قال جون كيري إن الأولوية ل”إسرائيل”، وقال رجب طيب أردوغان إن الأولوية لسوريا . يختصر هذا التباين الذي ظهر خلال لقاءات الوزير الأمريكي في أنقرة مع المسؤولين الأتراك واحداً من ملفات الخلاف بين الطرفين .
لكن مع ذلك فإن العلاقات لن تمضي إلا في مجراها الطبيعي الممتد عميقاً في التاريخ التركي الحديث .
في المستوى الأول، كان الجميع يتوقع، وتأكد ذلك، أن تكون جولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومن تركيا بالذات، مؤشراً على الأهمية التي توليها واشنطن للدور التركي في الاستراتيجيات الأمريكية في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز .
فتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، والدولة الأولى والمسلمة الوحيدة التي أصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي منذ العام ،1952 وقد أثبتت تركيا على امتداد العقود اللاحقة أنها حليف موثوق يلبي كلما دعت الحاجة ما يطلبه منها الغرب . فتركيا كانت الغطاء الإسلامي لعمليات وتواجد الحلف في أفغانستان وكانت تغطي ما سمّته فرنسا “حرباً صليبية” ضد ليبيا . ومؤخراً أكدت تركيا مرة أخرى انها رأس حربة الغرب في مواجهة روسيا وأعداء الغرب عندما وافقت على نشر منظومة الدرع الصاروخية وصواريخ الباتريوت لحمايتها في تركيا .
وتركيا هي حليف تاريخي ومزمن للولايات المتحدة، وما بني خلال ستين عاماً لا يمكن انهاؤه بهذه السهولة.
وتركيا بدورها تدرك، عن صواب أو عن خطأ، أن استمرار علاقاتها مع الولايات المتحدة سليمة وممتازة ضرورية لاستقرار تركيا وحماية النظام القائم فيها . يقول الرئيس التركي عبدالله غول أثناء لقائه جون كيري “إن العلاقات التركية مع الولايات المتحدة هي أحد أعمدة السياسة الخارجية التركية . ونحن متطابقون في عدد كبير من الملفات الإقليمية والدولية . لقد كان التعاون بيننا دائماً مستقيماً وشفافاً وقوياً وسيبقى كذلك” . وقد رد عليه كيري بالإيجاب قائلاً: “إنه من الصعب أن نجد حليفاً في المنطقة أفضل من تركيا” .
الغزل المتبادل بين غول وكيري تعداه إلى إشادة كيري بالمواصفات العقلانية لغول الذي هو “رجل حكيم يقدّره جيداً الرئيس الأمريكي باراك أوباما” .
التوقعات من زيارة كيري إلى أنقرة انقلبت شكلاً رأساً على عقب . كانت تركيا تريد التركيز على الملف السوري لكن تصريحات لأردوغان في فيينا واعتباره الصهيونية كما معاداة السامية والفاشية والإسلاموفوبا، جريمة ضد الإنسانية، حرّك الغرائز الأمريكية حيث لم يكتف كيري بالقول من أنقرة إن وجهات النظر هنا ليست متطابقة فحسب بل إنه يرفض هذه التصريحات .
ويفتح هذا على ملف العلاقات التركية – “الإسرائيلية” التي لم تشهد، بعد، إزالة التوتر بين الطرفين، لكنها كانت تطل على بداية حلحلة عندما وافقت تركيا على رفع الفيتو عن التعاون بين “إسرائيل” وحلف شمال الأطلسي وإمكانية تطبيع العلاقات بعد تغيير وزير الخارجية “الإسرائيلية” واستبعاد افيغدور ليبرمان المتشدد مع تركيا عن موقعه بعد الانتخابات النيابية في “إسرائيل” .
ذلك أن تركيا رغم التصريحات التركية ضد “إسرائيل” وكذلك رغم تصريحات “إسرائيلية” ضد تركيا لا يمكن أن تصل إلى نقطة اللاعودة في العلاقة مع “إسرائيل” إذ أن ارتباطها بالتحالف مع الولايات المتحدة وحاجتها أيضاً إلى الغطاء الأمريكي إقليمياً يلجم أي تفكير في إحداث قطيعة مع “إسرائيل” . ويبدو إن هناك توزيع أدوار بين الخطاب اللفظي والخطوات العملية . إذ لا يضير تركيا أن ترفع الصوت عالياً ضد خطوات “إسرائيلية” في القدس أو الضفة الغربية ما دامت تبقى هذه المواقف في إطارها اللفظي، فيما تستمر العلاقات الاقتصادية قوية بين البلدين ووصلت إلى أكثر من أربعة مليارات دولار .
وإذا كانت تركيا تخوض صراعاً مع منافسين إقليميين في الساحتين العربية والإيرانية فإن سباق النفوذ هذا يصطدم بالجدار “الإسرائيلي” في الشرق الأوسط حيث المرجعية الأمريكية والغربية الواحدة للطرفين . وبالتالي تنظر تركيا فلا ترى مساحات فراغ لملئها ولتصريف ما تعتبره فائض قوة وطموح لديها إلا حيث يمكن أن تصطدم بقوى إسلامية، عربية وغير عربية . وبالتالي ننظر فنرى أن المثلث التركي- “الإسرائيلي” – الأمريكي هو الآن أحد ثوابت اللعبة في الشرق الأوسط، تماماً كما كان خلال الستين سنة الماضية .
عن الخليج الاماراتية