رام الله/ سلّطت الإعلانات الإسرائيلية الأخيرة عن بناء الآلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس الشرقية الضوء على المدينة، ولكن منظمة دولية أكدت أن التغيّرات التي طرأت عليها منذ عام 2000، عندما تفاوضت الأطراف على مصيرها للمرة الأولى، كانت أوسع وأعمق جذوراً.
وقالت منظمة الأزمات الدولية في تقرير جديد أرسلته ل: على الإسرائيليين والفلسطينيين والمجتمع الدولي أن يعدّلوا استراتيجياتهم طبقاً لتلك التغيّرات، وإلاّ فإن القدس الشرقية العربية ستستمر في تردّيها الخطير، مع ما لذلك من تبعات كارثية على الجميع”.
وقال روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات، : لقد تغيّرت القدس، رغم أن الانطباع الجماعي عن المدينة ظل ساكناً. ليس من السابق لأوانه نفض الغبار عن مقترحات قديمة، وتحديثها في ضوء الإخفاقات التي حدثت قبل أكثر من عقد من الزمن، وما تغيّر منذ ذلك الحين وأيضاً ما يمكن أن ينجح اليوم”.
وكان مالي عضو في الوفد الأمريكي في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.
وقد تعرضت القدس للجزء الأكبر من الهجمة الاستيطانية الإسرائيلية وتحديدا بإقرار المشروع E1 الذي يربط مستوطنة “معاليه ادوميم” مع القدس فيعزل القدس الشرقية ويقيك الضفة الغربية إلى شطرين وأيضا إقرار توسيع مستوطنة”جفعات همتوس” لعزل القدس الشرقية عن جنوب الضفة الغربية إضافة إلى إقرار بناء مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنات أخرى مقامة على أراضي القدس الشرقية.
ويصف تقريران متصاحبان وضعتهما مجموعة الأزمات الدولية التغيّر الذي طرأ على القدس الشرقية في السنوات الأخيرة، عمرانياً، ولكن أيضاً اجتماعياً، وسياسياً وعاطفياً.
ويظهر التقرير الأول: “تغيّر خطير؟: سياسات الأرض والدين الإسرائيلية في القدس الشرقية” أن مزيجاً من بناء المستوطنات في القدس وحولها، إضافة إلى تصاعد النشاط الديني، رفع كلفة أية خطة مستقبلية تنطوي على تقسيم المدينة، أما التقرير الثاني: تغيّر خطير؟: تلاشي القدس الشرقية” فيبيّن كيف أن الأحياء العربية ذوت تحت الاحتلال وضعفت وباتت معزولة عن الجسد السياسي الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى.
وقال روبرت بليشر، مدير المشروع العربي الإسرائيلي في مجموعة الأزمات، “ثمة واقعان غير قابلين للعكس، يتمثل الأول في أن توسّع الأحياء اليهودية في القدس الشرقية رفع الثمن السياسي للتقسيم وبالتالي قلل من احتمال تحققه. أما الواقع الثاني، الذي لا يتخذ شكلاً مادياً ملموساً لكن الذي لا تقلّ تبعاته جسامة عن تبعات الواقع الثاني، هو أن التغيّرات في إسرائيل والمنطقة صعّدت من المطالب الدينية والتاريخية بالمدينة”.
وأشارت الأزمات الدولية إلى انه : منذ فشل المفاوضات بين ياسر عرفات وإيهود باراك على وضع القدس عام 2000، تعرّضت المدينة لتغيّرات عميقة على ثلاثة مستويات متمايزة.
وقالت: على مستوى الأرض، توسّعت المستوطنات في مركز ومحيط القدس الشرقية على حد سواء، وقد باتت على وشك تشكيل سلسلة يهودية متصلة من الغرب إلى الشرق وعلى اتساع بلدية القدس وأبعد – مما يمكن أن يشكل ضربة قاضية لحل الدولتين، في الجنوب، يهدد بناء مستوطنات يهودية جديدة بتطويق بعض الأحياء العربية بشكل كامل، وتعتبر التصريحات الأخيرة التي أطلقتها الحكومة الإسرائيلية رداً على نجاح الفلسطينيين في رفع محدود لمكانة فلسطين في الأمم المتحدة نذيراً خطيراً على نحو خاص.
وأضافت: ثانياً، وعلى المستوى الديني، فإن المطالب المتعارضة في المدينة وخصوصاً الحرم القدسي – من قبل اليهود والفلسطينيين على حد سواء – تصاعدت إلى حد يجعل بعض التسويات التي طُرحت في الماضي غير ذات صلة على نحو متزايد. ويكتسب هذا أهمية خاصة ومتزايدة بالنظر إلى تصاعد حظوظ الإخوان المسلمين في سائر أنحاء المنطقة، ومن شبه المؤكد أن هذا سيجعل من الصعوبة بمكان على القادة العرب إقرار حلول يمكن لخصومهم أن يدينونها بوصفها تتعارض مع المبادئ الإسلامية.
وتابعت الأزمات الدولية: ثالثاً، وعلى المستوى السياسي، فإن الفلسطينيين المقدسيين أصبحوا مهمشين على نحو متزايد، حيث يُحرمون من التمثيل ويفتقرون إلى الموارد. لقد أصبحت القدس الشرقية مكاناً يسوده الاضطراب والغضب، وباتت منفصلة أكثر فأكثر عن عمقها في الضفة الغربية. لقد تمثلت الإستراتيجية الفلسطينية التقليدية منذ عام 1967 في مقاطعة أي اتصال طوعي مع الإدارة الإسرائيلية للمدينة. هذا، إضافة إلى أن انفصال القدس الشرقية عن السلطة الفلسطينية، الذي فرضته اتفاقات أوسلو، أفضى إلى نشوء أحياء مزدحمة وسيئة الخدمات، وتردّي البنية التحتية القديمة والمهترئة وانعدام الحياة السياسية الفلسطينية فيها.
وقال أوفير زالزبيرغ، كبير المحللين في مجموعة الأزمات، : إلاّ أن ذلك لا يبرر الاستسلام، بدلاً من ذلك، ينبغي أن توقف إسرائيل خططها لبناء المستوطنات، خصوصاً في المنطقة الحساسة على نحو خاص المعروفة بـ إي1؛ كما ينبغي أن يعيد الفلسطينيون النظر في إستراتيجية المقاطعة التي يتّبعونها كوسيلة لإعادة إحياء الحياة السياسية والاجتماعية في القدس الشرقية؛ كما ينبغي على المجتمع الدولي حماية الأسس المتعلقة بالأرض التي من شأنها أن تسمح بأن تصبح القدس الشرقية المقسّمة بشكل حساس عاصمة للدولتين ويمهد الطريق للاعتراف المتبادل بالمطالب الدينية والتاريخية للعرب واليهود على حد سواء.
صحيفة القدس .