في خضم انشغال العالم عموما، والعالم العربي تحديدا، بأحداث بطولة كأس العالم المثيرة والمقامة حاليا في البرازيل، وكذلك النمو المريب والعجيب للفصيل الإرهابي المعروف باسم «داعش»، أراد التنظيم – وبلغة المونديال – أن يسجل هدفا ملعوبا ومؤثرا، فقام بأسلوب ترويجي وتسويقي بإعادة التمحور لنفسه، وغير اسمه إلى «دولة الخلافة الإسلامية» (وبالتالي لا تحد لنفسها حدودا ولا أرضا ولا جغرافيا محددة الملامح والهوية، كما كان عليه الحال مع اسمها السابق «الدولة الإسلامية في العراق والشام»)، وجرى تنصيب منصب «جديد» يليق مع المساحة الجغرافية المتسعة، ولعبا بالعواطف الجياشة الباحثة عن أي نموذج لبطل!
وأطلق زعيم التنظيم، بالتالي، على نفسه لقب «خليفة المؤمنين»، بدلا من «زعيم التنظيم» أو «أمير الجماعة»، وغير في اسمه، معتمدا اسم أبو بكر (في إشارة لتطابق اسمه مع اسم الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه) وأضاف لاسمه العدناني القرشي الهاشمي لتثبيت انتمائه القبلي لآل البيت ولقريش (إن صدق).
وأعلن كل هذا في أول رمضان (شهر كريم وفضيل يجمع على محبته الكل في العالم الإسلامي، ويعدّونه شهر النصر والبشارات).
واختار «الخليفة» بعد ذلك أن يجعل إطلالته الأولى خطيبا وإماما لصلاة الجمعة (الكل يعرف أهمية وثقل مقام الإمام والخطيب في المنظومة الإسلامية)، وارتدى زيا لافتا شبيها بالزي الذي اعتمده حسن نصر الله، عمامة سوداء وثوبا أسود وجبة سوداء. واستندوا في ذلك إلى حديث للرسول صلى الله عليه وسلم أنه ارتدى ذلك في فتح مكة المكرمة.
طبعا لم يظهر مع «الخليفة» الموكب المدجج بالسلاح والعتاد الذي لحقه، بسيارات مصفحة وسيارات مضادة للإشعاع وقاطعة لكل وسائل الاتصالات وسيارات حراسة مصحوبة بشاحنات مدججة بالمدافع الرشاشة، وهي جميعها لا تتوفر ولا تقدم إلا من مصانع معتمدة ومحددة جدا حول العالم، ولا يحصل عليها إلا حكومات أو أجهزة استخبارات كبرى. وذلك في علامة استفهام عظيمة عمن يمولها ويقدم لها كل هذه المعلومات والدعم اللوجستي والمعلوماتي والعتاد والتمويل؟
مسألة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مريبة جدا! وهو بكل هذا المشهد المدهش يعتقد جازما بأنه تمكن من تسجيل «هدف ذهبي» في الساحة السياسية في المنطقة، وأثار الرعب والقلق والريبة، وأصبح بين ليلة وضحاها مثار التندر والطرائف والنكات، ولكنها أشبه بالكوميديا السوداء المخيفة، إنها حالة «تدعيش» المنطقة.
فاليوم «ينصب» أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين في العراق (حيث الأغلبية الشيعية) بحسب ما يجري ترويجه،إنه توازن الوقت الضائع، توازن الحمم الملتهبة لمستقبل مجهول وغامض في سوريا، القاسم المشترك لعلاقات شائكة جدا ومتداخلة في سوريا ولبنان والعراق. إنه تأكيد على إبقاء المنطقة مشتعلة في الشرق الأوسط وإبقاء السلاح المدمر في قوى دينية متطرفة سنية وشيعية ويهود. إنها الوصفة المناسبة والمطلوبة لإبقاء النار مشتعلة.
المشهد الجديد لـ«داعش» وبطلها كأنه صور في هوليوود، فهناك تحسن في استخدام الإعلام. والخطاب الذي ألقاه خطاب كلاسيكي وتقليدي بمفردات اعتيادية. وأما حرصه على طلب البيعة واتباعه، فإنه لولا أن المسلمين لديهم يقين كامل بلا أدنى شك أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، لظنوا أنه يروج لنفسه بأنه هو النبي الجديد، أو المهدي المنتظر، فهو على غير زعماء تنظيم القاعدة الإرهابي أصبح له «أرض وكيان جغرافي» يسيطر عليه. وبالتالي تجرأ وبصورة كاريكاتيرية على إصدار لوحات سيارات وجوازات سفر عليها «دولة الخلافة الإسلامية».
فنحن فعلا نعيش في زمن المسخ. المشهد لا يزال متواصلا، وكما يقال فإن شر البلية ما يبكي ويضحك!