ولا كلمة ممكن تستوعب وتشرح كلمة المخيم. لأنو المخيم، وخصوصا مخيم «اربد» زي الام، في حدا بقدر يوصف امو؟ لا ابداً مهما حاول انو يوصفها ما بيقدر يصل للوصف الكامل الدقيق
والمخيم حكايتو حكاية. بيجوز لأني انولدت بمخيم، وتربيت ودرست هناك، فشايف اني قادر احكي بأسمو، ولو شوي. يعني انك تكون ابن مخيم رح تضل حاسس حالك غريب، مهما رحت ومهما وصلت.
والسر انو المخيم نفسه إشي غريب. بس اسمع كلمة بيت، بتتخيل حجارة وضواو وحكورة. اما بس اسمع كلمة مخيم فاول ما بخطر ببالي «الكنتين» (البائع في دكانة الاونروا) تاع مدارس وكالة الغوث.
لأنو الوحيد اللي بيضل صاحي وما بينام لأنو لازم من الساعة 3 الفجر يبلش يجهز الساندويش والاحتياجات تاعت الطلاب اللي بيطلعو قبل ما الشمس ما تطلع على المدارس علشان يلحقوا الفترة الصباحية. هيك انا شايف المخيم شايفو ماكينة ما بتوقف وما بتتطور وما بتخرب.
كمان المخيم اشي غير قابل للزوال. مش اشي ملموس بس المخيم اشي زي العشق والمرض الاثنين متناقضين بس الاثنين بينخروا بالعظم. لما تصحى الصبح، اصلا منيح اذا بتعرف تنام لأنو ما في اماكن تجيبلك هوا. كلها حيطان وشبابيك ملزقة ببعضها. بس اذا نمت وصحيت الصبح اول ما بيجي ببالك تعمله تلقائياً؟
بالمخيم في
شي فريد انك بتربى بمجتمع كلهم زيك
انك تفتح باب الدار وتطلع ع راس الحارة حافي كأنو انت عم تستنى شخص عزيز عليك. بتطلع بتلاقي كل الحارة فوق! بجوز عشان الشارع عريض شوي وبفوت منو الهوا من العالم الخارجي. وانت بتحس حالك بسجن الو ابواب وبتقدر تطلع منو وقت ما بدك بس بضل في اشي يمنعك انو متطلعش. واذا طلعت رح تصير كل يوم تحاول ترجع على المخيم زي الولد الصغير لما امو توديه عالروضة بس بضل بدو يرجع لأمو.
كمان بالمخيم ما في سر، ما في شباك بستر عليك مافي زاروبة ممكن تستقبلك من دون ما تبوسك من اجريك. قصدي تبللك بالمي اللي طافحة بالشوارع. والمخيم تعريفه بالنسبة لألي؟ دولة داخل دولة. بس ما فيهاش لا رئيس ولا وزارة ولا حكومة، ناس ماشية ع مبدأ انا الوزير وانا الملك وانا الرئيس وانا صاحب القرار.
في بعض الاحيان بتحس المخيم زي السجون الامريكية مقسم لأقسام . في اماكن بزبطش تفوتها من دون تصريح وختم! مش بالمعنى الحرفي لأ، بالمعنى المخيمجي، لأنك اذا فتت على المخيم وحدا سألك عندك ختم للحارة الشرقية؟ معناتو عندك ثقة بالحارة الشرقية عشان تعرف تمر. يعني بطفولتي بذكر انو اضطريت اصاحب ناس من الحارة الشمالية عشان اصير اروح على المدرسة بطريقة مختصرة لأني كنت الف كل المخيم واطلع من المدخل الغربي عشان اصل المدرسة! ومستحيل تحفظ المخيم لو عشت فيه طول حياتك كل مرة بتكتشف ناس جداد، واشي جديد. المخيم زي الاب الشرقي التقليدي اللي بيخاف ع ولادو فلذلك اي حدا ممكن يجيب مشاكل للمخيم المخيم بيأدبو بشدة، يكفي انو كل العالم بتصير عارفة شو سويت وبتبلش تعزلك!
وفي كمان اشياء حلوة ما بتلاقيها غير بالمخيم فكرة انك تربى بمجتمع كلهم زيك. يعني كلنا سواسية زي اسنان المشط: الكل درس بالوكالة والكل اخد شوالات عدس اللي نصها مسوس من الاونروا واكلها. فما في فرق غير اللي عندو عدد شبابيك اكثر ببيتهم. انا ما حكيت عن المخيم بشكل كبير وما شرحت كثير لأنو اللي حكيتو تقريباً هو تعريفي لأربع حروف كانت كفيلة بجعلي متذكر كل تفاصيل حياتي وكيفية تعليمي سبل العيش والبقاء على قيد الحياة وكمان هالاربع حروف فهمتني منذ الولادة انا ليش هون وشو السبب؟
الأخبار اللبنانية