غزة / يجد الفلسطينيون أنفسهم يدفعون ثمنا للصراع الدائر في سورية التي يقيم فيها زهاء نصف مليون لاجئ، رغم التأكيد مرارا على تبنى سياسة النأي بالنفس منذ اندلاع شرارات ثورات ما أطلق عليه ‘الربيع العربي’.
ومع دخول الأزمة السورية عامها الثالث، يجد نحو 250 ألف فلسطيني أنفسهم نازحين عن منازلهم في مخيمات سورية لاسيما مخيم اليرموك الرئيسي حيث حظوا على مدار عقود بحياة أفضل مقارنة بمخيمات الدولتين المجاورتين لبنان والأردن.
وشرد 120 ألف من هؤلاء إلى خارج سورية للإقامة حسب المناطق القريبة منهم في مخيمات مؤقتة على حدود لبنان وتركيا والأردن ، تصف الأمم المتحدة أوضاعها بالبائسة.
ورفضت إسرائيل طلبا من السلطة الفلسطينية بالسماح بعودة هؤلاء إلى الضفة الغربية ما أبقاهم أسرى لمأساة التشرد، بالإضافة إلى قتل أكثر من ألف فلسطيني حتى الآن أثر تعرض مخيم اليرموك الواقع إلى الجنوب من العاصمة دمشق لغارات قصف وتحوله في أحيان إلى ساحة حرب بين القوات الحكومية والمعارضة.
ومثل ذلك الوجه الأخر من الثمن الذي يرى فيه الفلسطينيون ‘خطر الانزلاق’ تدريجيا في أتون المعركة.
ودفع ذلك منظمة التحرير الفلسطينية إلى إيفاد وفد رسمي عنها توصل نهاية الشهر الماضي، إلى اتفاق لتحييد المخيمات الفلسطينية في سورية عن ويلات الصراع.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو الوفد إلى سورية أحمد مجدلاني لوكالة الأنباء الألمانية إن الاتفاق تضمن وضع سلسلة إجراءات عملية لإنهاء كافة المظاهر المسلحة في المخيمات الفلسطينية بما في ذلك حل ملفات المعتقلين غير المتورطين والمطلوبين أمنيا.
ويأمل مجدلاني أن يمكن الاتفاق النازحين من المخيمات من العودة المتدرجة لمنازلهم وضمان تنقلهم داخل المخيمات بما في ذلك تأمين توريد المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية لهم.
غير أن الطريق ليس مفروشا بالورود وسط ما يوصف بالحرب الطاحنة في بلاد الشام.
وبهذا الصدد تحدث مجدلاني عن صعوبات في التفاهم مع المعارضة السورية التي تتهم فصيل فلسطيني هو الجبهة الشعبية – القيادة العامة بالقتال إلى جانب الحكومة.
وأشار مجدلاني إلى مجموعات مسلحة في المعارضة تعتبر المخيمات الفلسطينية ‘ أراضي سورية بل وإسلامية ولا يمكن وقف القتال فيها حتى تحريرها كذلك’.
كما أقر مجدلاني بمشاركة ‘جهات فلسطينية’ في القتال ‘ بجانب الحكومة والمعارضة على حد سواء ‘.
وسبق أن ندد الرئيس الفلسطيني محمود عباس علنا بتورط القيادة العامة وأمينها العام أحمد جبريل المعروف بصلاته الوثيقة مع النظام السوري في خضم الصراع لما في ذلك من مخاطر بإقحام المخيمات واللاجئين بالمعركة.
واتخذت عدة فصائل فلسطينية مثل القيادة العامة سورية مقرا لها على مدار أعوام طويلة أبرزها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي فضلت مغادرة قياداتها خارج سورية بعد شهور من بدء الثورة باستثناء قيادات محلية في المخيمات.
في المقابل يواصل قادة الجهاد الإسلامي (الحركة الإسلامية الثانية) فلسطينيا والجبهة الشعبية اليسارية لتحرير فلسطين الإقامة في سورية لكنهما يصران على الحياد.
وقال خضر حبيب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في غزة لـ(د.ب.أ)، إن حركته ملتزمة بعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي وضرورة تجنيب المخيمات الفلسطينية هناك ويلات الصراع الدائر فيها، مشيرا إلى أنها تبذل جهودا مكثفة لتحقيق هذا الغرض.
وأضاف حبيب أن استمرار إقامة قادة الحركة وفصائل فلسطينية أخرى في سورية ‘ لا يعني أننا نؤيد النظام السوري بل أننا في الواقع نقف على الحياد تماما وعلاقتنا ممتازة مع النظام والمعارضة على حد سواء كما أنه لا يطلب منا أحد التدخل لصالح طرف معين’.
وبشأن تورط المخيمات الفلسطينية في سورية تدريجيا في الصراع، قال حبيب إن أطرافا فلسطينيا رفض أن يسميها ‘تصر’ على الزج بالمخيمات الفلسطينية بالأزمة السورية ‘الأمر الذي تتكاتف الفصائل والجهود من أجل تجنبه بكل الوسائل الممكنة’.
ولم يقتصر الانزلاق في المستنقع السوري على الفلسطينيين المقيمين هناك إذ ترصد مصادر فلسطينية التحاق عشرات المقاتلين بصفوف المعارضة غالبيتهم من عناصر الجماعات السلفية الجهادية، وبعضهم كانوا ينتمون سابقا لحركة حماس.
وقال مصدر مطلع في إحدى الجماعات السلفية لـ(د.ب.أ)، إن الأمر يتم بشكل أساسي بقناعة دينية ورغبة بـ ‘الجهاد’ خاصة منذ اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل عقب جولة العنف الأخيرة منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وذكر المصدر أن المقاتلين يغادرون من غزة باتجاه تركيا ومنها يلتحقون بجماعات متشددة أبرزها ‘المجاهدين في جبهة النصرة’ للقتال ضد النظام ‘الظالم حسب اقتناعهم’.
وأعلن في غزة خلال الشهرين الماضيين عن مقتل ناشطين سابقين في حماس هما نضال العشي (23 عاما) ومحمد قنيطة (32 عاما)، بينما كانا يقاتلان منذ شهور في سورية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل ‘مع الأسف أن حجم التواجد الفلسطيني في سورية وتركزه خصوصا في ضواحي العاصمة دمشق جعل وضع الفلسطينيين عمليا داخل ساحة الحرب المندلعة حتى وإن تم اتخاذ موقف الحياد من ذلك’.
ويشير عوكل إلى أن ‘ما زاد الطين بلة هو إعلان بعض الأطراف الانحياز لصالح طرف على حساب طرف أخر في سورية، وهذا حول المخيمات إلى جزء من ساحة الحرب وجعلها مناطق منكوبة يشرد سكانها على وقع القصف وعمليات القتل شبه اليومية ‘.
وقال مصدر في دائرة شئون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية لـ(د.ب.أ) إن تداخل المخيمات الفلسطينية مع محيطها من المناطق السورية والانصهار الاجتماعي وحتى العائلي بين كثير من السوريين والفلسطينيين، أمرا يجعل مسألة حياد اللاجئين شديدة الصعوبة.
وعن المشاركة الفعلية في أحداث القتال، قال عوكل إن ‘الحديث عن تورط أحاد وعشرات من الفلسطينيين في سورية وخارجها لا يجب أن يعني عمليا أن الفلسطينيين بالمجمل متورطين في الأزمة لأنهم في الواقع يدفعون الثمن الآن لاعتبارات مفروضة عليهم’.
وتابع قائلا: ‘بالإجمال فإن ما تتعرض له سورية سينسحب على الفلسطينيين بشكل مؤكد إن كان سياسيا أو في فيما يتعلق بوجود اللاجئين وحقوقهم المؤقتة هناك حتى بالرغم من المحاولات المستميتة من الموقف الرسمي القاضي بتبني موقف الحياد ‘.
د ب أ.