المشكلة الحقيقية في الشرق الأوسط اقتصادية

2014/09/01
Updated 2014/09/01 at 10:00 صباحًا

egypt-economics

فاجأ الرئيس أوباما الكثيرين مؤخراً عندما شخص الأزمة التي تطبق على العراق بأنها اقتصادية في جزء منها، ملاحظاً أن السنة العراقيين كانوا “قد فُصلوا عن الاقتصاد العالمي”، وبذلك أصابهم الإحباط فيما يتعلق بتحقيق تطلعاتهم. وبينما يمكن الحديث عن العديد من المصادر لفوضى العراق، فإن الرئيس يضع يده هنا على شيء مهم للغاية؛ ولا يتعلق الأمر فقط بالسنة العراقيين، وإنما بكامل منطقة الشرق الأوسط المنفصلة كلها عن الاقتصاد العالمي.
تشارك المنطقة الآن بما يزيد قليلاً على 4 % من الصادرات العالمية، وبقدر يقل عن مقدار مشاركتها في العام 1983. وللمقارنة، تشارك ألمانيا وحدها في هذه الصادرات بنسبة 6.4 %. ووفقاً للبنك الدولي، فقد كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مصر في العام 1965 يبلغ 406 دولارات، فيما كان نظيره في الصين يعادل 110 دولارات فقط.
واليوم (بتثبيت قيمة الدولار)، تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مصر أربعة أضعاف ليصل إلى 1.566 دولاراً، بينما تضاعف نظيره الصيني ثلاثين ضعفاً ليصل إلى 3.583 دولاراً. وبالمثل، كانت إيران وكوريا الجنوبية تحققان نفس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تقريباً في العام 1965. أما الآن، فقد أصبح هذا الرقم في كوريا الجنوبية يعادل 24.000 دولار، بينما يعادل نظيره في إيران 3.000 دولار فقط.
لا يقتصر الأمر على أن اقتصادات الشرق الأوسط منفصلة عن الاقتصاد العالمي فحسب، وإنما هي منفصلة عن بعضها البعض أيضاً. ففي الأماكن الأخرى من العام تبقى الصادرات في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا في داخل هذه المناطق. كما تأتي ثلثا الصادرات إلى أوروبا من أوروبا نفسها أيضاً. أما في الشرق الأوسط، فإن 16% فقط من الصادرات إلى المنطقة بكاملها تأتي من دول شرق أوسطية أخرى.
بينما يركز المراقبون على القضايا السياسية في الشرق الأوسط، فإن الناس في المنطقة منغمسون في المشاغل الاقتصادية. ووفقاً لاستطلاع حديث، فإن سكان قطاع غزة يرغبون بأغلبية ساحقة إحلال الهدوء مع إسرائيل والبحث عن أعمال لهم هناك. وفي استطلاع آخر، ذكر الإيرانيون “توسيع فرص العمل” باعتباره أولويتهم السياسية العليا، ووضعوه في مرتبة أعلى بكثير من “استئناف برنامجنا للتخصيب النووي”.
لكنه في الوقت الذي يأمل فيه أهل غزة في إنهاء حصارهم، ويسعى فيه الإيرانيون إلى وضع نهاية للعقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدهم، فإن أياً من الخطوتين لن تقدم حلاً سحرياً. ذلك أن التوعك الاقتصادي مزمن في المنطقة، حتى في الأماكن التي لا تعاني من الحصارات أو العقوبات.
ينبغي لذلك أن يقلق صانعي السياسات الغربيين. وينبغي أن يدركوا أن التمييز بين المشكلات الاقتصادية والسياسية هو تمييز زائف. فمثل كل مكان آخر، ترتبط الاقتصادات بالسياسات بوشائج يتعذر فصمها. ويشكل التقدم الاقتصادي المفتاح لتخفيف الاضطرابات المزمنة التي تهدد المصالح الأميركية في المنطقة.
عند مستوردي النفط، تقع مشكلة القطاعات العامة المتضخمة في القلب من المشكلات الاقتصادية الاجتماعية. وفي أماكن مثل مصر، حيث يستخدم القطاع العام نحو 30 % من العاملين، عملت حكومات ما بعد الثورة في إطار سعيها إلى إجراء إصلاحات اقتصادية سريعة على المزيد من توسيع القوى العاملة في القطاع العام وزيادة الرواتب. وتعمل الإعانات الحكومية السخية، خاصة في الوقود، على تشجيع الإفراط في الاستهلاك وتفضل الصناعات غير الكفؤة ذات الاعتمادية الكبيرة على الطاقة. وإلى جانب فواتير رواتب القطاع العام الضخم، تقوم هذه الإعانات بإجهاد ماليات الحكومات والضغط عليها، مما ينتج العجوزات التي تزيد من كلفة الديون.
هذه السياسات، إلى جانب العوائق التي توضع أمام تأسيس الأعمال، تقوم بتثبيط نوع نشاط القطاع الخاص الذي يمكن أن يعطي دفعة للتنمية والتوظيف. وعبر كامل أنحاء المنطقة، وفي كثير من الحالات، أصبحت معدلات البطالة –خاصة في أوساط الشباب- أعلى مما كانت عليه عند بداية الانتفاضات العربية، كما أن النمو الاقتصادي أصبح أبطأ كثيراً من أن يتمكن من تغيير هذه الوجهة.
ولا تقتصر هذه المشكلات على مستوردي النفط. فقد حذر صندوق النقد الدولي من أن سنوات الفوائض الهائلة لدى مصدري تشارف على نهايتها، كنتيجة للإنفاق الكثيف والتزايد الكبير في أعداد السكان. وهو ما يجعلهم مكشوفين باطراد أمام احتمال حدوث انخفاضات في أسعار النفط، وهو ما يبدو مرجحاً كثيراً في وقت تظهر فيه مصادر جديدة بديلة على المستوى الدولي.
لكنها تمكن معالجة هذه المشكلات الاقتصادية مع ذلك. فعلى العكس من مشكلات المنطقة السياسة –التي غالباً ما تكون عصية على الحل- فإن الغرب ليس قادراً على المساعدة فقط، وإنما يبدو قادة المنطقة منفتحين على قبول المساعدة أيضاً. ويعرض الأردن مثالاً على ذلك: فوسط فوضى الانتفاضات العربية، طبقت عمان بهدوء إصلاحات اقتصادية قاسية بمساعدة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي.
يحتاج مستوردو النفط إلى استبدال إعانات الوقود المكلفة بمساعدة مستهدفة موجهة للفقراء، وإلى خلق شبكات للأمان الاجتماعي. كما يحتاجون أيضاً إلى التقليل من اعتماديتهم على المساعدات الخارجية، وتخفيض منسوب الفساد، وإجراء تغييرات تنظيمية بهدف تشجيع نمو القطاع الخاص. ويحتاج المصدرون بدورهم إلى تخفيض الإنفاق وإدخال التنويع على اقتصاداتهم. ويحتاج الطرفان إلى تقليص قطاعاتهما العامة وإلى تحديث أنظمتهما التعليمية.
يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن لا يكتفوا فقط بتقديم المشورة حول التغلب على هذه التحديات، وإنما أن يقوموا بتحفيز الحكومات الإقليمية على تبنيها. ويعني ذلك العمل مع الحلفاء الإقليميين الذين يسعون إلى تنويع وتحديث اقتصاداتهم، وتنسيق المساعدات الاقتصادية وتوجيهها إلى التقدم والإصلاح، بما في ذلك اتخاذ الخطوات السياسية الضرورية لإنجاح هذه الإصلاحات.
كما يجب على الولايات المتحدة أن تقوم أيضاً بتعزيز مزيد من التكامل الاقتصادي عن طريق التعاون مع منتجي النفط الأثرياء في خلق الازدهار لدى جيرانهم الأفقر، وعن طريق تزويد دول الشرق الأوسط بوصول أكبر إلى الأسواق الأوروبية، وخاصة أسواق الاتحاد الأوروبي.
عادة ما تواجه النصائح المقدمة للحكومة الأميركية بـ”فعل المزيد” في الخارج بالنقد، بوصفها دعوات متخفية لاستخدام القوة العسكرية. لكن دمج فن إدارة اقتصاد الدول بالدبلوماسية سوف يساعد في توسيع الدور العالمي للولايات المتحدة فيما يتخطى المنطقة الأمنية، وبطريقة تعزز السلام والاستقرار على المدى البعيد.
سوف يكون من السذاجة الاعتقاد بأن التنمية الاقتصادية ستحل كل معضلات الشرق الأوسط الشائكة؛ لكنه سيكون من السذاجة بنفس المقدار الاعتقاد بأنه يمكن حل تلك المعضلات بدون هذه التنمية.

مايكل سينغ – (نيويورك تايمز)

*مدير تنفيذي في المعهد الأميركي لسياسات الشرق الأدنى، ومدير رفيع سابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً