بقلم: ينيف كوفوفيتش/ الزمان: يوم الجمعة 6 تشرين الأول الماضي، فرقة غزة، الساعة: 23:00 ليلا: مساء عادي في غرفة العمليات. في حينه سمع صراخ: “علي كاتشي يتصرف بصورة مشبوهة”. اندفع نحو غرفة العمليات جندي نظامي في الاستخبارات. كاتشي هو أحد نشطاء “حماس” من جباليا وهو برتبة تعادل رتبة قائد فصيل. المراقبات اصبحن يعرفنه من بعيد. وحسب قول هذا الجندي فإنه هو وعدد آخر من النشطاء كانوا يتصرفون بشكل مثير للشك. “هذا يشير إلى أنه يستعد للاقتحام مع رجاله”. هذه المعلومة قفزت بسرعة إلى سلسلة القيادة ووصلت حسب المصادر التي تحدثت مع “هآرتس” إلى ضابط الاستخبارات في فرقة غزة، الذي اصدر حكمه وقال، إن الأمر يتعلق بتدريب عادي لـ”حماس”.
بعد 8 ساعات، حيث كانوا في غرفة العمليات للفرقة، معظم كاميرات المراقبة خرجت عن العمل ومخربو “حماس” مباشرة كانوا وراء البوابة. لقد رأوا على الشاشة التي بثت من الكاميرا الوحيدة التي ما زالت تعمل نفس هذا الكاتشي. لقد قاد عشرات المسلحين إلى معبر “إيريز” دون أي إزعاج. بعد بضع دقائق أخرى، عندما كانت الساعة 7:25 شاهدوا كيف أن قائد الفصيل من جباليا يجر مع رجاله العريف أول ميك بايزر والشاويش رون شيرمان والعريف تمير نمرودي وأيديهم مرفوعة إلى داخل قطاع غزة. بايزر وشيرمان قتلا بعد ذلك، كما يبدو بهجوم لسلاح الجو على أنفاق “حماس”. نمرودي ما زال موجودا هناك.
هذه الحادثة هي فقط مثال على النظرية التي تسببت بفشل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في الفترة ما قبل 7 أكتوبر. تقرير “هآرتس” يرتكز على محادثات كثيرة أجريت مع عدة مصادر في الجيش وفي جهاز الأمن، سابقة وحالية، ويرسم خطوطا لصورة الفشل الاستخباري في 7 أكتوبر والعمى الذي عانت منه اسرائيل فيما يتعلق بما يحدث في القطاع.
أساسات التقرير الذي سينشر هنا، حسب مصادر رفيعة، هي أساس فحص الجيش للفشل الاستخباري، الذي ما زال في المراحل الأولى. وهو يشمل الإخفاقات على طول القطاع الأمني، سواء في “الشاباك” أو في الجيش الإسرائيلي. وقد ارتكز على تغيير صارخ في النظرية، التي بحسبها لا يوجد أي احتمالية في أن “حماس” يمكنها اقتحام اسرائيل من البر، وأن قدرتها الأساسية على إدارة معركة ضد اسرائيل هي إطلاق الصواريخ حادة المسار.
وقد تناول أيضا، أنه حسب بعض القادة فإنه بعد عملية حارس الأسوار تقرر وقف جمع المعلومات الاستخبارية عن المنظومة التكتيكية في “حماس” وعن المستوى الأوسط في الذراع العسكرية، والتركيز على عدد من الشخصيات فقط. نتيجة لذلك فإن مصادر جمع المعلومات تم تحويلها للانشغال بالصواريخ والمجهر ابتعد عن رجال “حماس”. “لم يتم تناول إمكانية اقتحام بلدات”، قال مصدر. “ظهر هناك في سيناريوهات لم يؤمن بها أي أحد ولم ينشغل بها”.
من المحادثات، يتبين أن هذا كان إيمانا أعمى ومطلقا، لذلك فإن مواقف مناقضة تم إسكاتها ولم تعط الفرصة للتعبير عن ذاتها، بدءا من الاستخبارات في المنطقة الجنوبية وفرقة غزة وحتى منتدى هيئة الأركان. أيضا الجيش قام بتجفيف وتقليص منظومات أقسام ووحدات، وفي النهاية، بقيت فقط وحدة ضئيلة الموارد ويوجد فيها ثلاثة ضباط. وقد كان هدفها هو مراقبة قادة كبار لـ”حماس” في الذراع العسكرية. “الشعور كان شعور استخفاف من قبل الجهات الرفيعة في المستوى السياسي والمستوى الأمني”، قال الضابط المطلع على هذه الأمور. “الاستخفاف بالمنظمة التي لم نعرفها أبدا”.
إلى أي مستوى كان الاستخفاف كبيرا؟ من المحادثات يتبين أنه أيضا رأي هؤلاء الضباط الثلاثة لم يرغب أي أحد بسماعه. وبالتأكيد عندما حاولوا طرح أسماء لم تكن في قائمة المهمات المقلصة مثل “كاتشي”. “من غير المؤكد أنهم لو كانوا عملوا ضد “كاتشي” لكان ذلك سيمنع هجوم (حماس)”، قالت ضابطة احتياط في الاستخبارات مطلعة على الموضوع. “لكن قصته تجسد في أعماقها كل التصور المتغطرس وصراعات الغرور الشخصية في الجيش الإسرائيلي بشكل عام وفي قسم الاستخبارات وقيادة المنطقة الجنوبية بشكل خاص”.
فشل في نهاية النفق
نقطة البداية في محور الزمن للفشل الاستخباري تكمن في 21 أيار 2021، الساعة الثانية فجرا؛ موعد دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ بعد انتهاء عملية حارس الأسوار. من هنا بدأت نظرية الاستخبارات الجديدة فيما يتعلق بقطاع غزة تتحول من نظرية إلى تطبيق. عند انتهاء الجولة المناوبة، اعتقد رئيس الأركان في حينه، أفيف كوخافي، ورئيس الاستخبارات العسكرية القادم، أهارون حاليفا (الذي كان في حينه في نهاية منصبه كرئيس لقسم العمليات)، بأن العائق تحت الأرض الذي أقيم على حدود القطاع، إضافة إلى الجدار، سلبا “حماس” قدرتها على التسلل إلى داخل اسرائيل.
إضافة إلى ذلك، قدروا في الجيش بأنه لو أرادوا فإنه يمكنهم أن يقتلوا بقصف من الجو مخربي “حماس” الذين سيهربون إلى داخل الأنفاق في القطاع. وكل ما بقي هو “سحب الصواريخ”، مثل عنوان مقال حاليفا الذي نشر في حينه في المجلة العسكرية “بين الأقطاب”، الذي نشر أيضا في موقع الجيش الإسرائيلي. بعد كل ذلك، اعتقد أنه “لن يكون لـ(حماس) أي إمكانية لإدارة معركة ضد اسرائيل، وأنه يمكنها على الأكثر أن تهدد بسلسلة عمليات نوعية”. هذا لم يكن مقال رأي، بل الحلم الذي أصبح حقيقة. وفي 7 أكتوبر تبين أنه كان مقدمة لكابوس. “منذ تلك اللحظة”، قال ضابط استخبارات رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية في حينه، “لم يهتم الجيش الإسرائيلي في جمع المعلومات الاستخبارية عن قوات (حماس) وقادتها الكبار والبارزين فيها أو عن تدريباتهم”.
عمليا، كانت هناك ثلاثة افتراضات. الأول يبدو أنه صحيح وهو أنه “لا يمكن اجتياز الحاجز التحت ارضي”. ولكن الافتراضات الأخرى كانت خاطئة. فالقدرة على المس بمترو “حماس” كانت محدودة جدا، والجدار الأمني تبين أنه سور شبه موجود. في 7 أكتوبر، نجح مخربو “حماس” في اختراقه في 44 نقطة. قبل سنتين، في احتفال افتتاح العائق الذي شمل أيضا الجدار فوق الأرضي، اعلن وزير الدفاع في حينه بني غانتس بأن الإضافة الجديدة لمشهد الغلاف هو “مشروع تكنولوجي وابداعي، فريد في نوعه، ويحرم (حماس) احد القدرات التي حاولت تطويرها، ويضع جدارا فولاذيا بينها وبين سكان الجنوب”. العميد عيران أوفير رئيس إدارة الحدود قال، إنه “لا يمكن التسلل إلى داخل أراضي اسرائيل”.
ليس فقط أنه تبين فيما بعد أن هذه الأقوال لم تكن صحيحة بشكل واضح، بل يبدو أنهم في الجيش الإسرائيلي لم يأخذوا في الحسبان إمكانية أن الجدار الجديد يمكن أن يكون أقل إحكاما مما هو متوقع، أي أنه ما الذي سنفعله إذا نجحت مع ذلك قوات “حماس” في اختراقه. هذا السيناريو تم طرحه، على الأقل في مناورتين أجريتا في السنوات قبل استكمال الجدار الجديد.
المناورة الأولى في العام 2016، في حينه قدر الضباط الذين اشرفوا على المناورة برئاسة الجنرال احتياط ميكي ادلشتاين، أن “حماس” لا يمكنها تنفيذ هجوم واسع بواسطة الأنفاق. هذه يمكن استخدامها لعمليات محدودة مثل الاختطاف، لذلك سيتم التدرب على الاقتحام بواسطة السيارات والدراجات والطائرات الشراعية، واقتحام الجدار وبعد ذلك التحرك نحو بلدات الغلاف التي كان حولها يتواجد جنود الجيش الإسرائيلي. لم يتم الحديث عن آلاف، بل عن بضع عشرات. “بعد فترة قصيرة، كان من الواضح أنه لم تكن هناك أي خطة للدفاع والهجوم لهذا السيناريو”، قال مصدر أمني شارك في المناورة. “بعد بضع ساعات، قرر ادلشتاين وقف المناورة عندما وصل العدو إلى مفترق (عاد هالوم) في الشمال، وبعد ذلك إلى (كريات غات) في الجنوب، دون أن يتمكنوا في قيادة المنطقة الجنوبية وفي فرقة غزة إعطاء رد”.
مناورة أخرى كان يجب إجراؤها في 2019. أيضا في حينه أراد قادة المناورة تقليد اختراق الجدار، لكن القادة الكبار عارضوا ذلك وصمموا على التدرب فقط على اختراق من الأنفاق. في نهاية المطاف، تمت الموافقة على رأيهم، وخيار اختراق الجدار لم يتم فحصه أبدا. في الوقت الذي جرت فيه هذه التدريبات كان قد اصبح من المعروف بأنه سيتم بناء جدار، ويبدو أنهم وثقوا به إلى درجة أنهم لم يروا أي حاجة لفحص إمكانية ألا يصمد أمام التوقعات.
الفشل المكمل هو الافتراض بأن اسرائيل يمكنها قتل المخربين في الأنفاق، ما سمي “شرك الموت”. هذا ارتكز إلى عملية “الضربة الخاطفة” في عملية حارس الأسوار، التي حاول فيها الجيش الإسرائيلي تضليل “حماس” وجعلها تعتقد أن الجيش يخطط لعملية برية كي تجعل رجالها يهربون إلى الأنفاق قبل لحظة من قصف سلاح الجو بقنابل ثقيلة الوزن. بعد تلاشي الدخان، سارعوا في المستوى السياسي والمستوى الأمني إلى مدح العملية. “(حماس) لم تعد تستطيع مواصلة الاختباء”، اعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وأضاف كوخافي، “نحن قمنا بتوجيه ضربة شديدة إلى شبكة الأنفاق تحت الأرض، التي تم إعدادها لتكون البعد القتالي الرئيس لـ(حماس)”.
“بسرعة كبيرة”، قال ضابط استخبارات كان في غرفة العملية، “تبين أن العملية فشلت وأن (حماس) فهمت تضليل الجيش الإسرائيلي ومعظم رجالها لم يدخلوا إلى الأنفاق”. ولكن كل ذلك لم يزعج المستوى الأمني والسياسي في مواصلة حملة الأكاذيب. “الحملة التي كشف فيها الجيش الإسرائيلي عن شبكة أنفاق (حماس)”، قال الضابط نفسه، “كانت مجرد كذبة عرضت على وسائل الإعلام والجمهور بشكل متعمد”. بعد ذلك تبين أن هذا لم يكن الفشل الوحيد. ففي الوقت الحقيقي لم يعرفوا في الجيش الإسرائيلي أن هناك الكثير من الأنفاق المتشعبة بكل الأعماق، التي لا يستطيع الجيش أن يدمرها من الجو أو قتل من يوجدون فيها. ولكن عدم المعرفة أوجد في الوقت نفسه معرفة خاطئة في المستوى السياسي والمستوى الأمني وكأنه توجد للجيش الإسرائيلي القدرة على قتل في أي وقت كل من يوجد تحت الأرض في القطاع. “بسبب ذلك”، قال ضابط استخبارات مطلع على التفاصيل، “قاموا بتغيير نظرية الاستخبارات فيما يتعلق بغزة و(حماس)”. مكانة مركزية حصل فيها هذا المفهوم على الكثير من الثناء، وهي الخطة متعددة السنوات “تنوفا 2007″، التي قام كوخافي بصياغتها عندما تولى منصبه، ووافق عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
“مبادئ هذه الخطة، مركباتها وطرق القتال الجديدة فيها، استهدفت حرمان العدو من قدرته على القتال حتى هزيمته”، كتب رئيس الأركان في مجلة “بين الأقطاب” في آب 2020. “أولا، مطلوب القضاء على قدرة العدو على إطلاق النار، الموجه لهجوم واسع النطاق وفعال على الجبهة الداخلية والبنى التحتية للدولة وللجيش الإسرائيلي وللقوات القتالية”. حلم كوخافي هذا خلق عقيدة جديدة في قيادة المنطقة الجنوبية، تتمثل في جمع المعلومات الاستخبارية المحدودة. “خلافا للمنطقة الجنوبية فإنه في المنطقة الشمالية تقرر الحفاظ على جمع المعلومات عن تكتيك (حزب الله) من قبل الفرقة”، قال ضابط رفيع. “في منطقة الجنوب، كان التفكير مختلفا لأنهم لم يعتقدوا بأن “حماس” يمكنها تنفيذ اقتحام داخل اسرائيل، وبالتأكيد ليس بأبعاد 7 أكتوبر”.
عن “هآرتس”