الايام – يوسف الشايب:عالجت الندوة التي أدارها الفنان خالد الحوراني، وضمّت كلاً من الفنانين: سليمان منصور، ونبيل عناني، ومحمد الجالوس، مواضيع عدّة، أبرزها الهوية في الفن التشكيلي، ودور الفن التشكيلي، خاصة الفلسطيني في الهوية، وسط تفاعل كبير من جمهور معرض فلسطين الدولي للكتاب بدورته الثالثة عشرة، واختتمت فعالياتها، مساء أول من أمس.
ولفت الحوراني بداية إلى أن مفهوم الهويّة عند الفلسطينيين له معنى خاص جداً بحكم حكاية الفلسطينيين، وما حدث ويحدث معهم في الماضي والحاضر، لذا فأسئلة الهوية لدى شعوب أخرى قد لا تكون محمّلة بالمعاني التي تحملها عند الشعب الفلسطيني، فمنذ النكبة، والحرب لم تقتلع فقط الناس من بيوتهم وأراضيهم، بل من أغانيهم ولباسهم وأطعمتهم، ولا تزال المعركة مستمرة على الفلافل والتطريز والدبكة وغيرها.
بدوره شدّد الفنان محمد الجالوس على أن موضوع الهوية له دلالات خاصة تتوزع على بعدين إذا ما تحدثنا عن الفن التشكيلي، وهما السياسي والفنّي، خاصة أن الفلسطيني كان ولا يزال مطارداً في هويّته، وعليه لا بد أن تكون الرواية الفلسطينية مرتفعة الصوت، وتبقى حاضرة، وتعلي من شأن الهوية الوطنية الملاحقة بهدف الطمس والإلغاء.
وأشار الجالوس إلى أن موضوع الهوية في الفن متشعب وشائك، فهناك الهوية الإنسانية وتتفرع عنها الهوية الوطنية مثلاً، كأن يقال إن ثمة فنّاً تشكيلياً فلسطينياً بعناصر ودلالات فلسطينية، وفي ذات الوقت هو جزء من الهوية الفنيّة الإنسانية الشاملة، فما يرسمه الفنان الفلسطيني يصبّ في النهاية في المجهود الإنساني ولجهة التراث الإنساني في الفنون، كما لا يمكن إهمال الجزء المتعلق بالهوية الفردية التي تعني الأسلوب الذي يتبعه هذا الفن ويميّزه عن غيره من الفنانين، مؤكداً على أن هوية الفنّان الفردية هي الأساس الذي تتفرع منه الهويّات الأخرى، فإذا ما كان الفنان مقتدراً ومخلصاً لعناصر هويته الفردية غير المفصولة عن معايشاته اليومية، وتاريخ شعبه، وتراث أمته، ولغته التي يتحدثها، يستطيع أن يكون إنسانياً ووطنياً.
ولفت الفنان نبيل عناني بدوره إلى أن تجربة الحركة التشكيلية في فلسطين كانت تُعنى بالهوية والثقافة الفلسطينية، مؤكداً أن الفنان الفلسطيني عانى وقاسى، وتحدّى بالعمل المتواصل، ففي فلسطين كان ولا يزال إنجاز لوحة يشكل إضافة مهمة للهوية، وكثير من لوحات الفنانين الفلسطينيين بات جزءاً من الهوية الوطنية.
وأكد عناني: في العقود التي بدأنا العمل فيها، منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قبل قيام السلطة الفلسطينية، مررنا بتجربة مريرة مع الاحتلال، حتى أنه تم منعنا من رسم العلم الفلسطيني، والأسلاك الشائكة، وقضبان السجون، لكونها رموزاً نجسّد من خلالها الهوية الفلسطينية التي يشعرون إزاءها بشيء ما يهددهم، فكانت لوحاتنا ترعبهم، بل إن هذه المضايقات لم تقتصر على رسم اللوحات، بل امتدت لتنظيم المعارض، وللتضييق على المؤسسات العاملة في قطاع الفن التشكيلي والفنون البصرية كما كافة القطاعات الثقافية والفنية، كمركز الواسطي في القدس، على سبيل المثال، وساهم في اجتذاب معارض عربية وأجنبية ساهمت في تعريف كثيرين بالقضية الفلسطينية، ومن ثم رابطة الفنانين في العام 1975، وكانت تنظم معرضاً جوّالاً في كافة أنحاء فلسطين، وكوّنا حالة امتزاج كبيرة بيننا وبين الجمهور، واتسع مقدار حبّ الناس للفن باعتباره ليس فقط جزءاً من الثقافة، بل عملاً نضالياً ومُقاوماً، وهو ما ينسحب على مؤسسات أخرى كأكاديمية الفنون التي كان لها دور كبير في تعزيز الفن التشكيلي الفلسطيني، والهوية الوطنية.
أما الفنان سليمان منصور فوصف موضوع الهوية في الفن بالمعقد والتجريبي، مؤكداً أن لا شكل بعينه يحدّده.. وقال: نحن كفنانين نشتغل بالفنون البصرية أخذنا نبحث عن رموز تعبّر عن هويتنا، خاصة أننا شعب محتل – والاحتلال ينكر وجودنا كشعب وجذورنا في هذه البلاد – ومصمّم على الصمود فيها.
وأشار منصور إلى أن بعض هذه الرموز مستمد من الطبيعة كشجر الزيتون و”السلاسل” (السناسل) وشجرة الصبّار والطيور والأزهار وغيرها، بالإضافة إلى الأزياء الشعبية، والتطريز.
وشدّد منصور على أن إسرائيل كقوة احتلال قد تكون اعترفت في مرحلة ما بعد “أوسلو” بوجود شعب فلسطيني، لكنها لم تعترف بإنسانية هذا الشعب، وكأن كل واحد منا نصف إنسان، ولا يمكن تأهيله ليكون كامل الإنسانية، ومن هنا على الفنان الفلسطيني، علاوة على دوره في تعزيز الهوية الوطنية، ومحاربة الاحتلال، أن يعمل على إثبات وجوده على الساحة الدولية كفنّان جيّد لا بكّاء في نقل قضيته التي هي قضية شعب بأكمله.
وختم منصور مداخلة من مداخلاته في ندوة “الفن التشكيلي وسؤال الهوية”، بضرورة أن يقوم الفنان الفلسطيني بإيصال إبداعاته إلى المحافل الدولية، ليكون جزءاً أصيلاً من الحراك الثقافي العالمي في مجال الفنون البصرية، وفي كافة مجالات الإبداع، وهو ما حققته أجيال جديدة وأخرى ناشئة من الفنانين، كما من سبقوهم، فاستمرارية الإبداع تحمي الهوية الوطنية من الضياع.
الفن التشكيلي الفلسطيني.. خصوصية الهوية المُطاردة
