القدس/ للمرة الاولى كشفت وزارة الدفاع الاسرائيلية عن وثيقة “استهلاك الغذاء في قطاع غزة- الخطوط الحمراء”، والتي تقدم معلومات عن سياسة تقييد دخول الأغذية إلى قطاع غزة التي كانت سارية المفعول منذ سنة 2007 وحتى 2010.
وقد وصلت الوثيقة، بنسختين بصيغة معروضة (باوربوينت)، إلى جمعية “چيشاه-مسلك” خلال عيد العرش، بعد أن ردت المحكمة العليا الاسرائيلية استئناف الدولة الذي سعى لمنع نشر هذه الوثيقة ، قبل ذلك بيوم.
وجاء الكشف عن هذه الوثيقة في ختام النضال القانوني الذي قادته جمعية “ﭽيشاه- مسلك” لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.
وقالت مسلك: التقليص الحاد في كميات الطعام الداخلة إلى القطاع فاقم حالة الاضطراب في مجال تزويد الغذاء وساهم في رفع أسعار الغذاء ارتفاعا ملحوظا، مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن السياسة الإسرائيلية في الفترة المذكورة لم تؤدي إلى حالة مجاعة أو إلى نقص متواصل في السلع الغذائية الأساسية في قطاع غزة. وبحسب التقارير الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي (WFP) في تلك الفترة، فقد بلّغ تجار في غزة عن نقص عيني وعن صعوبة الاحتفاظ بمخزون السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والسكر ومنتجات الحليب والزيت، بالإضافة إلى ذلك فإن الأزمة الاقتصادية الخطيرة الناجمة عن الإغلاق، وخاصة سرعة ارتفاع نسبة البطالة ازدادت بسبب المنع على إدخال مواد خام وإخراج بضاعة للأسواق الخارجية، والتي جعلت العديد من العائلات في القطاع مرهونة بما تقدمه مؤسسات الإغاثة من مساعدات.
واضافت: بين الربع الثاني لسنة 2007 والربع الثاني لسنة 2008 ارتفعت نسبة البطالة بـ 72% (من 26.4% إلى 45.4%)، أما تقرير OCHA فقد بيّن أن نسبة سكان القطاع الذين يحصلون على مساعدات إنسانية قد ارتفعت من 63% سنة 2006 إلى 80% سنة 2007.
واكدت على ان: العواقب الأساسية لسياسة الإغلاق تمثلت، ولا تزال تتمثل حتى يومنا هذا، في تدهور حالة الفقر، الارتهان أكثر للمساعدات الإنسانية، وإعاقة فرص التطوير الاقتصادي، والتعليم العالي والعمل.
وتُلخص معروضة الخطوط الحمراء التي تم إعدادها في شهر كانون الثاني 2008، العمل الذي قامت به هيئة من وزارة الدفاع الاسرائيلية بالتعاون مع وزارة الصحة الاسرائيلية لاحتساب استهلاك الغذاء العادي لسكان قطاع غزة.
وطوال فترة الحراك القانوني من أجل نشر هذه المعروضات، وأيضا في الرسالة التي تم إرفاقها بالملفات عند تسليمها لجمعية “چيشاه-مسلك”، ادعى مكتب منسق أعمال الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية أن “المعروضات المرفقة هي عبارة عن مسودة ولم يتم استخدامها في أي مرحلة من المراحل كأساس لتطبيق السياسة المدنية مع قطاع غزة”.
وقالت مسلك :هذا الادعاء يثير الاستغراب لا سيما وأن جزء من الكميات التي تم احتسابها في عمل الوزارة يظهر بكل دقة أيضا في الحصص الفعلية التي تم تحديدها في تلك الفترة لإدخال البضائع المختلفة للقطاع.
واضافت: إن مراجعة معطيات إدخال البضائع من إسرائيل إلى قطاع غزة بعد سيطرة حماس على القطاع وإحكام الإغلاق في أعقاب ذلك، تبين أن الكميات التي سُمح بإدخالها لا تعكس في حقيقة الأمر الخط الأحمر الذي تم تحديده في المعروضة . في الواقع كانت أقل منه. هيئة العمل حسبت ووجدت أن “الوجبة الإنسانية اليومية” لسكان قطاع غزة توجب إدخال 106 شاحنات من إسرائيل في اليوم، 5 أيام في الأسبوع، بالاضافة الى ادخال قمح وحبوب عبر الحزام الناقل في معبر كارني. في السنة الأولى بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وإحكام الإغلاق (من حزيران 2007 وحتى تموز 2008) أُدخل بالمعدل 65 شاحنة في اليوم (لا يشمل معبر كارني).
وفي شهادته أمام لجنة تيركل، شرح منسق أعمال الحكومة الاسرائيلية في المناطق، اللواء إيتان دانچوط، أن إدخال البضائع إلى غزة كان محدودا أيضا بسبب إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل وخاصة نحو المعابر. دون التشكيك في ذلك ودون التخفيف من حجم هذه التهديدات.
وذكرت أن المستندات السابقة التي تم نشرها في أعقاب عمل “چيشاه-مسلك” أظهرت أن السياسة الرسمية شملت فرض قيود عينية على إدخال غذاء دون علاقة بأي اعتبارات أمنية مباشرة وفورية.
إحدى ادعاءات “چيشاه-مسلك” في نفس الفترة كانت ان بسبب الإغلاق المتكرر للمعبر نتيجة لتصاعد العنف، على وزارة الدفاع الاسرائيلية بتجنب تقييد كمية البضائع التي يُسمح إدخالها خلال الأيام التي تعمل فيها المعابر. وقد ردت المحكمة العليا الاسرائيلية هذا الادعاء.
وتصف المعروضات ايضًا منظومة الرقابة التي تقف وراء السياسة التي دهورت مستوى عيش سكان قطاع غزة بشكل مقصود.
وقالت مسلك : ومن التصريحات التي أطلقها الساسة والموظفين الكبار في جهاز الأمن الاسرائيلي في تلك السنوات يمكن أن نستنتج أنها هدفت لممارسة الضغط على حماس. لقد قامت هذه السياسة على قاعدتين: قاعدة قانونية تفيد أنه في أعقاب انفصال إسرائيل عن غزة وسيطرة حماس على القطاع فإن التزام إسرائيل تجاه سكان غزة أصبح محصورا في الاحتياجات الإنسانية الأساسية فقط، وبأن المنطق السياسي- الأمني الذي يؤمن أن الضغط على كافة شرائح السكان دون تمييز هو أداة فعالة وشرعية في إطار النزاع العسكري مع حماس.
واضافت : بداية ، علينا ان نذكر بان منع إدخال منتجات أساسية للسكان المدنيين كأداة ضغط على جهات سياسية او عسكرية يناقض مبادئ القانون الانساني الدولي، كما وأن سيطرة إسرائيل على طريقة حصول سكان القطاع على الغذاء (عبر السيطرة على المعابر والمجالين الجوي والبحري) تفرض عليها واجبات أكبر من تلك التي تلزمها فقط بمنع حدوث أزمة انسانية، أما حول عدم فتح مصر سبل دائمة وآمنة لادخال الغذاء الى غزة فهذا لا ينتقص من مسؤوليات اسرائيل نحو سكان القطاع.
وتابعت: بالاضافة الى ذلك، يصعب أن نجد اليوم رجل سياسة أو خبير في القضايا الأمنية يمكن أن يدعي أن سياسة الإغلاق ما بين السنوات 2007-2010 عادت بالنفع على إسرائيل سياسيا أو أمنيا. ومنذ أكثر من سنتين لا تفرض إسرائيل أي قيود على دخول المنتجات الغذائية إلى القطاع. لكن القاعدة الأساسية لنفس السياسة- الموقف القانوني والمنطق السياسي- الأمني- ظلت أيضا الأساس للسياسة الحالية التي يُطلق عليها جهاز الأمن “سياسة الفصل”، وفي إطارها يتم فرض قيود شاملة على تنقل الأشخاص والبضائع من غزة إلى الضفة الغربية.
واكدت على انه : مرة أخرى نجد أن بعض القيود تُفرض دون أي داع أمني مباشر وفوري، ملحقة أضرارا جسيمة بالاقتصاد، وتؤكد علنا أن هدف هذه السياسة “الضغط على سلطة حماس ومساعدة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.”
وقالت : وفيما يضطر جهاز الأمن إلى نشر وثائق تُعرّض السياسة القديمة والفاشلة لسهام النقد، فإن السياسة الحالية تبقى تحت غطاء الضبابية، فمن غير الواضح أي جهة سياسية أو عسكرية بلورت “سياسة الفصل”، وما هي أهدافها ولأي أجهزة رقابة تخضع، ان السياسة غير الشرعية مصيرها الفشل والانكشاف.
واضافت: السؤال المطروح هنا هو هل سيختار واضعو السياسات هذه المرة الخروج لشرح سياستهم للجمهور الذي يعملون باسمه، على أي أسس يتم تحديد قيود التنقل المفروضة اليوم على سكان غزة، وكيف تستجيب هذه القيود للأعراف القانونية والأخلاقية التي ترى إسرائيل نفسها ملتزمة بها.
واشارت جمعية “چيشاه-مسلك” انها ترى أن على إسرائيل الامتناع عن فرض القيود على التنقل والتي لا طائل منها في الحفاظ على الأمن والتي تلحق الضرر الجسيم بالسكان المدنيين، أو تمنع سكان القطاع من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وتحقيق التطوير الاقتصادي.
المصدر صحيفة القدس.