هناك بعض الدراما التي تنطوي عليها الانتخابات الرئاسية المصرية الراهنة التي تقام يومي 26 و27 أيار (مايو). وفي هذه الانتخابات، يبدو وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي واثقاً من الخروج منتصراً. وفي الوقت الذي سيستنطق فيه المراقبون الدوليون وخصومه الإسلاميون شرعية انتصاره، فإن السيسي سيخرج من الاقتراع مسيطراً على الدولة المصرية.
الكثير من التغطية الإعلامية القادمة من مصر منذ تم الدفع بمحمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين إلى خارج السلطة قبل عام تقريباً، ركزت على قومية مصر أحياناً، وعلى تكوين نوع من عبادة الشخصية حول السيسي في أحيان أخرى. وكان الشعب المصري المتعب من حالة عدم الاستقرار، والمحبط من الاقتصاد البائس، والذي يشعر بالندم العميق على انتخابه الإسلاميين، قد تحول إلى السيسي وإلى الجيش –كما تقول الأطروحة- من أجل إنقاذهم من التطرفية، واستعادة النظام، وإعادة التفاؤل الذي تلا سقوط نظام حسني مبارك.
مع ذلك، يكشف استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث –بين 10 نيسان (أبريل) و29 منه، على عينة تمثيلية من 1000 مصري جرى اختيارهم عشوائياً- أنه بمجرد أن يستقر في الرئاسة، فإن السيسي سيواجه طيفاً واسعة من التحديات. أولاً، ربما لا يكون النظام الجديد بنفس الشعبية التي يظنها العديد من الناس: يقول 54 % من المصريين أن لهم رأياً إيجابياً في السيسي، بينما ينظر 45 % منهم إليه بنظرة غير تفضيلية –وهو معدل ليس سيئاً لزعيم وطني، لكنه ليس من نوع الأرقام التي تشير إلى أن مصر تلتف بالإجماع حول بطل قومي أيضاً. كما أن الرأي العام حول إسقاط الجيش لمرسي في تموز (يوليو) متطابق تقريباً: 54 % يقولون أنهم يرونه بعين تفضيلية، فيما يعارضه 43 %. ومرة أخرى، تظل النسبة فوق النصف، لكنها ليست ساحقة أيضاً.
ثانياً، يتسم مزاج المصريين حول وضع بلدهم العام بالقتامة والتشاؤم. ويقول 72 % أن الأمور في مصر تذهب في الاتجاه الخطأ، بينما يعبر 24 % عن قناعتهم بالطريقة التي تسير عليها الأمور. ويشكل هذا تحولاً كبيراً عن العام 2011، حين ظهر في استطلاع أجري بعد أسابيع فقط من الإطاحة مبارك، أن 65 % من المصريين كانوا راضين عن الطريق التي تسير فيها البلاد. وبدلاً من ذلك، يبدو المزاج الجماهيري اليوم شبيهاً إلى حد كبير بما كان عليه في السنتين الأخيرتين من حقبة مبارك، عندما كان الثلثان أو أكثر من المصريين غير سعيدين بحالة البلد. والسبب الرئيس لهذا الاستياء هو ضعف الاقتصاد.
بشكل تقريبي، هناك ثلاثة من بين كل أربعة مصريين (76 %) يقولون أن الاقتصاد في حالة سيئة، بينما يصف 21 % فقط الوضع الاقتصادي بأنه جيد. وكان منسوب التفاؤل بشأن البلاد قد ارتفع إلى الذورة في العام 2001، عندما أصبح المصريون آملين، مؤقتاً، بأن تشكل الإطاحة بمبارك ترياقاً ضد انتشار الفقر والبطالة. وفي ربيع العام 2011، قال 56 % من المصريين أنهم يتوقعون تحسن الاقتصاد في غضون الأشهر الاثني عشر التالية.
اليوم، أصبح المصريون أقل تفاؤلاً بأن تستطيع الحكومة الجديدة خلق فرص اقتصادية جديدة. ويعتقد 31 % من المصريين فقط بأن الوضع الاقتصادي للبلد سوف يتحسين في غضون الأشهر الاثني عشر القادمة، بينما يتوقع 35 % أن يسوء الوضع، ويتنبأ 31 % بأنه سيبقى على حاله.
تشكل جماعة الإخوان المسلمين –التي سقطت، لكنها بالكاد خرجت من المشهد السياسي- تحدياً ثالثاً للسيسي. وقد أفضت فترة رئاسة مرسي المضطربة بكل وضوح إلى خلق الأزمة وعدم الاستقرار اللذين تسببا بالقلق لمعظم المصريين، وعانت صورة جماعة الإخوان من ضرر بالغ خلال السنة الماضية. ففي العام 2011، مباشرة عقب الثورة، كان ثلاثة أرباع المصريين يفضلون رأي جماعة الإخوان المسلمين، حتى أن أغلبية قوية (63 %) كانت ما تزال تعبر في ربيع العام 2013 عن وجهة نظر إيجابية تجاه الجماعة. ومع ذلك، يعطي 38 % فقط تقييماً جيداً للجماعة في المسح الجديد.
مع ذلك، فإن حقيقة أن 4 من كل 10 مصريين يستمرون في النظر بإبجابية إلى المنظمة الإسلامية، التي أعلنتها الدولة المصرية مجموعة إرهابية، تعني أن السيسي سيأتي إلى المنصب وهو يواجه معارضة كبيرة لحكمه. وببعض الطرق، لا ينبغي أن تشكل مقاومة الإخوان المسلمين ومرونتهم أي مفاجأة: فقد كانت الجماعة موجودة طوال ما يقرب من تسعة عقود، واستطاعت النجاة من مستويات متفاوتة من القمع على مر الزمن من خلال التكيف وتحويل نفسها عندما يتغير السياق السياسي. وتبقى مصر دولة تتمتع فيها العديد من المواقف الإسلامية بقدر كبير من القبول، مما يزود جماعة مثل الإخوان المسلمين بقاعدة مستمرة من الدعم.
أما التحدي الرابع الذي يواجهه السيسي، فهو أن قاعدة الدعم المؤسسية الجديدة للنظام –الجيش- لم تعد تتمتع بالشعبية التي كانت تتمتع بها ذات مرة. فخلال الأيام الثمانية عشرة من الاحتجاجات في ميدان التحرير القاهري التي أفضت أخيراً إلى الإطاحة بمبارك، كان أحد الهتافات المألوفة هو “الجيش والشعب يد وحدة”. وفي الأشهر الأولى من حقبة ما بعد مبارك، كان 9 من كل 10 مصريين (88 %) يقولون أن الجيش يمارس تأثيراً إيجابياً على البلد. وفي مسح العام 2013، كان 3 من كل 4 تقريباً ما يزالون يحتفظون بنظرة إيجابية تجاه الجيش. لكن الاستطلاع الأخير بين أن 56 % فقط يقولون إن الجيش يمارس تأثيراً جيداً على البلد –ومع أن ذلك يشكل أغلبية، فإنها تظل أغلبية ضيقة ومتقلصة.
في الأيام العنيفة التي شهدها العام 2011، نعم اللاعبون الذين ساعدوا في الإطاحة بمبارك بوهج التأييد الشعبي الدافئ. وقد تلقى الجيش، وجماعة الإخوان المسلمين، وحركة 6 أبريل التي قادها الشباب، تلقوا جميعاً تقييمات إيجابية للغاية. ومع ذلك، بينت تلك الوحدة أنها مسألة عابرة فحسب، عندما اشتبك المصريون مع تصميم دستور جديد للبلد ومع مناقشة مشكلاته التي لا تعد ولا تحصى. وكما يبين المسح الجديد، فإن السنة الماضية كانت مدمرة بشكل خاص لصورة هذه المنظمات الرئيسية الثلاث.
لكن الأمر الذي ربما يكون أكثر إنذاراً بالشر، هو أن المصريين أصبحوا أقل حماساً بشكل ما لفكرة الديمقراطية نفسها. إنهم ما يزالون يريدون حكومة ديمقراطية، لكنه احتمال القول بأنهم لا يفضلونها كثيراً على الأنواع الأخرى من الحكم أصبح الآن أكبر بكثير. فحسب المسح الجديد، يعتقد
59 % من المصريين بأن الديمقراطية أفضل من أي بديل آخر، وهي نسبة هبطت من 66 % في العام 2013، ومن 71 % في العام 2011. كما تراجع حجم الأهمية التي يسندها المصريون لقضايا الانتخابات الحرة، وحرية التعبير، والصحافة الحرة أيضاً: فقد هبطت حصة الجمهور الذين يقولون بأن من المهم جداً عقد انتخابات نزيهة فيها خيار بين حزبين سياسيين على الأقل، من 56 % في العام 2013 إلى 45 % اليوم. ولأول مرة منذ بدأنا في طرح السؤال في العام 2011، أصبح المصريون يمنحون الحصول على حكومة مستقرة (54 %) أولوية على الحصول على حكومة ديمقراطية (44 %).
ببعض الطرق، تقدم الرغبة في الاستقرار فرصة للسيسي –الرجل القوي الذي تم جلبه لفرض النظام على بلد بدا في بعض الأحيان خارجاً عن نطاق السيطرة. لكنه لا يأتي إلى المنصب مصحوباً بقاعدة الدعم العريضة التي يتصورها البعض. ويجدر تذكر أن مبارك ومرسي بديا قويين جداً في بعض الأوقات أيضاً.
الغد الأردنية