كتب يوسف الشايب:تحت عنوان “لا يُرى”، قدّمت الفنانة رنا نزال، عملاً أو مشروعاً فنيّاً مفتوحاً على التأويلات، التي من بينها أن الصالونات التي تقيّأت أحشاءها مشكّلةً تركيباً اتخذ شكلاً هرمياً، شكّلت تعبيراً رمزياً عن تقيؤ الصالونات لمرتاديها الغرباء، أو الجالسين قسراً ممن كانت تظنهم عابرين، أو حتى للزمن، وأيضاً للجغرافيا بتركيبتها الفلسطينية المتغيرة عبر الاحتلالات المتكررة، أو هذا ما عكسه العمل داخلي على أقل تقدير.
وهذا ما أكدته نزال بشكل ما حين قالت: قراري بخروج العمل على ما هو عليه، جاء بعد دراسة تتعلق بتأثيرات الاستعمار الاستيطاني لفلسطين، بحيث خلصت دراستي هذه إلى الدور المحوري للاستعمار، وهذا ينطبق على أي وكل استعمار، في نزع علاقتنا مع زماننا ومكاننا، وهذا أمر عايشناه كعائلة، فوالدي لاجئ من طبريا وحُرم من العودة إليها، منذ تهجيره منها طفلاً، ووالدتي لم تتمكن لأكثر من عشرين عاماً من العودة إلى فلسطين، والعمل في جزء منه تعبير عن هذا “التمزيع” الجوّاني.
وحسب نزال فإن هذا المشروع الفني “يمثّل انعكاساً للشعور المتشظي بالانتماء للزمان والمكان، ذاك المنبثق عن العيش في ظل الاستعمار الاستيطاني، فمثل كافة المشاريع الاستيطانية، لا تُعدّ الحركة الصهيونية في فلسطين، حدثاً، بل عملية قمعية ممنهجة ومستمرة، تهدف إلى محو حياة الشعوب الأصلية وأراضيها، ما يؤدي إلى ما يمكن وصفه بالنكبة المستمرة، والتي من بين إفرازاتها حالة تعليق الزمن، بحيث يحرم أصحاب الأرض والجغرافيا والذاكرات فيها من الماضي كما من المستقبل”.
وعملُ نزال هذا واحد من بين تسعة أعمال فنيّة تشكل مجتمعةً معرض “صالونات” الجماعي، بتنظيم من مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله، وتحتضنه قاعتها الرئيسة.
وأشارت نزال إلى أن فكرة عملها الفني التي جاءت للتعبير عن “الصالون” الفلسطيني، قامت على تجميع مقتنيات من صالونات أصدقاء وزملاء وأقارب لها، وبدأت في تجميعها، لتكتشف خلال هذه العملية أن بعض ما قدّمه لها الآخرون كان عبارة عن مقتنيات “مهمة وقيّمة”، من بينها “كتب، وصور، وشراشف طاولات، وصواني قش، وملصقات (بوسترات)، وغيرها.
وأضافت: مع تطوّر العمل بدأت أفكر بماهية ما يمكن أن يحتويه الصالون الفلسطيني فعلياً، ومن هنا بدأت عملية البحث عما يمكن وصفه بأساسيّات الصالون الفلسطيني، أي المقتنيات البارزة والأكثر حضوراً وبروزاً في الوقت ذاته، ولهذا تجدون طغياناً واضحاً للإسفنج في العمل، باعتبار أن الصالون مكوّن من هذه المادة بشكل أساسي.
وتابعت نزال: في مرحلة لاحقة، قررت أنني لا أريد تقديم محتويات الصالون الفلسطيني كما هي، أو بشكل أقرب إلى المتحَفي، لذا قررت “طحن الأشياء”، لدرجة ليس من السهل على زائر المعرض، ومتتبع العمل، معرفة مكوناته، وذلك بهدف عكس حقيقة كون المجتمع الفلسطيني مجتمعاً متنوعاً وغنيّاً ومختلفاً، وكما لا تؤطره فكرة واحدة، فلا تؤطر محتويات صالوناته التكوينات ذاتها، أو بمعنى أدق لا تمثيل واحداً للصالون الفلسطيني.
وشددت: لو كنت قدمت ما جمعت من مقتنيات كما هي باعتبارها الصورة الجامعة للصالون الفلسطيني، لكنت وقعت وأوقعت الآخرين في حالة من التضليل، وخاصة أننا نقدم هكذا عمل عن الصالون الفلسطيني في العام 2022، وعليه قمت بهذا العمل التجريبي كي أكون حقيقية فيما أطرح، لذا كانت عملية “الطحن” و”الفتفتة”، وكان أن تركت هذه “الفتافيت” تروي حكايات أصحابها، عبر صالوناتهم.. “في هذا العمل تساءلت عمّا تحمله صالوناتنا في جعبتها عنّا لتحكيه للأجيال القادمة”.
وشددت نزال على أنها، وفي مشاريعها الفنية المتعددة، تعمد إلى ترك مساحات قابلة لتعدد التأويلات، بحيث تشرك الجمهور المتلقي في أعمالها، وهو ما فعلته تماماً في عملها هذا، ما من شأنه أن يفتح المجال رحباً لخيالات كل من يشاهد هذه الأعمال والمشاريع الفنيّة، وهو ما من شأنه أن يترك لكل مشاهدٍ ولديه، انطباعاتٍ وتأويلاتٍ تختلف عن غيره.