يناضل الفلسطينيون منذ سبعة عقود كي يصير لهم وطن. وقد اتّخذ هذا النضال أشكالاً عدة في أكثر من قارة. وبعد كفاح مسلّح طويل من أجل تحرير فلسطين كاملة، اتّضح لجميع الأفرقاء المعنيين أن السلام هو الخيار الوحيد القابل للحياة، مع قبول متبادل من الفلسطينيين والإسرائيليين بحق كل طرف في الوجود والازدهار.
في مرحلة معيّنة من التاريخ، برزت شخصيات أبوية وليس مجرد قادة عاديين، أقنعت شعبها بأن الحلم بالأمن والسلام ليس سهلاً لكنه ممكن. تحدثت عن التضحية والمصالحة والتنازلات.
وبالعودة إلى الوراء، كانت تلك أزمنة فريدة في العالم: لم يكن الاستقطاب فتّاكاً كما هو الآن، والصداقة الوثيقة التي ولدت من رحم النزاع، بين ياسر عرفات والملك حسين واسحاق رابين، لن تتكرّر.
لو وجد السلام أرضاً خصبة مطلع التسعينات، لاختلفت الأمور كثيراً اليوم!
مما لا شك فيه أن ثمة أشخاصاً غير مهتمين بالسلام لدى الفريقَين معاً. إنهم عادةً الأشخاص الذين يعيشون برخاء في الخارج، وليس لديهم ما يكسبونه أو يخسرونه من انتهاء النزاع. وينضم إليهم عقائديون يكسبون معيشتهم من ترويج الأفكار وتحريض الحشود السريعة الانفعال. وفي أعلى القائمة نجد المقاتلين والمجموعات الإرهابية التي تستخدم النزاع ذريعة لتبرير وجودها.
أياً يكن موقعكم في طيف الحرب والسلم، لا يمكن استخدام محنة الشعب الفلسطيني ورقة مقايضة. كما لا يمكن الاكتفاء برفع شعار الفضيلة كلما زادت إسرائيل مستوى عدوانها.
غزة هي بالفعل سجن مفتوح حيث يدفع الفلسطينيون ثمن عدم شعور إسرائيل بالأمان، واليأس الذي تتخبّط فيه “حماس”. عندما يصيب القتل العشوائي الذي تمارسه إسرائيل وتدميرها الأبوكاليبتي للمنازل والمستشفيات والمدارس والشركات، وتراً حساساً، نهبّ للدفاع عن المدنيين الأبرياء، وهذا ما يقتضيه التصرّف الأخلاقي. ولكن من دون متابعة وثبات في الموقف، يتحوّل سلوكنا هذا مجرّد رد فعل مخادع إزاء قضية محقّة.
من واجبنا الأخلاقي أن نرفع الصوت قبل أن تحلّ المأساة بالشعوب في كل مكان. لقد أعمى العرب عيونهم وصمّوا آذانهم عن محنة فلسطين منذ زمن بعيد. وفعلوا ذلك في العراق وسوريا وسواهما من البلدان الرازحة تحت وطأة النزاعات في المنطقة. وحذا العالم حذوهم.
ينتشر التطرّف في كل مكان، ليس في ساحات المعارك فحسب إنما أيضاً في أوساط المدنيين. إذا لم يتم التحرّك سريعاً من أجل التعاون معاً بكل اتّضاع ومسؤولية، فلن يمضي وقت طويل حتى يتحوّل العالم بأسره نسخة عن غزة.
عن النهار اللبنانية