يوم 22 كانون الثاني (يناير) أعلن المسؤولون الإسرائيليون أنهم صدوا قبل عدة أسابيع ما وصفوه بأنه مخطط إرهابي “متطور” لتنظيم القاعدة في إسرائيل. ومع ان الجهاديين الملهمين من القاعدة كانوا قد استهدفوا إسرائيل من قبل، فإن هذه هي المرة الأولى التي يعرف فيها بأن قادة كبارا من القاعدة كانوا متورطين مباشرة في هذه الخطط.
وذلك قد يبدو بعض الشيء مدهشاً للمراقبين العاديين على ضوء مكانة إسرائيل في خطاب القاعدة على مر الأعوام. ومع ان الحاجة لاستهداف إسرائيل واليهود تحتل مكانا مرموقاً في أساطير القاعدة فإنها نادراً ما تُرجمت إلى مهمات عملية ضد إسرائيل. وذلك ما يجعل المخطط الأخير، والذي تم تعقبه حتى زعيم القاعدة أيمن الظواهري، ذا مغزى كبيراً. وفي الحقيقة، فهو يتحدث عن خوف بين ظهراني قادة القاعدة المحوريين من أن القتال في ساحل البحر الأبيض المتوسط – وخاصة في سورية—قد أفلت من بين أيديهم.
ووفق السلطات الإسرائيلية، فإن المخطط الأخير بدأ عندما جند “عريف الشام”، ناشط القاعدة المتمركز في غزة والذي عمل لصالح الظواهري، ثلاثة رجال للمشاركة في هجوم. وبينما ليس من الواضح كيف عرف مسؤولو الأمن الإسرائيليون بالتجنيد في البداية والذي تم عبر شبكتي التواصل الاجتماعي “سكايب” و “فيسبوك” .
إلى ذلك، يقول الإسرائيليون إن المجند الرئيس كان إياد خليل أبو سارة البالغ من العمر 23 عاماً من ضاحية رأس خميس في القدس الشرقية. وذكر أن أبو سارة تطوع لتنفيذ “هجوم تضحية” على حافلة ركاب تعمل على خط القدس ومستوطنة معاليه أدوميم (الخان الأحمر). وقضت الخطة بأن يتولى رجال مسلحون إطلاق النار على إطارات الحافلة حتى تقلب الحافلة. وبعد ذلك يتولون قتل الركاب بإطلاق النار عليهم من مسافة قريبة. وأخيرا ، فقد افترضوا، بأنهم سيقتلون خلال تبادل لإطلاق النار مع البوليس وأول من يهب للنجدة. كما خطط شام وأبو سارة لعمليتين انتحاريتين متزامنتين في مركز تجمع في القدس وحيث سيتولى مفجر انتحاري آخر استهداف المستجيبين من الطوارئ واستهداف السفارة الأميركية في تل أبيب.
إلى ذلك، ذكر أن السلطات الإسرائيلية صدمت لانخراط الظواهري. فقد وجه تعليماته مباشرة بتنفيذ هذا المخطط. لكن ربما يكون أكثر مدعاة للدهشة كيفية تطور المخطط على نحو سريع..
وراء الخطاب
لأمد طويل ظلت إسرائيل والقضية الفلسطينية محور اهتمام بالنسبة لتنظيم القاعدة.
ومع أنه وحتى الآن نادراً ما ترجمت خطابات ابن لادن إلى عمليات حقيقية ضد إسرائيل فإنه كانت هناك بعض الاستثناءات. فقد أعد ريتشارد ريد “مفجر الحذاء” البريطاني لمهمته في العام 2002 من خلال اختبار أمن الطيران على متن خطوط الطيران الإسرائيلي (إلعال) واستطلاع أهداف محتملة في إسرائيل ومصر. إلى ذلك، يدعي خالد شيخ محمد بأنه انخرط في مجموعة من الخطط لتنفيذ هجمات على إسرائيل بما فيها واحدة تدخل بموجبها طائرات من العربية السعودية للمجال الجوي الإسرائيلي وتصطدم بمباني سكنية في إيلات، المدينة الإسرائيلية التي تقع في أقصى الجنوب الإسرائيلي. وكان الجزء الواحد من مخططه الذي نجح هو الهجوم في تشرين الثاني (نوفمبر) على فندق “برادايس” الإسرائيلي في مومباسا في كينيا ما أسفر عنه مقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح 20 آخرين.
وعموما، لم تركز القيادة الكبرى للقاعدة عملياتها على إسرائيل كما أنها لم ترحب على نحو خاص بادعاءات المجموعات المتمركزة في غزة بالانضواء تحت راية القاعدة أو ملهمة منها. وخلال حرب كانون الأول (ديسمبر) 2008 وكانون الثاني (يناير) من العام 2009 في غزة أعربت القاعدة عن الدعم للمقاتلين الفلسطينيين ودانت الدول العربية لفشلها في مساعدتهم لكنها لم تقرن أقوالها بالأفعال. وبعد شهور قليلة وفي آب (أغسطس) من العام 2009 عندما انتهت غارة شنتها حماس على مسجد للجهاديين السلفيين في غزة بمعركة بالأسلحة النارية أسفرت عن مقتل 24 شخصاً وجرح 130 آخرين دان قادة القاعدة حماس ودعوا الله “للانتقام لدم الرجال الذين قتلوا ولتدمير دولة حماس”. كما دعا بن لادن والظواهري إلى الجهاد في غزة لكن القاعدة ما تزال مع ذلك لم تعترف أبداً بأي مجموعات فلسطينية تبنت اتهامها.
اكسب أو اخسر أو تعادل
وعليه لماذا تم التغير المفاجئ في المسار؟
وفي مفهوم آخر، فإن للمخطط الأخير الذي أحبط هو أكثر من صلة مع الظواهري وغيره من كبار قادة القاعدة الذين يقفون بين المجموعات الجهادية الكونية الأخرى.
ومثل ابن لادن لطالما وضع الظواهري، الذي يعد الآن زعيماً للقاعدة، استهداف إسرائيل في وضع أبعد أسفل طوطم القطب العملياتي أكثر منه أهدافاً مباشرة. وفي التسعينيات (من القرن الماضي) أصر الظواهري على القول إن “الطريق إلى القدس تمر عبر القاهرة”. وفي كلمات أخرى فإنه يمكن تحرير فلسطين فقط عندما يتم إسقاط الأنظمة الإسلامية بشكل غير كاف وغير المشروعة في أماكن مثل مصر. وبعد أعوام وفي رسالة إلى أبو مصعب الزرقاوي في العراق يشرح الظواهري بأن استهداف إسرائيل هو هدف المرحلة الرابعة في أعقاب أو متزامنا مع طرد الأميركيين من العراق وتأسيس إمارة إسلامية هناك ومد الجهاد للبلدان العلمانية المجاورة للعراق.
إن المخطط الذي أحبط حديثا له أكثر من علاقة مع الظواهري وغير من كبار قادة القاعدة الذين يقفون مع مجموعات الجهاد العالمي الأخرى، فالتطورات في سورية تغير وعلى نحو سريع طبيعة المؤسسة الجهادية، إذ لم يعد مركزها في أفغانستان أو باكستان أو العراق أو اليمن وإنما قلب ساحل البحر الأبيض المتوسط –الشام– في سورية. وهناكمنظمتان تابعتان للقاعدة: الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة تقاتلان نظام الأسد وحلفاءه الشيعيين والثوار السوريين الأكثر اعتدالا. ولم تندمج المجموعتان مع بعضهما فيما دانت إحداهما (جبهة النصرة) بالولاء للظواهري. وفي الحقيقة عندما أصدر الظواهري تعليماته للدولة الإسلامية في العراق والشام بالتركيز على العراق وترك المسرح السوري لجبهة النصرة رفض زعيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أبو بكر البغدادي ذلك كلية. وهذا الأسبوع رد الظواهري بالمثل منحيا باللائمة على الدولة الإسلامية في العراق والشام لفداحة الكارثة التي نزلت بالجهاد في سورية ونزع روابطها مع القاعدة. وأصر الظواهري على القول إن الدولة الإسلامية في العراق والشام ليست فرعا من القاعدة، ولا توجد لنا علاقة تنظيمية معها.
وفي الأثناء تظل مجموعات إسلامية أخرى مثل أحرار الشام مستقلة حتى وهي تتشارك في بعض المفاهيم الأيديولوجية مع القاعدة. واليوم، نجد إن المراكز الجهادية التي تستقطب مجندين جددا ومقاتلين أجانب لا تدار من جانب القاعدة. وبمعرفة ذلك، شعر الظواهري ربما بالحاجة لأن يكون قادرا على الادعاء بشيء أكبر يلتف من حوله المقاتلون الجهاديون من كل الأطياف والأحجام. فما هو الأفضل والحالة هذه من هجوم على إسرائيل .
الغد الأردنية