بيت لحم- الحياة الجديدة- زهير طميزه- تشتهر كل محافظة من محافظات الضفة بقطاع اقتصادي محدد يميزها، ويشكل المحرك وقاعدة الارتكاز لاقتصادها، ففي حين تمتاز الخليل بالتجارة، ونابلس بالصناعة، وأريحا والاغوار بالنخيل والخضروات، فان شمال ووسط الضفة يمتازان بزراعة الزيتون، وهي قطاعات انتاجية تقوم بسواعد المواطنين أنفسهم. وحده اقتصاد بيت لحم يعتمد اعتمادا اساسيا على السياحة، وتحديدا السياحة الوافدة من الخارج. لذلك فان تأثر اقتصاد بيت لحم يكون مباشرا وسريعا وبليغا في الأزمات الكبرى التي يتعذر معها وصول السائح الى المحافظة، كما حصل إبان أزمة كورونا ويحصل حاليا في ظل الإبادة والعدوان المتواصلين على الشعب الفلسطيني منذ اكتوبر2023.
يقول سعد نواورة رئيس نقابة العاملين في القطاع السياحي لـ “الحياة الجديدة”: إنه ومع مع انطلاق العدوان على الشعب الفلسطيني قبل عشرة أشهر، توقفت الحركة السياحية وأغلقت الفنادق ومتاجر التحف الشرقية أبوابها وتوقف عن العمل عدد كبير من مشاغل خشب الزيتون، فضلا عن العشرات من الباعة المتجولين.
ويضيف: آلاف العاملين في القطاع السياحي وجدوا أنفسهم وأسرهم بدون اي دخل، ففي حين يمكن للعاملين في قطاعات البناء والزراعة والتجارة ايجاد ما يسد رمقهم من خلال العمل في السوق المحلية، فإن العاملين في القطاع السياحي ليس لديهم اية بدائل، فعملهم يعتمد بشكل كلي على حركة السياحة الأجنبية المتوقفة تماما. مطالبا الحكومة بدعم هذه الفئة من العمال من خلال مشاريع التشغيل والقروض والبطالة.
في المقابل قال الفنان خلدون البلبول صاحب مركز فسيفساء بيت لحم: صحيح أن الحركة السياحية توقفت تماما في بيت لحم، لكن الحرفيين واصحاب ورش الفسيفساء، والخزف وخشب الزيتون، يحاولون ايجاد بدائل من خلال التسويق الإلكتروني لدرء خطر إغلاق هذه الورش والمعامل. وأضاف انه شخصيا كوّن صداقات ومعارف مع السياح الذين كانوا يزورون ورشته وبالتالي يتواصل معهم ويسوق من خلالهم بعض اعماله الكترونيا. وأعتبر البلبول أن القطاع السياحي الثقافي بحاجة لخطط واستراتيجيات لمواجهة الأزمات، ومواصلة ايصال رسالته السامية الى العالم. ونوه البلبول الى أن ما ينطبق على قطاع الورش الحرفية لا ينطبق على قطاع الفنادق والمطاعم التي تعتمد على الحضور الفيزيائي للسائح.
من جانبه قدر جريس قمصية المتحدث باسم وزارة السياحة خسائر القطاع السياحي بأكثر من ( 1.5 مليون) دولار يوميا، فالأضرار التي لحقت بهذا القطاع غير مقتصرة على العاملين في السياحة بشكل مباشر، بل طالت ايضا القطاعات المساندة. فمثلا كانت فنادق بيت لحم قبل العدوان تستقبل يوميا قرابة 9 آلاف سائح، وكل سائح بحاجة الى وجبات طعام وشراب وخدمات تنظيف واتصالات ومواصلات وغيرها من الخدمات التي توفرها القطاعات المساندة، والتي بدورها تشغل آلاف الأيدي العاملة المرتبطة بشكل غير مباشر بقطاع السياحة. واستعرض قمصية للحياة الجديدة حجم القطاع السياحي الذي يشكل العصب الاقتصادي لمدينة ومحافظة بيت لحم، حيث يعمل في المحافظة 78 فندقا، عدا عن عشرات بيوت الضيافة المنتشرة في مختلف انحاء المحافظة، وهناك ايضا 90 متجرا للتحف الشرقية و450 مشغل خشب زيتون وحرف أخرى مرتبطة بالسياحة، فضلا عن 25 مطعما سياحيا و35 مكتب سياحة وسفر، فضلا عن القاعات والمتاجر المختلفة. وفي المجمل تشغّل المؤسسات السياحية المذكورة بشكل مباشر قرابة 7800 موظف عدا عن آلاف الأيدي العاملة في القطاعات المساندة.
وعن خطط الوزارة والحكومة لمواجهة الأزمة في القطاع السياحي، كشف المتحدث باسم وزارة السياحة عن جهود حثيثة لإعادة تنشيط هذا القطاع من خلال التوجه الى أسواق الدول الإسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا إضافة الى مصر، وخاصة أقباطها الذين كانت تقتصر زيارتهم على عيد الفصح، حيث يعمل وزير السياحة هاني الحايك، على اقناع السلطات المصرية السماح للأقباط بزيارة الاراضي المقدسة طوال العام. وعن سبب التوجه الى هذه الاسواق، قال قمصية: هذه الدول أقل تأثرا بالدعاية والإجراءات الاسرائيلية، كما يمكن لسياح هذه البلدان الوصول الى بيت لحم من خلال الأردن بدون الحاجة لاستخدام المطارات الإسرائيلية.
أما عن الاجراءات الآنية لمساندة العاملين في قطاع السياحة، فبَيّن قمصية أن الحكومة تتعامل معهم أسوة ببقية العاملين في القطاعات الأخرى، حيث تم شملهم في برنامج القروض الميسرة، لكنه نفى وجود قدرة لدى الحكومة حاليا للإعفاء من رسوم التراخيص على غرار ما فعلت ابان جائحة كورونا، مستطردا بأن الوزارة لم تطالب احدا بالإسراع في إجراءات الترخيص، ولم توجه دائرة الترخيص أية إخطارات على خلفية التخلف عن مواعيد الترخيص، وذلك تقديرا للظروف الراهنة.
المتحدث باسم وزارة السياحة اعتبر أنه لا يجب النظر الى القطاع السياحي من الباب الاقتصادي فقط، رغم اهمية هذا الجانب، فالسياحة ساحة اشتباك وصراع أخرى مع الاحتلال وروايته مشيرا الى أن العديد من مناصري القضية الفلسطينية الذين برزوا خلال العدوان، سياحٌ زاروا فلسطين وتعرفوا على حقيقية الوضع عن كثب. فمدينة بيت لحم نافذة فلسطين على العالم، والسياحة وسيلة تفاعل حضاري وثقافي عالمي، فضلا عن عوائدها الاقتصادية والمالية التي تشكل قرابة 11 % من الناتج المحلي الاجمالي.