رام الله / تشهد منطقة الاغوار المجاورة للحدود الأردنية صراعا فلسطينياً إسرائيليا صامتاً، عنوانه أراضٍ خصبة، وآبار وخزانات مياه جوفية، تشكل اهم مصادر الاحتلال الاسرائيلي في انتاج وتصدير الخضار والفاكهة.
الزائر للمنطقة، لا يحتاج غير جولة قصيرة، كي يلحظ احتلال إسرائيل لكل شبر من أرض تشكل نحو 25 % من مساحة الضفة الغربية، اذا ما استثنينا بعض التجمعات البدوية التي تفتقر لكل مقومات الانتاج هناك، وبعض الشركات والدفيئات الزراعية الفلسطينية.
“معركة الاغوار” ان جاز التوصيف، لا تنحصر بالأرض فقط، بل تمتد لصراع اقتصادي، لا زال الطرف الفلسطيني هو الخاسر فيه وبكل المقاييس، اما الأسباب فتبدأ بأعمال التهويد الإسرائيلية، مرورا بإهمال فلسطيني مؤسساتي رسمي، وصولا الى مخاوف الشركات الزراعية الفلسطينية والمستثمرين الفلسطينيين من من مخاطر الربح والخسارة في حال استغلوا كامل طاقاتهم الاستثمارية.
ويحظى المستوطنون بتسهيلات، وإعفاءات حكومية اسرائيلية، تصل إلى 50% من مجمل التكاليف التي تترتب على المزارع الإسرائيلي، عوضاً عن حمايته عبر تأمين محاصيله من المخاطر المحتملة، وتقديم تسهيلات تتعلق بالتصدير، والترويج للمنتجات الزراعية من خلال اقامة معرضين محليين، وآخرين دوليين سنوياً وفقا لوزارة الزراعة الاسرائيلية.
وفي المقابل، فان المزارعين الفلسطينين، وخاصة ذوي الاستثمارات المحدودة، يعيشون كابوس خوف دائم ومركب، يبدأ باعتداءات المستوطنين والجيش، وصولا إلى المخاطر الطبيعية الناجمة عن الاحوال الجوية وما قد يلحق بالمحاصيل من دمار وخسائر، لا يجدون من يعوضهم اياها، عوضا عن غياب التأمين الزراعي الذي لا تزال السلطة الفلسطينة تعرض عن توفيره.
وما زالت السلطة تبتعد عن قضايا الإعفاء والحوافز المادية للمزارعين، الذين بدأوا ينتقل المزيد منهم الى اعمال اخرى غير الزراعة، كما تؤكد إحصاءات وزارة الزراعة الفلسطينية ان مساهمة قطاع الزراعة من الناتج المحلي الفلسطيني انخفض من 23% عام 1994 ليصبح 4% فقط مع نهاية العام الماضي 2012.
وبين كل هذا فان سكان المنطقة، وبيوتهم، وخيامهم، ومواشيهم، ومزروعاتهم، رهن اعتداءات شبه يومية، لنحو 10 آلاف مستوطن، يعيشون في عدة مستوطنات زراعية، اقيمت خلال سنوات الاحتلال ولم تتوقف عن التمدد على حساب اراضي وممتلكات الفلسطينيين.
ويقول خلدون الداري (ابو ثائر)، وهو من سكان قرية فصايل لـ دوت كوم، بأن اسرائيل ترى في الأغوار مخزناً كبيرا للمياه الجوفية، والسطحية التي تستخدم في ري الأراضي الزراعية، التي يستغلونها لتصدير مئات آلآف أطنان مختلف اصناف الخضار والفاكهة.
ويشير الى ان السيطرة الاسرائيلية تقوم في احد اوجهها على ترحيل سكان المنطقة موضحا ان بيته المصنوع من الصفيح، دمر ثلاث مرات من قبل المستوطنين، الذين اقدموا على قتل 15 رأساً من الاغنام خاصته، وصادروا أرضه المزروعة ببعض أصناف من الخضار، بهدف الاستهلاك المنزلي، ويتعرض للملاحقة “اينما ادير وجهي” كما قال.وعلى بعد أمتار من منزل ابو ثائر، يعاود الشاب حسن رمضان، وللمرة الرابعة، نصب خيمته، أمام ما تبقى له من أرض صادر الاحتلال القسم الاكبر منها لصالح إحدى المزارع التي استولى عليها مستوطن عام 2008.
ويقول:”هذا المستوطن استولى على عشرات الدونمات التي تعود لفلسطينيين، رحلوا بعد أن أصبحوا لا يملكون شيئاً هنا، وها هو الدور جاء علي الآن، فاستولوا على أرضي، وطمروا بئر الماء الذي كنت أسقي به الزرع، وأشرب منه مع أسرتي”
ويصف رمضان كيف أنه يصحو وينام يومياً على صوت هدير المياه تنساب من تحت قدميه عبر الانابيب المدفونة ولا يستطيع الوصول إليها، بل يضطر إلى شرائها ونقلها بصهريج.وفي المقابل، وعلى بعد مئات الامتار من خيام الفلسطينيين وبيوت القصدير، تنتشر مزارع المستوطنات المترامية، المحروسة بنقاط عسكرية للجيش الاسرائيلي، الذي لا يتوقف عن الحركة في ارجاء المنقطة.وتحولت المستوطنات الزراعية الى قاعدة اقتصادية هامة للاحتلال الاسرائيلي، فلم تعد محصورة بزراعة الخضار والفاكهة، بل اقيمت فيها مزارع ضخمة لتربية الحيوانات والدواجن ومصانع للالبان والاجبان وتغليف المنتجات الزراعية المخصصة بمجملها للتصدير.
وحسب وزارة الزراعة الاسرائيلية، فان عدد مصانع الإنتاج الزراعي والحيواني في المستوطنات المقامة في منطقة الاغوار يبلغ نحو 250 مصنعاً، تنتج سنوياً ما قيمته نصف مليار دولار أمريكي
وفي بعض مناطق الأغوار، تتواجد شركات زراعية لمستثمرين فلسطينيين، الذين ساعدوا ولو بشكل محدود في تثبيت الوجود الفلسطيني، من خلال مشاريع زراعية (دفيئات) وعدد من المصانع لإعادة الانتاج والتغليف لأغراض التصدير.
ويرى رئيس مجلس إدارة، ومدير عام مجموعة سنقرط العالمية، مازن سنقرط، الذي يملك عدة استثمارات زراعية وسياحية في الأغوار يبلغ حجمها قرابة 25 مليون دولار بأنه وعلى الرغم من وجود استثمارات زراعية فلسطينية متواضعة بشكل عام، إلا أن هنالك محاولات جادة لاستغلال ما يمكن من الأراضي، لأسباب وطنية، وسياسية، واقتصادية.
ولا يخفي سنقرط انتقاده للسياسات الاقتصادية للسلطة، التي وصفها بانها غير واضحة ويقول:”عملياً، فإن السلطة ليس لها حضور قوي في الأغوار، المانحون -على سبيل المثال- متقدمون على السلطة تجاه الأغوار، بمن فيهم الأميركيون والاتحاد الأوروبي”.
ويؤكد سنقرط أن “الاستثمار في الأغوار مجدي اقتصادياً وماديا، على الرغم من المعيقات التي يفرضها الاحتلال فيما يتعلق بتوفير الأرض، والمياه، وبعض العوائق اللوجستية المتعلقة بالتصدير، فقد بلغ الناتج من استثماراتنا الزراعية فقط في الأغوار حوالي 8 ملايين دولار”.
القدس دوت كوم – محمد عبد الله .