الناصرة / ما زالت قضية انتحار أوْ قتل ضابط الموساد الإسرائيليّ، وهو يحمل أيضًا الجنسية الأسترالية، تُلقي بظلالها على الأجندة السياسيّة والأمنيّة في الدولة العبريّة، وفي كلٍ يوم تظهر تفاصيل جديدة تثير الرأي العام المحليّ والعالميّ أيضًا، ومن المُرجح جدًا، أنّ السبب الرئيسيّ الذي دفع صنّاع القرار في تل أبيب إلى إخفاء القضية، عن طريق تفعيل الرقابة العسكريّة وإصدار أوامر حظر نشر من المحاكم الإسرائيليّة، مرّده خشية الاستخبارات الخارجيّة من ردّ الفعل الذي كان سيُحدثه النشر عن أنّ ضابطًا في الموساد خان الجهاز وقام ببيع الأسرار، الأمر الذي كان سيُحطّم الأسطورة بأنّ الموساد لا يُمكن اختراقه.
الجدير بالذكر أنّ النائب عن حزب العمل الإسرائيليّ، نحمان شاي، وهو الذي شغل في السابق منصب الناطق العسكريّ الرسميّ صرّح في حديث أدلى به للقناة الثانية بالتلفزيون العبريّ بأنّ الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب تُصدر كلّ سنة أكثر من 300 أمر حظر نشر عن طريق المحاكم حول قضايا من شأنها أنْ تمس بالأمن القوميّ الإسرائيليّ.
في السياق ذاته، رجّح المحلل العسكري في لموقع صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’، رون بن يشاي، في تحليل نشره أمس، رجّح أنْ تكون المخابرات الأستراليّة قد تمكنّت من رصد بن زايغير وعلمت بأنّه على علاقته بالموساد بعد تلقيها معلومات من وزارة الداخلية الاسترالية حول قيامه بتبديل جواز سفره بعد تغيير اسمه وتفاصيله أربع مرات خلال أربع سنوات استنادًا إلى حق يمنحه القانون الاسترالي للمواطنين.
كما أشار المحلل إلى أنّ المخابرات الأستراليّة الداخليّة دأبت على تزويد الصحافيين بمعلومات عن شكوكها حول تعامل زايغر مع الموساد، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف إلى انكشاف سرّه، وأشارت الصحيفة العبريّة إلى أنّ عائلة الضابط المذكور، والتي تعيش في مدينة ميلبورن، ترفض التعامل مع وسائل الإعلام.
كما أنّ صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’، التي نشرت أمس الأحد تقريرًا لمراسلتها من أستراليا أكّدت على أنّ العائلة تتواجد في بيتها ولا تخرج منه بتاتًا وذلك بسبب الخوف واللقلق والخجل، الذي سببته القضية لها. الصحيفة أشارت أيضًا إلى أنّ بن زايغير قام بتغيير اسمه في وزارة الداخليّة الأستراليّة عدّة مرات، هو واثنان آخران، عملا في خدمة الموساد أيضًا، ويبدو أنّ استعمال الجوازات الأجنبية ازدادت وتيرتها في ضوء ازدياد حالات التجسس ضدّ إيران وسوريّة وحزب الله، خلال الانتفاضة، الثانية وتعيين رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، أرئيل شارون عام 2002 مائير داغان رئيسًا للموساد وتكليفه بمتابعة بالملف الإيراني على أبعاده المختلفة.
وساقت الصحيفة العبريّة قائلةً إنّ جهاز المخابرات الاسترالي شدد الطوق ضد زايغير ورفاقه بعد انكشاف قضية تجسس إسرائيلية، تمثلت باستغلال دبلوماسيّ إسرائيليّ لعلاقة غرامية من اجل جمع معلومات عن الحكومة الاسترالية عام 2005 انتهت بطرد الدبلوماسي الإسرائيليّ بقرار من الحكومة الأسترالية.
علاوة على ذلك، أضافت الصحيفة الإسرائيليّة، أنّ المخابرات الاسترالية حققت مع زايغير عام 2009 أي قبل عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح عام 20010 في دبي، والكشف عن استعمال عملاء الموساد جوازات أجنبية بما في ذلك جوازات استرالية، الأمر الذي فجّر أزمة دبلوماسية مع استراليا في حينه، إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير هو التقرير الصحافي في هيئة الإذاعة الأستراليّة (ABC) والذي تمّ نشره بإيعاز من المخابرات الاسترالية، على ما يبدو، والذي كشف زايغير ورفاقه جماهيريًا وهو الذي قاد إلى اعتقاله من قبل الموساد لاحقًا على ما يبدو، كما قالت الصحيفة العبريّة.
على صلة بما سلف، أفادت وسائل الإعلام العبريّة الأحد أنّ وزارة القضاء الإسرائيلية، تقوم ببحث إمكانية نشر نتائج التحقيق الذي أجري حول ملابسات وفاة السجين (اكس) من خلال رفع جزئي للحظر الذي فرض على هذه القضية.
جدير بالذكر أنّ التحقيق في ظروف وفاة المعتقل زايغر أجرته في حينه رئيسة محكمة الصلح في ريشون لتسيون تحت طائلة السرية بموجب أمر قضائي ما زال ساري المفعول.
في السياق ذاته، وفي ظلّ تزايد المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في قضية عميل الموساد الاسترالي التي كشف عنها مؤخرًا، قال عضو الكنيست تساحي هنغبي من الليكود، الذي شغل منصب رئيس لجنة الخارجيّة والأمن التابعة للكنيست الإسرائيليّ، قال إنّه لم يتلق خلال فترة ترؤسه للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أي معلومات رسمية من الجهات الأمنية حول قضية السجين (اكس) الذي أقدم على الانتحار، بحسب الرواية الإسرائيليّة الرسميّة، في سجن ايالون في شهر كانون الأول من العام 2010، علمًا بأنّ المحامي أفيغدور ليبرمان، الذي كان يترافع عنه قال للتلفزيون الإسرائيليّ إنّه التقى موكله قبل يوم واحد من موته، ولم يلاحظ عليه بالمرّة أنّه كئيب، إنّما أبلغه بأنّه ينتظر قرار المحكمة الإسرائيليّة في الالتماس الذي قدّمه على قرار المحكمة التي أدانته بالتهم الموجهة إليه، والذي يُمنع النشر عنها.
وأضاف النائب هنغبي في حديث أدلى به للإذاعة الإسرائيليّة الأحد أنّ عدم نقل هذه المعلومات يستلزم التوضيح، لافتًا إلى أنّ العادة كانت تتبع في الماضي على عدم إخفاء أجهزة الاستخبارات والأمن أي شيء عن رئيس لجنة الخارجية والأمن كون اللجنة مسؤولة عن مراقبة نشاطات هذه الأجهزة، على حد قوله.
في غضون ذلك قالت صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ أمس إنّ النائب إيتان كابل، من حزب العمل، والنائب أوري أرئيئيل، من حزب البيت اليهوديّ، توجها إلى رئيس الكنيست المؤقت بنيامين بن اليعيزر للعمل على انتخاب رئيس مؤقت للجنة رقابة الدولة البرلمانية بهدف تشكيل لجنة تحقيق رسمية في هذه القضية.
وأفاد موقع صحيفة ‘هآرتس’ على الإنترنت أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، تطرّق أمس قبيل بدء جلسة الحكومة الأسبوعيّة إلى قضية الأسر إكس وقال أنّه يثق جدًا بالأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة التي تعمل على إبقاء هذه الدولة على الخريطة، كما أنّه يثق بالمحاكم الإسرائيليّة، ولكنّه أضاف أنّ إسرائيل هي دولة ليست عاديّة.
وأضاف نتنياهو موجهًا حديثه للوزراء إنّ الأجهزة الأمنيّة في الدولة العبريّة تعمل تحت مراقبة السلطة القضائيّة، وبالتالي فإنّه في هذه القضية العينية لم يُمس حق الجمهور في المعرفة، ولكن في بعض الأحيان، زاد نتنياهو قائلاً، إنّ الكشف عن قضايا أمنيّة من شأنه إلحاق الأضرار الجسيمة بالأمن القوميّ الإسرائيليّ، على حد تعبيره.
القدس العربي – زهير أندراوس.