بعث الرئيس شي جين بينغ برقيات تهنئة إلى الأمم المتحدة بمناسبة إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني للعام الثاني عشر على التوالي، ما رأيك في مبادرات الصين المتكررة لتعزيز تسوية القضية الفلسطيني؟
أعتقد أن مواقف الصين ثابتة في مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ولم تتخلى يوماً عن دورها الإيجابي تجاه هذه القضية العادلة وعبر كافة المراحل، والرئيس شي جين بينغ قدم العديد من المبادرات الهامة بخصوص القضية الفلسطينية وطرح العديد من الأفكار التي ساهمت في تعزيز مكانة القضية الفلسطينية كقضية أساسية على سلم أولويات المجتمع الدولي.
وبكل تأكيد موقف القيادة الصينية يحظى باحترام وتقدير الشعب الفلسطينية وقيادته وحركته الوطنية ومن ضمنها جبهة النضال الشعبي الفلسطيني والتي تتقف تماماً مع الموقف الصيني الذي ينطلق من كون المهمة الملّحة للقضية الفلسطينية هي التنفيذ الشامل والفعال لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، واعتبار المخرج الأساسي هو تنفيذ “حل الدولتين” وتعزيز التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
لقد طرحت الصين على مدى السنوات الماضية مقترحات عديدة وذات قيمة كبيرة، واتّخذت إجراءات للمساهمة في حلّ القضية الفلسطينية بالحكمة والحلّ الصيني، ويظهر هذا التحرك الصيني مدى رغبة بكين في تعزيز نفوذها على الساحة الدولية، واستخدام قوتها الاقتصادية والسياسية لتحقيق الاستقرار في المناطق المتوترة، وتعكس هذه الجهود السياسة الخارجية الصينية الجديدة التي تسعى للعب دور أكبر في حل النزاعات الدولية وتعزيز السلم العالمي.
ومن خلال مبادراتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، تسعى الصين لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية، والتأكيد على دعمها للقضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية، كما تسعى لتعزيز صورتها الدولية كقوة عظمى قادرة على تحقيق التوازن والاستقرار، بعيداً عن النزاعات التقليدية التي شهدتها الساحة الدولية تحت هيمنة القوى الغربية الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة، وبهذا تبرز الصين كقوة دبلوماسية جديدة تسعى لإرساء قواعد جديدة في النظام الدولي، تعتمد على الحوار والتفاوض لحل الأزمات، مما يعزز من مكانتها كفاعل رئيسي في الشؤون العالمية.
دأبت الصين منذ سنوات عديدة على الدعوة إلى حل مبكر وشامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية. منذ اندلاع الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عززت الصين بنشاط محادثات السلام، ودعمت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وقدمت المساعدات الإنسانية الطارئة لقطاع غزة، وأصدرت ورقة موقف الصين بشأن حل القضية الفلسطينية – الصراع الإسرائيلي. وركز الرئيس شي جين بينغ، في خطاباته في مناسبات متعددة، على تطورات الوضع الفلسطيني الإسرائيلي والقضايا العالقة، والتوضيح المتعمق لموقف الصين وطروحاتها، ما رأيك في مسؤولية الصين كدولة كبرى في حماية العدالة والإنصاف الدوليين بقوة؟
تأتي المبادرات الصينية في إطار الدور المتزايد الذي تلعبه الصين في منطقة الشرق الأوسط، وسعيها لتعزيز نفوذها الدولي عبر دعم قضايا العدالة والسلام، ويمكن النظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة صينية لتعزيز دورها كوسيط دولي قادر على جمع الأطراف المتنازعة على طاولة الحوار، وتقديم حلول عملية للنزاعات المستمرة، حيث تمثل المبادرة الصينية ذات النقاط الثلاث فرصة حقيقية لتحقيق المساهمة الجدية لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذ هذه المبادرة، إلا أن الإرادة السياسية القوية والدعم الدولي يمكن أن يساهما في تحقيق الأهداف المنشودة، ومن هنا نؤكد حيوية الطروحات الصينية وأهمية الاستمرار بطرحها بقوة في المؤسسات والمحافل الدولية ومع الأطراف الدولية المختلفة لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، كما يجب المجتمع الدولي اغتنام هذه الفرصة والعمل بجدية نحو تحقيق هذه الرؤية، من أجل مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني، وإنهاء معاناته المستمرة وانهاء الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي وغير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد عززت جمهورية الصين الشعبية بنشاط محادثات السلام، ودعمت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وقدمت المساعدات الإنسانية الطارئة لقطاع غزة، وأصدرت ورقة موقف الصين بشأن حل القضية الفلسطينية وانهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وركز الرئيس شي جين بينغ، في خطاباته في مناسبات متعددة، على تطورات الوضع الفلسطيني الإسرائيلي والقضايا العالقة، والتوضيح المتعمق لموقف الصين وطروحاتها، وننظر الى كل هذه المواقف والفعاليات الصينية بأهمية وباحترام، ونرى أنها تمثل مواقف متقدمة ولها وزنها في السياسة الدولية بما تمثله الصين كقوة عالمية فاعلة وبذات الوقت قوة تحظى بثقة متجذرة من قبل الشعب الفلسطيني والذي ينظر دوماً للدور الصيني من أجل تحقيق العدالة والانصاف ومعالجة كافة مظاهر الخلل في النظام الدولي وإعادة التوازن بشكل وطبيعة النظام الدولي والانتقال به من الاطار أحادي القطبية الى إطار متعدد الأطراف تكون الصين أكثر حضوراً فيه لخلق هذا التوازن المنشود في الوضع الدولي.
بدعوة من الصين، ذهب ممثلون رفيعو المستوى من 14 فصيلاً فلسطينيا إلى بكين لإجراء حوار المصالحة في يوليو من هذا العام، ووقعوا على “إعلان بكين”، واقترحت الصين مبادرة “ثلاث خطوات” لتحقيق السلام الدائم، وهي مبادرة إن هذه اللحظة التاريخية تحمل أملاً ثميناً للفلسطينيين الذين يعانون، ما هو تعليقك على هذا؟
نقدر كل الجهود الصينية المخلصة ومساهماتها الفاعلة في الوساطة من أجل انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، حيث تتزايد قوة الصين كوسيط دولي مؤثر في النزاعات العالمية، وهو ما يتجلى بوضوح في دورها المتنامي في منطقة الشرق الأوسط، بعد النجاح الذي حققته في رعاية المصالحة بين السعودية وإيران، فقد اتجهت الصين نحو القضية الفلسطينية، ونجحت في جمع الفصائل الفلسطينية في بكين والتوصل إلى اتفاق وطني عام بين الفصائل الأربعة عشر، ما أثمر عن “إعلان بكين”، ويظهر هذا التحرك الصيني مدى رغبة بكين في تعزيز نفوذها على الساحة الدولية، واستخدام قوتها الاقتصادية والسياسية لتحقيق الاستقرار في المناطق المتوترة، وتعكس هذه الجهود السياسة الخارجية الصينية الجديدة التي تسعى للعب دور أكبر في حل النزاعات الدولية وتعزيز السلم العالمي.
هناك أهمية بالغة للتوقيع على “إعلان بكين” ، حيث أعلن وزير الخارجية الصيني، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني الرفيق وانغ يي أن الاتفاق يهدف إلى توحيد جميع الفصائل الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وقد جرى توقيع الإعلان بحضور قادة وممثلين عن 14 فصيلاً فلسطينياً، مما يعكس مدى الجدية والاهتمام الكبير بتحقيق المصالحة الوطنية، ورغم التفاؤل الحذر الذي أعربت عنه الفصائل الفلسطينية، إلا أن هناك تحديات جوهرية تبرز في طريق تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك تباينات واضحة في الآراء بين حركتي حماس وفتح حول بعض القضايا الرئيسية، مثل قرارات الشرعية الدولية وأساليب النضال والمقاومة.
اننا نؤكد ضرورة الدور الهام الذي تلعبه جمهورية الصين الشعبية في المنطقة، ودعمها للقضية الفلسطينية في ظل التحديات التي تواجهها واستمرار انتهاكات الاحتلال وإجراءاته القمعية المدعومة من الإدارة الأميركية، مع الإصرار على مواصلة جريمة الحرب والابادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل، ونؤكد مرة أخرى على ضرورة تحرك الأصدقاء الصينيين مع الدول الفاعلة على الساحة الدولية، من أجل العمل على انعقاد مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية برعاية دولية متعددة، بعيداً عن الهيمنة والاستفراد الأمريكي، وبذل الجهود نحو اصلاح النظام الدولي والأمم المتحدة ومؤسساتها وتحريرها من الهيمنة الفوقية الأمريكية.
لقد أكدنا في حوار بكين على أهمية توفر الارادة السياسية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة التحديات أمام شعبنا وقضيتنا الوطنية، وأننا مطالبون وفي ظل حرب الابادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا ومحاولات شطب القضية الفلسطينية وتقويض منجزات وحقوق شعبنا الوطنية بالعمل الجاد والمخلص من أجل انهاء وطي صفحة الانقسام وتجاوز التحديات الداخلية باستعادة الوحدة الوطنية البرنامجية بوحدة شعبنا ونظامنا السياسي الفلسطيني تحت اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.
وشددنا على أهمية بلورة رؤية وطنية لمجابهة التحديات واعتبار أن انهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات وتكريس التوافق الوطني مسألة مهمة تتطلب حشد كل قوى وطاقات شعبنا لاستمرار مهام التحرر الوطني وبناء مؤسسات دولة فلسطين وتجسيد مكانتها السياسية والقانونية، بالإعلان الدستوري وصياغة الخطوات والإجراءات لتجسيد الاستقلال الوطني وانهاء مجمل العلاقات التعاقدية مع الاحتلال.
ومن جديد نثمن كل ما بذاته القيادة الصينية من الجهود والرعاية الصينية للحوار الوطني الفلسطيني والتي تنسجم مع قراءتنا للظروف والتحديات الراهنة والتي تشكل مدخلاً هاماً لتعزيز الدور الصيني في دعم وإسناد القضية الفلسطينية عبر تسليحها بالموقف الفلسطيني الموحد للدعوة لعقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وبما يكرّس المكانة السياسية والقانونية لقضيتنا، بعيداً على الهيمنة الأمريكية ورعايتها المتفردة للعملية السياسية والتي ثبت فشلها وانحيازها للاحتلال الاسرائيلي وشراكتها المكتملة في جريمة الحرب والإبادة الجماعية بحق شعبنا الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، والتي تتوافق مع سياسة العقاب الجماعي والتطهير العرقي والاستيطان الاستعماري في الضفة الغربية والقدس.
بعد الحوار في بكين والتوافق على “اعلان بكين” تأتي الأهمية أيضاً للدعوة الى التوافق الوطني على القضايا الأساسية بما يضمن الشراكة الوطنية والسياسية الشاملة تحت اطار منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ومواجهة سياسات واجراءات الاحتلال وما تقوم به الادارة الأمريكية من ممارسات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وفرض الحلول الأحادية التي لا تلبي تطلعات وحقوق شعبنا والتي لا تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الوطنية الفلسطينية.
علينا العمل على انهاء الانقسام وإزالة آثاره انطلاقاً من وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، والولاية الجغرافية والسياسية لدولة فلسطين على أراضيها ومنعاً للمحاولات الإسرائيلية الهادفة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ومحاولات تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية، وتدمير أسس ومرجعيات الحل السياسي القائم على “حل الدولتين” المتفق عليه دولياً على أساس تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الصين على تعزيز السلام بين فلسطين وإسرائيل، فإنها تعمل جاهدة على تعزيز السلام والتنمية الإقليميين، وقد لعبت مبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين دوراً إيجابياً وما زالت تخدم قضية السلام والتنمية البشرية، وفي مارس من العام الماضي، وبوساطة الصين، حققت المملكة العربية السعودية وإيران مصالحة تاريخية، مما شكل مثالاً لدول المنطقة لحل النزاعات والخلافات من خلال الحوار والتشاور وتحقيق صداقة حسن الجوار. إن التفاعلات الجيدة الأخيرة بين السعودية وإيران على كافة المستويات عززت بشكل مستمر زخم المصالحة بين السعودية وإيران، ما رأيك في مساهمة الصين الهامة في تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين؟
لقد التزمت الدبلوماسية الصينية بالاتجاه الصحيح والطريق المبتكر وتقدمت إلى الأمام بشجاعة وعزيمة، وسجلت فصولاً جديدة للتعاون والكسب المشترك مع العالم، وجسدت خصائص الصين وأسلوبها وموقفها المميز، وفي عام 2023، حققت دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية في الشرق الأوسط نتائج مثمرة، وتركت الكثير من اللحظات الرائعة، وضخت الثقة والقوة الدافعة لتحقيق السلام والمصالحة والوئام في المنطقة.
ولقد سجلت دبلوماسية القمة آيات جديدة، وأدارت الدفة نحو آفاق جديدة للتشاور حول سبل التعاون ووضع التخطيط للعلاقات الثنائية، استرشاداً بدبلوماسية الدولة الكبيرة، حيث تترسخ الثقة الاستراتيجية بين الصين ودول الشرق الأوسط باستمرار وتتطور العلاقات بين الجانبين تطوراً شاملاً وسريعاً ومعمقاً، الأمر الذي يظهر الملامح الجديدة للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط في العصر الجديد، ويدفع التقارب بين الجانبين، وفتح آفاقاً واسعة لهذه العلاقات في المرحلة القادمة، وتجلت حكمة الصين بالعمل على الوساطة عبر الحوار والتشاور، ووضع نموذج من خلال المصالحة السعودية الإيرانية، حيث حققت السعودية وإيران المصالحة التاريخية بفضل جهود الصين الداعمة والدافعة، وقرر البلدان استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وبرأيي تعد هذه المصالحة انتصاراً للحوار والسلام، ونصبت نموذجاً يحتذى به للشرق الأوسط والعالم كله لتسوية الخلافات عبر الحوار والتشاور، وقد أثار تحسن العلاقات بين البلدين موجة المصالحة في الشرق الأوسط، حيث عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتم تطبيع العلاقة بين مصر وتركيا، وبين قطر والبحرين والإمارات، وبين إيران والسودان، وعلى هذه الخلفية، تتفق دول الشرق الأوسط بشكل متزايد على ضرورة حل القضايا الأمنية في المنطقة عبر التضامن والتعاون، وتتمكن شعوب الشرق الأوسط من الإمساك بمصير المنطقة في أيديها بشكل أوثق فأوثق.
نموذج الصين للدبلوماسية الجديدة حقق فوزاً بالصفقة الإيرانية السعودية، وجهود بكين المخلصة تمثّل نموذجاً جديداً لإدارة العلاقات الدولية، وزيادة نفوذ الصين في الشرق الأوسط دليل ملموس على أنّ بكين مستعدة للاستفادة من نفوذها في النزاعات الخارجية، وبدون أدنى شك فإن الاتفاق بين إيران والسعودية شكّل دافعاً إضافياً للمبادرات الدبلوماسية الصينية، ونحن ننتظر المزيد من الجهود والمبادرات الصينية الخلاقة التي تخدم السلام والاستقرار الدوليين.