رام الله / منذ سنوات عدة ترواح المصالحة الوطنية مكانها، وكلما لاح في الافق بصيص أمل لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني المنكوب بالاحتلال ، تتكوم فجأة العديد من الاسباب والمبررات والحجج التي تعيد الامور الى مربعها الاول وتقف حجر عثرة في طريق اتمام المصالحة وسط تبادل للاتهامات بين حركتي “فتح” و”حماس” بالمسؤولية عن تعطيل المصالحة.
وسط هذا المشهد وفيما كانت فلسطين وقضيتها وانقسام شعبها ومؤسساتها تشغل بال العرب انظمة وشعوبا واحزاب، أزهر الربيع العربي في اكثر من عاصمة عربية، غير ان واحدة من هذه العواصم وما شهدته وتشهده من متغيرات بدلت خارطة المشهد السياسي وقلبت الامور فيها رأسا على عقب، باتت اليوم محل انظار طرفي الانقسام الفلسطيني فكل طرف ينتظر ويعيد ترتيب اوراقه وحساباته بأنتظار ما ستؤول اليه الامور في هذا البلد الذي كان ولا يزال يشكل مرجعية للفلسطينيين كل من موقعه وتحالفاته وولاءته.
انها القاهرة ، تلك العاصمة التي لعبت بكل ما تمثله من ثقل على الساحة العربية دورا كبيرا من اجل انجاز المصالحة الفلسطينية وإعادة توحيد الصف الفلسطيني، بيد ان جهودها لم تتوج بالنجاح المطلوب والمأمول لاسباب متعددة كان يسوقها كل طرف لازاحة التهمة عن نفسه وتحميل خصمه المسؤولية عن التعطيل والافشال.
واليوم ها هي أنظار الفلسطينيين تتجه مجددا الى القاهرة التي تترقب اعلان هوية رئيسها الجديد، ذلك لان قناعة راسخة لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني تقول ان مصير المصالحة بات مرتبطا بشكل او بأخر بهوية الرئيس المصري الجديد، وهو ما سيؤدي حسب الكثير من المراقبين هنا الى إعادة تفكيك وتركيب ما تم الاتفاق عليه في جولات الحوار التي احتضنها القاهرة خلال الفترة الماضية.
ولعل ما يعزز هذه القناعة خروج بعض التصريحات التي أنطوت على مثل هذا المعنى والتي دعا اصحابها علانية الى التريث في انجاز المصالحة وتأجيل اعلان حكومة التوافق الوطني التي تم الاتفاق على تشكيلها برئاسة الرئيس محمود عباس الى ما بعد الانتخابات المصرية ومعرفة هوية الرئيس المصري الجديد، غير ان اخرين يرون ان الدور المصري فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية كان وسيظل محصورا بين يدي جهاز المخابرات المصرية الذي يتولى أدارة هذا الملف انطلاقا من رؤية مصرية ترتبط اساسا بمصالح أمنها القومي وبالتالي فأن رهان اي طرف على احداث تغيير في الموقف المصري ارتباطا بهوية الرئيس الجديد هو رهان خاسر بالتأكيد.
وفي هذا الاطار، أكد القيادي في حركة “حماس” الدكتور اسماعيل رضوان أن “لا علاقة للانتخابات المصرية بموضوع المصالحة، فالانتخابات هي شأن مصري داخلي، لكن المصالحة هي خيار استراتيجي للشعب الفلسطيني، ومصر مهتمة بهذا الملف سابقا ولاحقا، ونحن نؤكد انه لن يكون هناك اشكاليات والمصالحة ستبقى في صلب اهتمامات مصر”.
وقال “المطلوب هو الابتعاد عما يؤثر سلبا على جهود المصالحة من التنسيق الامني والاعتقال السياسي، اضافة للابتعاد عن دعوات المفاوضات العبثية”.
وحول احتمالية رفع حماس لسقف مطالبها بشأن المصالحة في حال فوز مرشح جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية المصرية، قال رضوان :”هذا الكلام ليس وارداً بالنسبة لحركة حماس، فهي لا تمارس الابتزاز السياسي .. حماس تقدمت بالمصالحة في كل محطاتها وهي في احسن احوالها، وحرصت على الوحدة وقدمت مرونة وتنازلات، ونحن نرفض مثل هذه الاتهامات والترويج الذي يريد البعض من خلاله الاختفاء وراء استحقاق المصالحة”.
من جانبه، اشاد المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم بـ”الدور الكبير لمصر في رعاية المصالحة قبل الانتخابات”، مؤكدا أنها (مصر) ستواصل هذا الدور.
وأكد برهوم أن حماس “تعول على الدور الريادي لمصر فيما يتعلق بملف المصالحة، ونحن نتمنى أن يبقى هذا الدور بما يضمن ظهيرا مصريا يساعد في توحيد الصف الفلسطيني”، وقال “مصر بشعبها وثورتها وبقيادتها الجديدة ستستمر بدورها في رعاية القضية الفلسطينية وعلى رأسها ملف المصالحة، ولا اعتقد أنها ستتخلى عن دورها الكبير؛ لانها هي من صممت على اسقاط الدكتاتورية لتلبية طموحات مصر والقضية الفلسطينية، ونتمنى ان يستكمل هذا الدور بعد الانتخابات”.
عساف: المصالحة اولوية فلسطينية
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم حركة “فتح” أحمد عساف : “أن المصالحة اولوية فلسطينية ويجب ان تكون في مقدمة اهتمامات اصحاب الشأن، وهم الفلسطينيون المتضررون من هذا الانقسام، خصوصا اهلنا في قطاع غزة”.
وقال “يجب على اصحاب الشأن أن يكونوا معنيين بالمصالحة حتى تتحقق، وهذه المصالحة لن تتحقق حتى يكون هناك ارادة لدى حركة حماس بأنجازها والتوجه للانتخابات كي يقول الشعب الفلسطيني الكلمة الفصل”.
وأوضح عساف “أن أي تأثيرات خارجية ايجابية على محادثات واجواء المصالحة سنتبناها ونعمل من خلالها، اما اذا كانت سلبية فسوف نرفضها ولن نرضخ لها، وهي بالتالي ستكون عاملا لا يصب في مصلحة الجهود المبذولة لطي صفحة الانقسام”.
وتطرق الى “ما اظهره القيادي في حركة حماس محمود الزهار مؤخرا في تصريحه الذي دعا حماس فيه الى التريث في المصالحة حتى تظهر نتائج الانتخابات المصرية”، مشيرا الى ان تصريح الزهار مؤشر على نية حماس لفرض شروطها.
وتساءل عساف: “ماذا يقصد الزهار من ذلك؟؟ هو يريد أن يضع شروط جديدة ويرفع سقف مطالبه”، وقال “يجب الابتعاد عن المصالح الحزبية عند الحديث عن المصالحة والنظر الى مصلحة الشعب الفلسطيني واذا تم اي تنازل من اي طرف فهو يعني تنازل لمصلحة الوطن”.
الغول: فوز “الاخوان” سيدفع حماس الى إعادة ترتيب شروطها
من ناحيته، رأى عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية كايد الغول أن “امر المصالحة يرتبط بالارادة الفلسطينية، واي تدخل خارجي يعتبر عاملاً مساعداً ولن يكون ذو تأثير كبير، وان اي تدخل عربي خارجي لن يكتب له النجاح اذا لم يتوافر معه الارادة الفلسطينية لانجاز المصالحة”.
وأشار الغول الى أنه ” في حال فوز الاخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة المصرية فان هذا سيريح “حماس” وحكومتها ولن يجعلها تحت الضغط الذي كان يمارس عليها من قبل، فربما تجد حماس أن هذه الاجواء المريحة تعطيها الفرصة للتمسك ببعض المطالب التي كانت تضطر في السابق للتنازل عنها تحت الضغط”، مضيفاً “الفوز على الارجح سيدفع حماس الى إعادة ترتيب شروطها في اطار الحوار من اجل ان تمارس هي الضغط لما تعتقد انه يحقق لها مكاسب سياسية”.
وقال القيادي في الجبهة الشعبية أن فوز الاخوان المسلمين سيؤدي الى تخفيف الحصار عن القطاع ، خصوصا لجهة تسهيل الاجراءات على معبر رفح فقط ليس الا، ذلك لان الحصار المفروض على على غزة هو حصار دولي واسرائيلي”.
وحذر الغول “من الوقوع في فخ الاحتلال الذي يرمي لدفع قطاع غزة لعلاقة كاملة مع مصر وهو مخطط يتبناه ويسعى اليه وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان بهدف أخلاء اي مسؤولية للاحتلال عن قطاع غزة ، وهنا علينا الانتباه والعمل لإبقاء مسؤولية الاحتلال كونه يحتل الاراضي الفلسطينية والتي من ضمنها قطاع غزة”.
“ابو ليلى”: نتائج الانتخابات المصرية لن تؤثر على المصالحة
وفي الاطار ذاته، توقع عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ، النائب قيس عبد الكريم “ابو ليلى” أن “لا يُحدث الموقف المصري الجديد في مرحلة ما بعد الانتخابات أي تغيرات جوهرية على الموقف من القضية الفلسطينية، ذلك لان مصر تتعامل مع هذا الامر من منطلق امنها القومي وهي قضية تتجاوز التباينات بين القوى والاحزاب المصرية”.
وقال أن “الرهانات الخاطئة على الانتخابات المصرية هي ما يمكن ان يؤثر سلبا على المصالحة، ما يدفع البعض الى التلكؤ لإنجاز تطبيقها”.
واضاف: “اطلعت على تصريحات قادة حماس ودعواتهم لانتظار ما ستؤول اليه نتائج الانتخابات المصرية ، وهو ما يترتب عليه تلكؤ وانتظار لما يمكن أن تسفر عنه الاوضاع الجديدة في مصر، وهذا الموقف مبني على حسابات خاطئة، فنحن نراهن بشكل كبير على جهود المصالحة والوحدة”.
وتابع ” نحن الان في مرحلة حرجة جدا من مسيرة المصالحة وهي مرحلة التشاور من اجل تشكيل حكومة اانتقالية، وكلي أمل أن لا يتم طرح مطالب وشروط جديدة تعرقل المصالحة”.
واشار عبد الكريم إلى “أن جماعة الاخوان المسلمين المصرية كانت اعلنت احترامها لكل الاتفاقيات الدولية الموقعة، وهناك اتفاقات وتفاهمات قائمة ملزمة لاي حكومة مصرية، وفوزهم في الانتخابات ربما سيدخل تحسينات على ألية عمل معبر رفح لكنه لن يرفع الحصار المفروض على قطاع غزة “.
عوكل : فوز الاخوان المسلمين سيسهل فصل غزة عن الضفة
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن “تأثير الانتخابات المصرية على المصالحة الوطنية اصبح شيء ملموس ومرجح، لان فوز الاخوان المسلمين في هذه الانتخابات سيؤدي الى انفراج واسع بالنسبة لقطاع غزة وحركة حماس ، وهو ما سيؤدي عمليا الى احساس حماس بأنها وبعد 5 سنوات من الحصار باتت تحقق انجازات، وهذا يجعل قيادة الحركة تعيد ترتيب اولوياتها وتؤجل وتماطل ، وربما لا تسعى من أجل المصالحة”.
واضاف ” في هذه الحالة ستشعر حماس بأنها اقوى وموازين القوى بيدها خاصة وأن مصر تساندها وتدعمها، فكيف لحماس ان تقبل بمصالحة وقِعَت قبل سنتين في عهد النظام السابق”.
وتابع “لا اعتقد بوجود خطوات جدية من اجل انجاز المصالحة، والاثار الايجابية لفوز الاخوان المسلمين على الفلسطينيين لن تظهر بشكل سريع وهي تحتاج لبعض الوقت، ونتائجها البعيدة ستؤثر على المصالحة، فلا يوجد حاليا أية فرصة قريبة للمصالحة فهي اصبحت في حكم المؤجل، واذا تم الاتفاق على تشكيلة حكومة التوافق الوطني واجراء الانتخابات فهذا ليس مؤشرا على انه قد تم انجاز المصالحة”.
واستطرد قائلا ” في السابق كان ميزان القوى متعادلا نوعا ما بين فتح وحماس، لكن حماس بعد فوز الاخوان سترتفع آفاق نجاحها واستمرارها وهي تحظى بدعم مصري وعربي كون الاخوان منتشرين في كل مكان، وبالتالي ستشعر أن هذه المرحلة مرحلتها فلماذا تقبل بصغائر الامور، وستبقى المصالحة تراوح في مكانها”.
وحذر من “ان تطورات الوضع المصري في حال تأكيد فوز الاخوان المسلمين سيؤدي الى تسهيل فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وهذا ما بات متوقعا الآن؛ لأن مصر ستفتح الابواب امام قطاع غزة وحماس، تجاريا وسياسيا وبالتالي وقف اعتمادها على الضفة”.
الزبيدي: حماس مسلحة الان بمستوى جديد من الذخيرة السياسية
ويف ذات السياق، قال استاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور باسم الزبيدي أن “الانتخابات المصرية ونتائجها مهمة لانها انبثقت من سياق ثورة ، ومصر تاريخيا لها تأثير على الحالة الفلسطينية، ودورها كبير ومهم، وفي حال فاز الاخوان المسلمين فهذا يعني انعكاس الاحوال في مصر على فلسطين، والتأثير الايجابي سيقع على حماس، ولن يكون مفاجئاً وجود ترتيب وانسجام بين حماس والحكومة المصرية الجديدة”.
وأشار الزبيدي إلى أن “التأثير المباشر والاساسي يكمن في أن حماس لن تكون في عجلة من امرها لتقديم تنازلات او درجة من اللين دون اي مقابل”، وقال “من المرجح أن تبقى حماس متمسكة بأوراق اللعبة لكي تتمكن من فرض ما تريد وأجبار الطرف الاخر المتمثل بالرئيس محمود عباس وحركة فتح على التعاطي مع مطالبها”.
واضاف “حماس الان مسلحة بمستوى جديد من الذخيرة السياسية التي ستستخدمها في التفاوض مع الرئيس محمود عباس وحركة فتح “، متسائلاً ” هل يمكن للطرفين ان يلتقيا في مثل هذه الظروف؟ وما مدى قدرة الرئيس عباس وحركة فتح على الاستجابة لشروط ومطالب حماس، كما ان هذا الامر مرتبط ايضا بكيفية النظرة الاسرائيلية إليه”.
وتابع ” المعادلة شديدة التعقيد، وبالمجمل نحن في مرحلة جديدة يجب أن يتم النظر لحماس فيها بشكل مختلف عن السابق، حيث يصعب اغراؤها بشيء قليل ولن ترضى بالفتات، وستترجم ذلك لصالحها ومن المحتمل ان تطلب ضمانات، ولن تتنازل كما في السابق”.
المصدر صحيفة القدس.