لم يكن كثير من الكتاب في العالم الغربي أو في داخل إسرائيل يتساءلون حول مستقبل الدولة العبرية والظروف التي تحيط بها، ذلك أن الجميع لأسباب سياسية كانوا يركزون على تقديم المساعدة لهذه الدولة بصرف النظر عما ترتكبه من جرائم في حق الفلسطينيين أهل الأرض الأصليين، لكن الأمر تغير الآن، وبدأ كثير من الكتاب في داخل إسرائيل وخارجها يثيرون الشكوك حول مستقبل الدولة العبرية، ولعل من أهم الكتب التي صدرت في هذا الخصوص كتاب ‘رتشارد لوب’ و’أوليفر بورشوتش’ بعنوان ‘مستقبل إسرائيل موضع شك’، ويركز هذا الكتاب على إمكانية إسرائيل في الاستمرار كدولة خلال عقد أو عقدين من الزمان دون أن تجد حلولا حقيقية للمشاكل التي تواجهها، وخاصة المشكلة الفلسطينية، وكما هو معروف فإن: لوب’ هو مستشار اقتصادي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية بينما ‘بوروشوتش’ هو صحافي فرنسي وله إسهامات في مجال الفلسفة.
ويرى الكاتبان أن إسرائيل على حافة الهاوية لأن الفكر الصهيوني الذي كان يحفز على الذهاب والبقاء في دولة إسرائيل بدأ يفقد أرضيته الفلسفية، ويفضل معظم اليهود في الدول الفقيرة في الوقت الحاضر الهجرة والبقاء في الولايات المتحدة أو ألمانيا بدلا من إسرائيل.
ويركز الكاتبان على سبعة مرتكزات أساسية يريان أنها تؤثر تأثيرا كبيرا على بقاء دولة إسرائيل،
أولا: تنامي الشعور ضد السامية، ليس فقط بسبب العوامل التاريخية المعروفة بل أيضا بسبب تصرفات إسرائيل التي توصف بأنها تخلو من اللياقة والعواطف الإنسانية.
ثانيا: تنامي المد في الدول العربية والإسلامية الذي يرى أن إسرائيل هي وجه آخر من وجوه الاستعمار الغربي.
ثالثا: ظهور موجات الربيع العربي في بعض الدول العربية التي لن تكون بأي حال من الأحوال على حالة وفاق مع الوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.
رابعا: تطور التقنية الحديثة التي تجعل الدول العربية في غير خشية من ترسانة إسرائيل العسكرية لأنه من الممكن الوصول إلى إسرائيل من البعد ودون تحريك الجيوش.
خامسا: تناقص التأييد في العالم الغربي لدولة إسرائيل خاصة مع ظهور الصين كدولة كبرى وحاجة العالم الغربي للطاقة التي لا تستطيع أن تمده بها إسرائيل.
سادسا: عدم قبول العالم لاستمرار احتلال الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في عام 1967 وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوق المواطنة.
سابعا: العامل الجغرافي الذي يجعل من الصعب استمرار إسرائيل في محيط عربي كبير معاد لها، لأنه في حال وقوع حرب تستخدم فيها التقنية الحديثة فإن النتائج بالنسبة لإسرائيل ستكون مدمرة.
ونتابع في الوقت ذاته الحوار الذي أجرته ‘نيو ستيتسمان’ حول مستقبل إسرائيل، ونقرأ في هذه التغطية رأي الكاتب في صحيفة ‘الغارديان’ ‘جوناثان فريدلاند’ الذي يرى أن حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني لن يكون في صالح أي من الطرفين. وهو رأي يخالف رأي الصحفي الأمريكي من أصل فلسطيني علي أبونعمة الذي يرى أن دولة واحدة يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون هي أمر ممكن.
وإذا تتبعنا معظم المواقف الإسرائيلية وجدنا أنها لا تريد أن تتعايش مع واقع جديد، فهي إذا نظرت إلى الربيع العربي لم تر فيه توجها جديدا في الرؤى العربية بل رأت فيه فرصة كي يعيد العرب النظر في علاقتهم مع إسرائيل دون تحديد الأساس الذي يصلح أن يكون أرضية مشِتركة بينها وبين العرب، وإذا نظرت إسرائيل إلى ما يجري في سوريا رأت ان الثورة الشعبية في ذلك البلد قد تقضي على حاكم كان يتعايش معها على الرغم من احتلالها لمرتفعات الجولان، ولكنها في الوقت ذاته قد تخلصها الثورة مما تعتبره خطرا إيرانيا على حدودها، لكنها بكل تأكيد تشعر بقلق من التحول في هذا البلد والذي قد يعيد كثيرا من المواجهات القديمة إلى الساحة من جديد، أما القضية الأساسية التي تواجه إسرائيل والتي تتعلق بالحقوق الفلسطينية فهي لا تثير قلقها لأنها تعتقد أن رفع شعار المفاوضات قد يلهي العالم الغربي عنها ويضعها في خانة الراغبة في السلام، وهو شعار قد يحيد -من وجهة نظرها- المفاوضين الفلسطينيين الذين ربما يعتقدون أنهم قد يخرجون بشىء من استمرار المفاوضات مع الكيان الصهيوني.
ولا شك أن مواقف إسرائيل التقليدية قد بدأت تثير كثيرا من الشكوك في المجتمع الدولي بحسب ما كتبه ‘مايكل فريدسون’ في ‘ميديا لاين’، وهو – يرى من وجهة نظره -أن إسرائيل ليست غريبة على الإدانات الدولية لبعض تصرفاتها، لكنها معتادة على أن تعود علاقاتها مع العالم الغربي دائما إلى أوضاعها الطبيعية، لكنها بكل تأكيد تواجه الآن وضعا جديدا خاصة عندما ترى وتقرأ توجهات جديدة لبعض الذين كانوا يحسبون في الماضي من أصدقائها.
خاصة مع استمرارها في بناء المستوطنات ما يؤكد أنها لا تسعى إلى السلام أو أنها تريد أن تجعل من محادثات السلام مهمة شاقة. وهذا هو ما يزيد حالة توتر العلاقة بين الولايات المتحدة وحكومة ‘نتنياهو’، بل ويزيد حالة التوتر الشخصي بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي.
خاصة خلال فترة حكم الرئيس أوباما الثانية وهي الفترة التي سيكون فيها أكثر حرية في تنفيذ معتقداته وسياساته الخاصة.
ولا يقتصر الأمر على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية فحسب إذ تشهد العلاقات الإسرائيلية الأوروبية أيضا توترا، وقد جاء في قول ‘جودي ديمبسي’ في الاستراتيجية الأوروبية أن هناك إجماعا لدى جميع الزعماء الأوروبيين بضرورة تحقيق حل الدولتين من أجل إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي خاصة بعد أن اعترف المجتمع الدولي بفلسطين عضوا في المنظمة الدولية.
ومهما يكن من أمر فإن التحدي الذى أصبح واضحا هو الشعور بالخطر عند كثير من الإسرائيليين الذين لم يعودوا يثقون في السياسات القديمة والاستراتيجيات الناقصة إذ هم لا يرونها صالحة لمستقبل إسرائيل، لكن الأمر لم يعد يتوقف عند المواقف والسياسات الإسرائيلية وحدها إذ يجب أن تكون هناك مواقف عربية واضحة تحدد كيفية حل القضية الفلسطينية التي تراجعت في سلم الأولويات العربية مع أن الوقت أصبح مناسبا كي تتخذ الدول العربية مواقف يمكن أن تصب في خانة المصالح الفلسطينية، ذلك أن التغير الذي حدث في الساحة الدولية يجعل من الصعب أن تعتمد إسرائيل على ترسانتها العسكرية أو النووية من أجل الحفاظ على كيانها، والأجدى من كل ذلك أن تسعى حثيثا لإيجاد حل للقضية الفلسطينية يكون مقبولا لدى الفلسطينيين لأن حل قضية الفلسطينيين لن يكون إلا على أرضهم وذلك ما يجب أن تدركه إسرائيل.
القدس العربي .