بقلم: شاؤول أرئيلي وآخرين/ تدل بيانات المكتب المركزي للاحصاء في نهاية شهر أيار عن الوضع الديموغرافي الاسرائيلي في الضفة الغربية (بدون شرقي القدس) على الفشل المتواصل لمشروع الاستيطان. أوقفت التوجهات الديموغرافية متعددة السنوات والتصعيد في الضفة الغربية على خلفية الحرب في غزة جهود حكومة نتنياهو – سموتريتش التي تهدف الى هزيمة الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال استثمارات في الميزانية غير مسبوقة في المستوطنات. حتى شرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية والتغييرات التنظيمية الدراماتيكية في الادارة المدنية وفي وزارة الدفاع وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وعجز الجيش الاسرائيلي في مواجهته، كل ذلك لا يغير صورة الفشل الشاملة.
منذ بداية العام 2023 وحتى نهاية أيار 2024، انتقل من اسرائيل الى الضفة الغربية 615 شخصا، اكثر من الذين عادوا الى اسرائيل. في ثلث المستوطنات (47) كان يوجد في تلك الفترة ميزان كامل للهجرة السلبية (عدد الذين غادروا اكبر من الذين جاءوا من اسرائيل ومن الخارج). المستوطنات التي تمثل الارقام القياسية هي موديعين عيليت (-1076)، معاليه ادوميم (-582)، افرات (-199)، حشمونئيم (-149). الظاهرة الوحيدة التي ساعدت على تخفيف المنحى السلبي هي وصول 965 مهاجرا جديدا من الخارج بشكل مباشر الى المستوطنات. أي أنه هاجر الى الضفة الغربية سكان من الخارج اكثر من السكان من اسرائيل.
يوصل السكان في مستوطنات الضفة الزيادة بالوتيرة نفسها مثلما في العقد الاخير. وقد وصل عدد السكان هناك في نهاية أيار 2024 الى 497.589 شخصا، يعيشون في 134 مستوطنة و120 بؤرة استيطانية غير قانونية. لكن الاغلبية الساحقة للزيادة في الضفة، 92 في المئة من اجمالي الزيادة، كانت نتيجة الزيادة الطبيعية (الولادات ناقص الوفيات)، التي بلغت في هذه الفترة 17.814 نسمة. فحص سريع يظهر أن نصف الزيادة الطبيعية (46 في المئة) مصدرها في المدن الحريدية الكبيرة، موديعين عيليت وبيتار عيليت، ومع جفعات زئيف الآخذة في التدين فان نسبة الزيادة الطبيعية في هذه المدن الثلاث هي تقريبا نصف اجمالي الزيادة الطبيعية في الضفة الغربية. هذه المستوطنات الثلاثة فقط القريبة من الخط الاخضر توجد في مجال الاتفاق بأنه يتوقع ضمها الى اسرائيل في اطار تبادل الاراضي في الاتفاق الدائم.
تُظهر المتابعة متعددة السنوات التي تجرى في مجموعة الابحاث “تمرور” استنادا الى معطيات المكتب المركزي للاحصاء،صورة ممتعة ومفاجئة.
اولا، بالنسبة للمدن اليهودية الاربع التي يعيش فيها تقريبا نصف الاسرائيليين في الضفة (43 في المئة)، اريئيل – الاصغر من بينها والتي في معظمها هي علمانية وسكانها في السنوات الستة الاخيرة يراوحون في المكان، 20 – 21 ألف نسمة- سكانها آخذون في الشيخوخة. نسبة السكان فيها تحت جيل 19 سنة أقل من ربع السكان. نصف اصحاب حق الاقتراع يصوتون لليكود، وعدد قليل منهم لاحزاب اليمين المتطرف أو الحريديين (نسبة الحريديين في المدينة هامشية، 1.3 في المئة). تم تصنيف هذه المدينة في العنقود الاقتصاد – اجتماعي 6، فوق المتوسط في الضفة (العنقود 4).
معاليه ادوميم، المدينة الثانية من حيث الحجم، هي مدينة علمانية وتصنف في العنقود 6، وهي تعاني من العام 2013 من ميزان هجرة اجمالي سلبي، آخذ في الزيادة. سكانها في السنوات السبع الاخيرة يراوحون حول 38 ألف نسمة بدون نمو. هي ايضا متوسط العمر فيها آخذ بالازدياد، ونسبة السكان تحت جيل 19 سنة فيها انخفضت الى الثلث. حوالى نصف المصوتين فيها يصوتون لليكود (النسبة انخفضت في العقد الاخير)، و30 في المئة منهم يصوتون لاحزاب اليمين المتطرف، و20 في المئة يصوتون للاحزاب الحريدية رغم أن الحريديين الذين يعيشون فيها هم فقط 3 بالمئة من السكان. تشرح هذه التوجهات في المدن العلمانية الانخفاض في نسبة العلمانيين في اوساط المستوطنين في الضفة، من 35 في المئة في 2010 الى 26 في المئة في أيار 2024.
بيتار عيليت، الثالثة من حيث الحجم، هي في غالبيتها المطلقة حريدية، 93.1 في المئة من السكان. بعد سنتين على ميزان هجرة سلبي انقلب التوجه. سكان المدينة زادوا واصبحوا 68.363 نسمة، بالاساس بسبب الزيادة الطبيعية. 60 في المئة من المصوتين فيها صوتوا ليهدوت هتوراة، 30 في المئة لشاس. المدينة مصنفة في العنقود الادنى، العنقود 1. وموديعين عيليت، الاكبر من بين هذه المدن، هي حريدية (95.8 في المئة من السكان) وهي مصنفة في العنقود المتدني جدا. وفي العقد الاخير هي تعاني ايضا من ميزان هجرة سلبية، الذي يتم اخفاؤه عن طريق الزيادة الطبيعية المرتفعة. وقد بلغ عدد سكانها في أيار 2024، 86.816 نسمة. 80 في المئة من المصوتين فيها صوتوا ليهدوت هتوراة والباقون لشاس. بسبب الزيادة الطبيعية في هذه المدن فقد ارتفعت نسبة الحريديين في اوساط الاسرائيليين في الضفة من 32 في المئة في 2010 الى 37 في المئة في أيار 2024. المدن الثلاث الكبيرة التي تضم 90 في المئة من السكان الحضريين يتوقع أن يتم ضمها لاسرائيل في اطار الاتفاق الدائم.
ثانيا، تُظهر المتابعة التي يتم اجراءها صورة مهمة ايضا بالنسبة للمجالس المحلية الـ 14 التي يعيش فيها نحو خُمس السكان الاسرائيليين في الضفة (22.2 في المئة). في المجلس المحلي الاكبر جفعات زئيف، نسبة الحريديين بلغت نصف السكان، الذين ينمون بوتيرة مرتفعة بشكل خاص، وفي هذه السنة قفزت الى 22.503 نسمة، اكثر من سكان اريئيل. ايضا في عمانوئيل الحريدية فان الزيادة السنوية في تسارع، وعدد السكان فيها بلغ 5.142 نسمة.
انخفضت في المجالس المحلية العلمانية الزيادة في عدد السكان وتوقفت كما يلي: اورانيت (9.397 نسمة)، الفيه منشه (8 آلاف نسمة)، بيت آريه (5.603 نسمة)، هار أدار (4.140 نسمة). معاليه افرايم، الاصغر من بين المجالس المحلية والتي أخذت تتضاءل في الاعوام 2005 – 2013، بدأت في الازدياد مرة اخرى وعدد سكانها يبلغ اليوم 1.419 نسمة، حتى الآن هذا العدد اقل من عدد السكان فيها قبل عقدين.
في المجالس المحلية الدينية – القومية المنحى مختلط. بعضها ازداد مثل افرات التي نمت ووصلت الى 11.940 نسمة، وكرنيه شومرون التي تم ضم معاليه شومرون اليها، ازدادت ووصلت الى 10.179 نسمة، وشاعر هشومرون الجديدة، التي ولدت من اتحاد شعاري تكفا وعيتس افرايم، وصلت الى 9.027 نسمة، كريات اربع وصلت الى 7.601 نسمة، والكنا وصلت الى 4.453 نسمة. جزء منها بقي مستقرا، مثلا بيت ايل مع 6.469 نسمة، كدوميم مع 4.600 نسمة. عمليا، معظم المجالس المحلية (9 من بين 14) التي تضم 77 في المئة من اجمالي السكان، يتوقع أن يتم ضمها لاسرائيل في اطار تبادل الاراضي في الاتفاق الدائم.
في المجالس المحلية الستة، التي يعيش فيها تقريبا ثلث السكان الاسرائيليين في الضفة (35 في المئة)، وجدت توجهات مختلطة. المجالس الدينية – القومية التي تحصل على اغلبية موارد الحكومة تستمر في النمو. مثلا، متيه بنيامين الاكبر من حيث عدد السكان، اوزداد ووصل الى 78.089 نسمة. مجلس هشومرون الاكبر من حيث المساحة ازداد ووصل الى 46.162 نسمة، مجلس غوش عصيون ازداد ووصل الى 27.812 نسمة، مجلس هار حبرون ازداد ووصل الى 11.842 نسمة. في المقابل، مجلس عرفوت هيردين العلماني يعيش فيه 6.767 نسمة، في مغيلوت البحر الميت، الاصغر من بينها والعلمانية، يعيش فيها فقط 2.254 نسمة. أي أنه في كل غور الاردن ومنطقة البحر الميت التي تشكل ثلث مساحة الضفة تقريبا عدد الاسرائيليين بقي متدنيا جدا، اقل من 10 آلاف نسمة.
يوجد لهذه التوجهات التي ذكرت اعلاه والتي تميز العقد الاخير عدة تداعيات رئيسية. الاول، نسبة الحريديين في السكان الاسرائيليين في الضفة ارتفع الى 37 في المئة. تؤدي هذه المجموعة السكانية الى جانب مستوطنات اخرى فقيرة الى أن اكثر من 40 في المئة من المستوطنين ينتمون للعنقود الاقتصادي – الاجتماعي الادنى (1). ومن اجل المقارنة فان هذه النسبة اكبر تقريبا بعشرة اضعاف من نسبة الذين ينتمون للعنقود 1 داخل حدود اسرائيل.
أصبح السكان اليهود في الضفة مع مرور الوقت اكثر فقرا وهم ويعتمدون اكثر على دعم الحكومة. ومن اجل اثبات ذلك فان نسبة اسهام الحكومة بواسطة المنح المختلفة بلغت في العام 2022، 63 في المئة بالمتوسط من الميزانية العادية، و60 في المئة من الميزانية غير العادية لاجمالي الـ 24 مجلسا محليا في الضفة الغربية. هذا في حين أن متوسط الاسهام داخل حدود الخط الاخضر في الميزانية العادية هو 42 في المئة، وفي الميزانية غير العادية هو 39 في المئة. ولا يقل اهمية عن ذلك هو أن ثلث دعم الحكومة في الضفة تقريبا مخصص للرفاه. رغم أن الاسرائيليين هناك يشكلون حوالى 5 في المئة من سكان اسرائيل إلا أنهم يحصلون على 7.22 في المئة (2.340.613.000 شيكل) من اجمالي منح الحكومة للميزانية العادية، و8.1 في المئة (740.855.000 شيكل) من اجمالي المنح للميزانية غير العادية. تمويل دافعي الضرائب الاسرائيليين يوزع بصورة تناقض توصيات لجان مختلفة، ويؤدي الى أنه في حين أن متوسط دخل الفرد في الميزانية العادية داخل حدود اسرائيل هو 8.832 شيكل، فان متوسط الدخل الموازي لسكان الضفة الاسرائيليين هو 10.300 شيكل. أي أنه في المتوسط يحصل السكان في الضفة على خدمات اكثر جودة مقارنة مع سكان اسرائيل في مجالات الرفاه والتعليم والثقافة.
إن اغداق الموارد هذا يجد تعبيره في الرأي العام في اوساط المستوطنين. نحن قمنا باجراء ثلاثة استطلاعات خاصة في الاعوام 2016 – 2023 في اوساط عينات تمثيلية كبيرة للسكان اليهود البالغين (فوق جيل 18 سنة) في الضفة الغربية من اجل فحص مواقف الجمهور حول عدة حلول سياسية في قضية الجغرافيا. وقد اظهرت هذه الاستطلاعات بأنه مع مرور الوقت فان مستوطني “جودة الحياة” اصبحوا ايديولوجيين اكثر، في حين أن المستوطنين الايديولوجيين يعتبرون جودة الحياة السبب الرئيس للعيش في الضفة.
على سبيل المثال، في العام 2016 فقط 19 في المئة من الجمهور الايديولوجي اشاروا الى جودة الحياة كدافع للاستيطان في الضفة الغربية. وفي العام 2023 فان 38 في المئة منهم قالوا بأنهم يقومون بالاستيطان ايضا لاسباب تعود لجودة الحياة. في المقابل، العامل الايديولوجي في المستوطنات بقي العامل الاكثر اهمية، لكن في العام 2023 ميز هذا العامل 49 في المئة من المستوطنين مقابل 62 في المئة في العام 2016.
التأثير الثاني لهذه التوجهات الاجتماعية – الايديولوجية هو أنه رغم الزيادة في عدد الاسرائيليين في الضفة إلا أن نسبتهم في اجمالي سكان الضفة هي 14 في المئة فقط. أي أنه في اوساط سكان الضفة توجد اغلبية عربية ثابتة، وضمهم سيضعضع كليا الميزان الديموغرافي في اسرائيل، أو سيضعضع نظامها الديمقراطي، اذا لم يتم اعطاء الفلسطينيين حقوقا متساوية، كما اعلن بتسلئيل سموتريتش.
التأثير الثالث هو أن الزيادة المستمرة في اوساط السكان العرب في مناطق ج، التي تبلغ الآن 392 ألف نسمة، تحول ايضا ضم مناطق ج الى أمر غير منطقي من ناحية ديموغرافية، أمنية واقتصادية. نسبة الاسرائيليين في مناطق ج، التي كانت اغلبية واضحة، انخفضت من 82 في المئة في 2010 الى 55 في المئة في نهاية 2023. من هنا فان اقوال الوزيرة اوريت ستروك، التي طلبت مؤخرا تسريع الاستيطان في جبل الخليل – “يا بتسلئيل، أنا أريد قبل أي شيء جبل الخليل. وهو وافق على ذلك” – هي اقوال لا معنى لها من ناحية السيطرة على الارض. حيث أنه من جنوب غوش عصيون في محافظة الخليل يعيش 18 ألف اسرائيلي بين الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم 822 ألف نسمة (2.1 في المئة فقط).
التأثير الرابع هو أن اكثر من النصف (59 في المئة) من الاسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الاخضر يعيشون قربه (5 كم)، وسيتم ضمهم الى اسرائيل في اطار تبادل الاراضي، وحتى أن معظم الذين يعيشون في مسافة 5 – 10 كم، مثل معاليه ادوميم وجفعات زئيف وافرات، سيتم ضمهم الى اسرائيل في اطار الاتفاق الدائم. رغم أن عدد المستوطنات المعزولة والبعيدة عن الخط الاخضر (10 كم واكثر) هو تقريبا نصف اجمالي المستوطنات في الضفة (46 في المئة)، 62 مستوطنة، فان سكانها عددهم قليل (123 ألف نسمة، 24 في المئة من اجمالي الاسرائيليين الذين يعيشون في الضفة)، معظمها تنتمي للتيار القومي المتطرف المسيحاني، الذي اختار الاستيطان هناك من اجل منع اقامة الدولة الفلسطينية. ايضا حول هذه القضية نرى في الاستطلاعات التي اجريناها بأنه يجب التمييز بين الجمهور الايديولوجي وجمهور “جودة الحياة”. قضية الضم احادي الجانب للمناطق على سبيل المثال، في 2023 أيد هذه الخطوة الثلثان (66 في المئة) من المستوطنين الايديولوجيين، مقابل الثلث (35 في المئة) من مستوطني “جودة الحياة”.
يجب الذكر بأن تبادل الاراضي باقل من 4 في المئة في اطار العملية السياسية سيمكن من بقاء 80 في المئة من الاسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الاخضر تحت سيادة اسرائيل، حيث أن معظم المخلين هم من الذين ينتمون للتيار الايديولوجي في اليمين المسيحاني. هنا تشير نتائج الاستطلاعات الى التطرف في اوساط المستوطنين في كل ما يتعلق بامكانية الاخلاء. اذا كان في العام 2016 فقط خُمس مستوطني “جودة الحياة” (19 في المئة) واقل من نصف المستوطنين الايديولوجيين (44 في المئة) قالوا بأنهم سيرفضون الاخلاء في أي حالة اذا توصلت اسرائيل الى اتفاق مع الفلسطينيين، فانه في العام 2023، 35 في المئة من مستوطني جودة الحياة و56 في المئة من الايديولوجيين قالوا إنهم سيرفضون الاخلاء في اطار الاتفاق.
حتى لو تم عرض تعويضات فورية على المستوطنين عن بيوتهم وممتلكاتهم في اطار خطة اخلاء – تعويض، فانه في اوساط مستوطني جودة الحياة نسبة الموافقة على الاخلاء انخفضت من 66 في المئة في 2016 الى 55 في المئة في 2023. في اوساط المستوطنين الايديولوجيين انخفضت النسبة من 45 في المئة في 2016 الى 35 في المئة في 2023. هذه التوجهات المذكورة اعلاه تدل على أن الايديولوجي اصبح برجوازي، والبرجوازي اصبح ايديولوجي. إن طمس الهوية هو نتيجة مباشرة لتطبيع الاحتلال في اوساط المجتمع الاسرائيلي.
السؤال الكبير هو: هل سيتعاون الجمهور الحريدي والجمهور العلماني في نهاية المطاف مع الخطوات التي يدفعها قدما الجمهور القومي المتطرف المسيحاني الصغير؟ هل ازاء التسهيلات الاقتصادية المبالغ فيها التي ترافق الانتقال الى الضفة الغربية سينتقل حريديون وعلمانيون الى هناك بالآلاف بشكل سيغير التوجه الديموغرافي السلبي، ويلغي الامكانية الموجودة الآن لحل الدولتين؟ هل تبذير موارد الدولة من اجل تحقيق الحلم المسيحاني الذي لا توجد له أي فائدة سياسية، سيستمر، ويضر بمكانة وصورة واقتصاد، وبالاساس أمن، دولة اسرائيل؟.
عن “هآرتس”