المبالغة في رد الفعل على الأزمة العراقية

2014/06/25
Updated 2014/06/25 at 9:49 صباحًا

20140621_MAP001_412

خلقت الأعمال العدائية الأخيرة في العراق، والتي شنتها المجموعة التي تدعو نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام أو “داعش”، خلقت فيضاً من الشعور بالإنذار والقلق بين ظهراني جهابذة السياسة في الولايات المتحدة. وتوصف سيطرة المجموعة على مدينة الموصل، على الأقل في الحاضر، بأنها “مغير للعبة”. وفي الأثناء، يدعو معلقون إلى التجييش من أجل شن الحرب الثانية على الإرهاب، ويرون فيها كفاحاً عالمياً ملحاً ضد الأولاد الأشرار، من الموصل إلى كراتشي وما وراءهما.
تأتي ردود الأفعال هذه في جزء منها نابعة من إحساسنا بضيق الحيز عندما يمكن وصف التطورات بأنها فقدان للأرض أو المدن. وراهناً، توصف “داعش” بأنها تواصل زحفها نحو بغداد تماماً كما وصفت طالبان باكستان قبل عامين، بأنها كانت تزحف نحو إسلام أباد. ويجب الجميع أن يأخذوا نفساً عميقاً.
يمكن اختصار ما يجعل كلاً من “داعش” وانتصاراتها الأخيرة أنباء سيئة بسهولة. فهي مجموعة شرسة فعلاً، والتي ارتكبت الكثير من الأفعال المرعبة في الناس الذين وقعوا تحت سياط سيطرتها. ويعد كل شيء تقف وراءه أو تمثله تقريباً أمراً كريهاً وبغيضاً عندما يتعلق الأمر بقيمنا أو مصالحنا الخاصة. وقد قوت نفسها عبر المكاسب الأخيرة التي حققتها، مع استيلائها على معدات عسكرية، كما هي الحالة عادة في غمرة نجاح واضح على الأرض، مترافق مع قبول شعبي متزايد للتجنيد. وبعد أن قلت كل ما تقدم، فإن هناك عدة ملاحظات أخرى من المهم أخذها بعين الاعتبار عند بحث ما تجب أن تكون عليه السياسة الأميركية تجاه هذا الوضع.
يجب علينا الحذر عند تقييم أهمية التطورات الأحدث ووسمها بأنها نقاط تحول أو مغيرات لعبة. ثمة ميل طبيعي للمبالغة في مغزى التطورات الأكثر حداثة، وفي النظر إلى التطورات الأبعد مدى التي تشكل جزء منها. وكانت التطورات طويلة المدى التي يعد صعود “داعش” جزءا منها قد واتتها أكبر لحظة في تغيير اللعبة قبل 11 عاماً.
أن تسيطر “داعش” على أكثر أو أقل من الأراضي في غربي العراق أو شرقي سورية ليس هو المهم فيما يتعلق بأي تهديد قد تشكله على المصالح الأميركية. وأن تستولي على جزء من محافظة نينوى بالإضافة إلى جزء من الأنبار لا يزيد فرصة أن يموت مواطنون أميركيون على يد “داعش”، بالرغم من التعاسة التي يجرها ذلك على مواطني نينوى. والاعتقاد بغير ذلك يعني المشاركة بالزيف القائل بأن امتلاك العقار هو ما يعرف التهديدات الإرهابية.
إذا صوبت “داعش” أسلحتها وقنابلها مباشرة نحو الولايات المتحدة، فإن ذلك سيكون على الأرجح رداً على توجيه الولايات المتحدة أسلحتها مباشرة ضد “داعش”. وحتى في أوساط المتطرفين العنيفين من السنة، هناك قلة فقط كانت توافق على استراتيجية أسامة بن لادن الداعية إلى ضرب العدو البعيد لإسقاط العدو القريب.
وحتى أسامة بن لادن نفسه، عمد إلى العمل عندما سكن العدو البعيد مع العدو القريب على شكل قوات أميركية متواجدة في موطنه في المملكة العربية السعودية. ويستمر النشاط العسكري الأجنبي أو الاحتلال في كونهما الدافعين الرئيسيين لتوجيه أسلحة الإرهاب ضد الأجانب.
لقد أتاحت الممارسات الحصرية والنزعات السلطوية التي تبنتها حكومة المالكي في بغداد، كما تجدر الإشارة، الارتقاء الحالي لتنظيم “داعش”. وقد شكل نظام المالكي نظاماً شيعياً ضيقاً، حيث لا يرى معظم العرب السنة مستقبلاً لهم في العراق تحت قيادة المالكي.
في هذه الوضعية، تلقى الرسالة المتطرفة قبولاً لدى المواطنين السنة. ولا غرابة أن يكون الوضع السياسي في العراق راهناً نتيجة غير مفاجئة للثقافة السياسية التي تبقت عندما تمت الإطاحة بالنظام البعثي. ولعل الشيء الوحيد المعقول الذي تستطيع الولايات المتحدة عمله مع الأمل بتحسين الوضع، يكمن في اشتراط تقديم المساعدة للنظام بتوسيع دائرة المشاركة السياسية بشكل كبير، وإدخال اللامركزية للمدى الذي بالكاد يكون فيه العراق دولة مركزية (بالبناء على الحكم الذاتي الذي يتمتع به الشمال الكردي منذ أكثر من عقدين).
سوف يوفر أي استخدام خارجي للقوة العسكرية وصفة مؤقتة من العمليات التي نشهدها تجري. ونعرف ذلك لأننا مررنا في كل هذا من قبل. فقد كان من المفترض أن تقدم “الزيادة” في عديد القوات قبل عدة أعوام الفضاء والوقت للجهات السياسية العراقية لحل خلافاتها. لكن 30.000 جندي أميركي إضافي فشلوا في حل تلك الخلافات، وكانت المحصلة هي الفوضى التي نشهدها راهناً.
لعل من ضرب الخيال الاعتقاد بأن أياً من هذا الجاري الآن كان ليختلف لو أننا مددنا التواجد العسكري الأميركي غير المرحب به مدة أطول. إما ضرب من الخيال أو مجرد اللعب الاعتيادي أو لهو الإدارة الحالية. ومن غير المعقول الاقتناع بأن ما لم يتم إنجازه في ثمانية أعوام ونصف العام من الممكن أن ينجز في عامين ونصف العام (أو أنه سيجيء أبداً وقت تضع الحرب فيه أوزارها ولا تكون فاشلة).
يجب على أولئك الذين دعموا حرب العراق الرضا بهذه الحقيقة. وكما يقول جوزيف كرينسيون، فإن الأمر يشبه دهم سيارة لحشد من جمهور المشاة، ثم توجيه اللوم إلى فنيي الطوارئ الطبية لعدم إنقاذهم أرواح المصابين.
على الرغم من أن ممارسات نظام المالكي تديم قبول الرسائل المتطرفة، فإن ذلك القبول يبقى ضحلاً. فتنظيم “داعش” لا يعرض أي شيء يستطيع أن يكون أساساً لدعم وشرعية طويلي الأمد. ولدينا خبرة يمكن أن نعتمد عليها هنا في هذا الصدد.
حتى الخفض المؤقت للعنف في مرحلة أبكر من الحرب الأهلية العراقية، لم يكن هو بسبب الزيادة في عديد القوات بقدر ما كان نتيجة اشمئزاز العرب السنة وكرههم لممارسات المتطرفين في الأنبار، والذين تحولوا إلى “داعش” الحالية. وإذا ما أعطيت للعراقيين السنة بدائل عن اتفاق يسود عليهم فيه نظام شيعي سلطوي ضيق، فسنشهد استجابة مشابهة.
ثمة ملاحظتان نهائيتان موجهتان خاصة لأولئك الذين دعموا “مغير اللعبة” قبل 11 عاماً: شن الحرب على العراق. واحدة تقول إن التكلفة الضخمة لتلك الحملة سيئة الطالع -آلاف الأرواح الأميركية المفقودة، والأرقام الأكبر من الأجسام المكسورة وتريليونات الدولارات من التكاليف النقدية طويلة الأمد والبقية الباقية- هي كلف غارقة، ولا توجد أي طريقة لاستعادتها. وهكذا، لا يوجد أساس لاستثمار المزيد في العراق في جهد واهن بعض الشيء لكسب تعويض عن واحدة من أكبر وأكثر الأخطاء كلفة في التاريخ الأميركي.
لقد كان شن الحرب على العراق تخبطاً: اقبل ذلك وتجاوز عنه. ويعد الإلحاح النفسي قوياً لخفض الخسائر بمقدار النصف، مع الاعتقاد بأن أولئك الذين قضوا ما كان لهم أن يموتوا عبثاً. لكن حالات الإلحاح النفسية لا تصنع سياسة جيدة.
الملاحظة الأخيرة هي أن “داعش” جاءت كنتيجة مباشرة لشن الولايات المتحدة الحرب على العراق. وقبل الغزو الأميركي لم يكن هناك شيء من هذا القبيل في العراق، وإنما كان موجوداً فقط في الأذهان المريضة لصانعي الحرب الشغوفين في العثور على أعذار لاستخدامها كنقاط بيع لضمان دعم شعبي للحرب. وإذا كنا نشعر بالرعب والاشمئزاز من هذه المجموعة، فدعوهم يتذكروا كم كان قرار شن الحرب خاطئاً، وكم كان خاطئاً الاعتقاد الأوسع المستند للاستثنائية، كما يبحث روبرت ميري، في سحر التدخل العسكري.

الغد الأردنية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً