعمليات انتحارية في إسرائيل. ويحتمل أن تكون العملية، الأحد الماضي، في مدخل تل أبيب تشكل عملياً مؤشراً إضافياً، من بين مؤشرات كثيرة أخرى، على أن هناك حاجة للتعاطي بجدية أكبر مع التحذير من تصعيد مسلح مرتقب في الضفة.
في 2022/2023 حدثت عمليات زرع عبوات قام بها فلسطينيون في نطاق الخط الأخضر. لكن العبوة التي تفجرت، الأحد الماضي، حملت كل بصمات مبادرات “الإرهاب” في “المناطق”، التي نشر التحذير منها. كانت العبوة مادة متفجرة شديدة الانفجار من إنتاج محلي، على ما يبدو من النوع الذي استخدمه “المخربون الانتحاريون” في الانتفاضة الثانية. “المخرب”، الذي نفذ العملية، جاء من شمال “السامرة”، حيث توجد مراكز التصعيد المسلحة. بخلاف الانتفاضات التي كانت انفجارات بركانية شعبية عفوية نتيجة لأحداث محددة أخرجت الفلسطينيين إلى الشوارع، يتطور التصعيد الحالي بالتدريج وفي كل مرة تضاف إليه عناصر جديدة. عملياً بدأ التصعيد قبل 7 تشرين الأول، ما أجبر الجيش الإسرائيلي على أن يرسل وحدات قتالية من الخط في غزة لتعزيز القوات في الضفة.
ما تغير منذ نشوب الحرب هو الاستخدام المكثف للعبوات، والدافعية التي ازدادت في أوساط الشبان في مخيمات اللاجئين، على ما يبدو نتيجة للحرب في غزة. تم استخدام العبوات الجانبية والمزروعة، قبل 7 تشرين الأول، لكنه ازداد جداً كمية ونوعية في فترة الحرب. تنبع الدافعية التي تصاعدت من أنه يكاد يكون لكل عائلة فلسطينية في الضفة أقرباء في غزة. هذا حافز محظور تجاهله في الاعتبارات المتعلقة باستمرار الحرب وتوزيع قوة الجيش الإسرائيلي بين الساحات المختلفة.
ويوجد أيضاً “الإرهاب” اليهودي الذي لا يهيج فقط المنطقة بل يصعد عملية تنظيم المجموعات الفلسطينية المسلحة ويمس بدولة إسرائيل مباشرة، بسبب الصدى الدولي الذي لأعمال المشاغبين. يحتمل ألا يبعد اليوم الذي تفرض فيه حتى الولايات المتحدة على دولة إسرائيل كلها عقوبات بسببهم.
توفر السلاح الخفيف الذي كان قبل الحرب يتواصل وهو أيضاً يساهم في ظهور الكتائب التي نشأت في شمال “السامرة”، وفي غربها ومؤخراً أيضاً في الغور. الكتائب هي مجموعات فلسطينية من الشباب الذين امتلكوا السلاح، ولأنهم عاطلون عن العمل ولا يمكنهم الخروج للعمل في إسرائيل، فإنهم يحتاجون إلى المال الذي تدفعه “حماس” و”الجهاد” لكل من هو مستعد للعمل معهم.
قبل 7 تشرين الأول كانت كتائب كهذه أساساً في مخيم اللاجئين جنين، وبعد ذلك في مخيم اللاجئين نور شمس. أما الآن فيوجد نحو 15 مجموعة مسلحة منتشرة في أرجاء “السامرة”، ويمكن أن نرى امتداد الظاهرة إلى غور الأردن وإلى منطقة بنيامين أيضاً. هذا نوع من “الدائرة السحرية”: لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالخروج للعمل في أراضيها، ما يؤدي إلى وضع اقتصادي صعب وبطالة، ما يشجع العديد من الشباب للبحث عن الحل لأزماتهم العاطفية والاقتصادية لدى “حماس” و”الجهاد”. ومن جهة أخرى، إسرائيل أيضاً توجد في شرك. إذا لم يدخل الجيش إلى مخيمات اللاجئين ولم يصفِ من الجو خلايا “مخربين” تنتمي لهذه الكتائب، ستنتقل الظاهرة أيضاً إلى داخل إسرائيل. الخوف الملموس في جهاز الأمن هو من انتفاضة كاملة لا تكون فيها أعمال إخلال جماهيرية بالنظام مثلما في الانتفاضة الأولى والثانية، لكن تكون فيها مواجهات بالنار. من الجدير بالذكر أن توفر السلاح كبير جداً؛ لأن إيران ضاعفت جهودها لتهريب السلاح من الأردن ومن سورية للفلسطينيين في الضفة، ولأن الحدود مع الأردن لم تعد تشكل عائقاً أمام “المخربين”.
سيناريو قلب الأعشاش
السيناريو الذي يقض مضاجع جهاز الأمن هو انقضاض منظم للكتائب الفلسطينية في شمال “السامرة” على مستوطنات يهودية أو مزارع منعزلة ليس لها أسيجة على نمط ما فعلت “حماس” في 7 تشرين الأول، بمشاركة أجهزة الأمن الفلسطينية. في الجيش الإسرائيلي يسمون هذا “سيناريو قلب الأعشاش”، إذ إن أجهزة أمن السلطة حتى الآن تحاول تقليص ظاهرة الكتائب المسلحة. فهم يفهمون أنه إذا خرجت الأمور عن السيطرة في الضفة، فستكون السلطة الفلسطينية هي التالية في الدور، وستقع عليها هجمة عديمة الرحمة. لكن قدرات رجال أجهزة الأمن هزيلة، ورغم أنهم يفعلون أفضل ما يستطيعون، إلا أنهم غير قادرين على مواجهة الظاهرة. يعمل الجيش الإسرائيلي كي يقمع موجة “الإرهاب”. فإن كان الجيش حتى السبت اللعين في تشرين الأول قيد مدى الحملات وتواترها في مخيمات اللاجئين بسبب الخوف من الرد الصاروخي من غزة، فإنه الآن يعمل بلا قيود ويحاول تنفيذ خطوة تسبق “المخربين”.
يوجد هنا نوع من الأعمال المتبادلة. “المخربون” يتعلمون كيف يستخدمون العبوات إذ رأوا أنها تحدث خسائر بين جنود الجيش الإسرائيلي في غزة، ويفهم الجيش أن الاستخدام المتداخل للقوات البرية إلى جانب المُسيّرات المسلحة أو حتى الطائرات القتالية تحقق نتائج أفضل. لكن صورة الوضع هي صورة قتال لقوة متوسطة تنتشر من شمال “السامرة”. اليوم يوجد أكثر من 23 كتيبة ووحدات خاصة للجيش الإسرائيلي في الضفة. وإذا ما بدأت أعمال “المخربين الانتحاريين” مع عبوات ناسفة أو أحزمة ناسفة في إسرائيل، فإن هذه القوة ستزداد. كما سيضطر “الشاباك” لتقليص القوات التي يخصصها لقطاع غزة ليستثمرها في الضفة.
معضلة الضفة
حسب كل المؤشرات قد تكون إسرائيل في غضون وقت غير بعيد في جبهة قتال كاملة أخرى. الاستنتاج هو أنه يجب، إلى جانب العمل المكثف، سد خط التماس بشكل محكم أكثر مما هو الآن. وعلى المواطنين أن يبدوا اليقظة وعلى الشرطة والجنود أن يسيروا بالدوريات في الأماكن التي تعج بالناس كي يخلقوا الردع.
وعلى الجيش أن يأخذ في اعتباراته الإستراتيجية إمكانية أن يضطر ليقاتل بقوة حيال لبنان أو حيال إيران، وفي الوقت ذاته أن يعزز القتال بقوى متوسطة في غزة والضفة. يستوجب الأمر أساساً سياسة قوة بشرية إبداعية ومضاعفة جهود الاستخبارات الوقائية. فأول من أمس، فقط، أعلن الجيش أنه سيعيد إلى خدمة الاحتياط 15 ألف مواطن حتى سن 35 سبق أن تلقوا الإعفاء.
القتال على نمط غزة في الضفة من شأنه أن يمس بشرعيتنا الدولية في الدفاع عن أنفسنا. من جهة أخرى إذا كان وقف نار في غزة من المعقول الافتراض أن تهبط أيضاً الدافعية القتالية للسكان في الضفة، وهذا اعتبار آخر في الطريق إلى صفقة مخطوفين.
عن “يديعوت”