رغم الحماسة التي يولدها خبر تصريح ممثل فلسطين في الأمم المتحدة، من أنّه قد “يمرمر” حياة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، في مجلس الأمن، فإنّ الأمر يبدو مستبعداً، ولكن قراءة أولية لما قد تكون عليه السياسة الأميركية، إزاء المسألة الفلسطينية، وحتى القضايا العربية، بما في ذلك الموضوعان الإيراني، والسوري، تشير إلى أنّ ترامب قد يكون الوجه الآخر لأوباما، إلا إذا قررت أطراف أخرى غير أميركية، القيام بشيء، وحينها لن يكون ترامب بالضرورة هو ذاته أوباما.
لعل أغلب ما أخذ على ترامب من “غرائبيات” كان يتعلق بمواقفه وآرائه من الشأن الداخلي، من مثل موقفه من المهاجرين، ومثل موضوع نظام الرعاية الصحية. وفي الشأن الخارجي، فإنّ موقفه من الاتفاق النووي الإيراني، وتأييده البالغ للاسرائيليين، والحديث عن موقفه من نقل السفارة الأميركية للقدس، أو عدم معارضته العملية للاستيطان، فإنّها إما تعني لا شيء، أو تعني ضوءا أخضر للاسرائيليين، مع الأخذ بالاعتبار، أنّ الاسرائيليين، لم يكونوا يحترمون أي إشارة أميركية، خصوصاً مع الإعفاء الدائم والمسبق، من دفع أي ثمن لتجاوز الإشارات مهما كان لونها.
بحسب صحيفة هآريتس، هدد رياض منصور، مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، بأنّه إذا قام ترامب بنقل السفارة الأميركية، فسيجري إطلاق السلاح الفلسطيني، في الأمم المتحدة، وسيجعل حياة ترامب “بائسة”، وبتعبير الصحيفة بالانجليزية (miserable)، وبحسب ما ورد في صحف عربية أن الفلسطينيين “سيمرمرون” حياته، بالاستمرار بالذهاب لمجلس الأمن، ورغم أنّ هذا يعني استخدام الأميركيين، لحق النقض (الفيتو)، فإنّ هذا سيكون متعبا ومحرجا للسياسة الأميركية. وبطبيعة الحال يصعب رؤية مثل هذا الوضع، إلا في حالة تحول جذري كامل في السياسة الفلسطينية. هذا فضلا عن رؤساء أميركيين وعدوا بمثل هذا الوعد في السابق أثناء الانتخابات، دون تنفيذه.
في الشأن الإيراني، لا يمكن أن نرى الغاء أميركيا مرتقبا للاتفاق النووي، ولكن ربما نرى تشددا في عملية متابعة التنفيذ، ولكن إذا كنا سنأخذ ما رأيناه أثناء الحملة الانتخابية بجدية، فإنّ ترامب المعجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي هو صديق طهران، والذي تمر علاقاته بالاسرائيليين، في ذات الوقت في أحسن حالاتها، وينسق معهم، كما مع إيران، بالنسبة لنشاطه في سورية، يمكن أن يكون حلقة وصل، ووساطة، خصوصاً أنّ ترامب في الشأن السوري، أقرب لموقف موسكو وطهران، مما كانت عليه إدارة أوباما. فترامب يريد التمهل أكثر في دعم المعارضة في سورية، من أوباما المتمهل بدوره.
في موضوع الاستيطان، فإنّ الأميركيين، كفوا في العامين الأخيرين، عن إزعاج الاسرائيليين في هذا الشأن.
لن يكون ممكنا فهم اتجاهات السياسة الأميركية المقبلة بشكل فيه بعض الدقة، إلا مع تشكل فريق الإدارة الأميركية بشكل كامل، ولكن لا يوجد ما يدعو للتفاؤل في الشأن الفلسطيني (بعكس الوضع عندما جاء أوباما قبل ثمانية أعوام)، وفي موضوع سورية، فإنّه لا يتوقع تغيرا مؤثرا يذكر.
لكن هناك أمور لا بد من الانتباه لها في ديناميات القرار الأميركي، وهو أنّ أحداثا كبرى، قد يبادر لها آخرون، قد تلعب دورا حاسما في تغيير السياسات الأميركية، أو في تغليب تيار ضد آخر في الإدارة الأميركية. فمثلا لعبت أحداث 11 سبتمبر دوراً في تعظيم نفوذ المحافظين الجدد داخل إدارة جورج بوش (2001 – 2009)، وساعدت على تنفيذ خطط الحرب على العراق، بينما أبطأ الربيع العربي اتجاهات باراك أوباما لفتح حوار مع الشعوب المسلمة والعربية، وسمحت بحرف الانتباه عن الشأن الفلسطيني.
من هنا فإن جزءا من اتجاهات السياسة الأميركية، يتطور أحياناً كردود فعل، تتبعه سياسات مختلفة. لذلك إذا لم يرتدع الاسرائيليون عن مواصلة سياساتهم الاستيطانية، أو إذا قرروا تصعيدها، فكل ما هناك أنّ رد الفعل الأميركي، شبه الغائب، سيكون غائباً تماماً. وأمام محاولات إيران التمدد عربيا، والدعم الروسي الإيراني لبشار الأسد، فإنّ الأداء العربي الذاتي سيكون هو الحاسم.
إلا إذا حدث حدث درامي، فإنّه يمكن القول إنّ أوباما ترك الشرق الأوسط، وترامب قد يتركه تماماً. ومن هنا ربما يجب أن تكون الاستراتيجيات الفلسطينية والعربية، أنّ لا تغيير كبيرا سيحدث، وهذا بحد ذاته سيئ.
الفيتو الفلسطيني .. ترامب والعرب…بقلم:د.احمد جميل عزم

Leave a comment