ليس معروفا بالضبط حقيقة أو خلفية تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أيام قليلة حول طلبه من قياداته الفتحاوية الاستعداد والتحضير للكونفدرالية مع الأردن. والملاحظ أنّ دعوة محمود عباس هذه جاءت عقب اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب في الجمعية، بما يعني دوليا دولة غير مكتملة العضوية أي مجرد مستمع لا يحق لها التصويت أو المشاركة في أي قرار للجمعية. وحسب ما نقلت أكثر من وسيلة إعلامية وإخبارية أنّ اجتماع عباس كان مع سبع قيادات فتحاوية طلب منها تحضير أنفسهم لمرحلة وشيكة قد تتضمن الانتقال السريع لمشروع التوافق الكونفدرالي مع الدولة الأردنية، مشيرا إلى أنّ هذا المشروع يسير بقوة حسب تعبيره، وقد ربط بعض المراقبين هذا الطرح العباسي وزيارة العاهل الأردني لرام الله في السادس من ديسمبر 2012 .وقد توالت بعد ذلك توضيحات موظفي مكتب عباس من نفي إلى تأجيل طرح الموضوع إلى اجتهادات متباينة متناقضة. فكيف يمكن النظر إلى موضوع هذه الكونفدرالية من خلال الحرص على مصلحة الشعبين الفلسطيني والأردني اللذين ترابطا وتداخلا بشكل نسيجي مجتمعي من النادر وجوده بين شعبين عربيين آخرين.ورغم ذلك فالموضوع يحتوي على تنويعات متعددة فيها العديد من وجهات النظر المتناقضة.
الكونفدرالية تكون بين دولتين مستقلتين
أعتقد انّه لا يمكن الحديث عن كونفدرالية أو فدرالية في الوقت الحالي، لأنّ الكونفدرالية أو الفيدرالية تكون بين دولتين مستقلتين ذات سيادة كاملة ويتمتعان بعضوية في كافة المحافل الدولية، وهذه المواصفات تنطبق على الأردن (المملكة الأردنية الهاشمية)، ولا تنطبق على ما يسمّى الآن لدى غالبية دول العالم شكليا (دولة مراقب) وهي صفة اكتسبتها الأراضي الفلسطينية قبل أسابيع فقط دون تحديد حدود واضحة لهذه الدولة العضو المراقب فقط، وبالتالي فإنّ هذا الوضع الخاص بالأراضي الفلسطينية يحول دون دراسة موضوع الكونفدرالية مع الأردن حتى ولو كان مجرد دراسة نظرية، وبالتالي فأعتقد أنّ طرح الفكرة من الرئيس محمود عباس كان ارتجاليا دون دراسة مسبقة، وهذا الوضع الارتجالي ينطبق على العديد من ممارسات وتوجهات السلطة الفلسطينية،لأنّ الضفة الغربية ذاتها ليست تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، حيث يتجول جيش الاحتلال الإسرائيلي فيها بحرية كاملة ليلا ونهارا، يعتقل ويقتل ويسجن ويهدم ويغتال دون أي رد فعل من السطة سوى بيانات الاستنكار أحيانا وليس دائما. وكذلك فإنّ المستوطنات الإسرائيلية تقطّع أوصال الضفة الغربية وتستولي على نسبة كبيرة منها خاصة المشروع الاستيطاني الجديد الذي أقرّه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بإسم ( إي ون) على أراضي القدس الشرقية حيث يقطع هذا المشروع أي تواصل جغرافي بين أراضي الضفة الغربية، ويقضي بذلك على أي حلم أو أمل بدولة فلسطينية مترابطة الأطراف، وبالتالي فعضوية دولة مراقب التي فرح لها الفلسطينيون ستظل مجرد ديكور شكلي وقرار وهمي كغيره من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لم يحترمها الاحتلال ولم ينفذ أي قرار منها منذ عام 1948 . والنتيجة التي يجب الإقرار بها صراحة هي أنّ مشروع هذه الكونفدرالية مع المملكة الأردنية الهاشمية لا يستند إلى أية امكانيات ووقائع ميدانية وبالتالي فهو مجرد لغو وفرضيات نظرية.
كونفدرالية الأردن مع الضفة أم القطاع؟
وضمن الوضع الفلسطيني السائد منذ يناير 2007 أي قبل قرابة سبع سنوات، حيث الانقسام الفلسطيني الذي أعقب انقلاب حماس العسكري وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة وممارستها تطهيرا فتحاويا في القطاع، وممارسة فتح تطهيرا حمساويا في الضفة،فالسؤال المنطقي المطروح هو: أية كونفدرالية يعنيها محمود عباس؟ هل هي بين الأردن والضفة أم بين الأردن والضفة والقطاع؟. وهل يمكن تحقيق ذلك إذا كان الفلسطينيون أنفسهم لم يستطيعوا طوال سبع سنوات تحقيق الوحدة بين الضفة والقطاع؟. هذه الوحدة التي تبدو استنادا للمعطيات القائمة بين فتح وحماس أنّها مستحيلة، فتنظيمان فلسطينيان بينهما من الحروب والخلافات ما لايقل عمّا بين كل منهما والاحتلال الإسرائيلي، ولم يتمكنا من تحقيق المصالحة رغم ما لايقل عن خمسة اتفاقيات في العديد من العواصم العربية، غير مؤهلين لأية كونفدرالية مع الأردن أو غيره، يضاف لذلك عدم التواصل الجغرافي بين القطاع والضفة و أيضا بين القطاع والأردن، مما يضيف استحالة جديدة لهذه الكونفدرالية النظرية حتى الآن.
وماذا عن حق العودة ولاجئي الشتات؟
ومن ضمن التفاصيل التي تدعم فكرة رفض هذه الكونفدرالية ضمن الأوضاع الفلسطينية التي سبق توضيحها، إنّ هذه الكونفدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل حدود 1967 تعني عمليا إلغاء حق العودة الذي أساسا لا يعترف به الاحتلال الإسرائيلي ويقاومه بكل السبل، وكنتيجة منطقية ستعطي هذه الكونفدرالية المزعومة الحق لكل لاجئي الشتات والمنافي الفلسطينيين أن يستقروا في أراضي هذه الكونفدرالية، مما يعني عمليا نتيجة نسبة السكان قيام فعلي لما يطلق عليه منظرو اليمين الإسرائيلي المتطرف:
الوطن البديل
وهو الفكرة أو الوطن المرفوض فلسطينيا وأردنيا عن قناعة كاملة من الشعبين، لأنّه استنساخ للفكرة التي أقيمت عليها دولة إسرائيل، حيث قامت هذه الدولة على أراض تاريخية للشعب الفلسطيني يقيم فيها وعليها منذ ألاف السنين، وبالتالي فلن يقبل أن يتمّ استنساخ هذه الفكرة الدخيلة على أراضي الأردن والشعب الأردني. إنّ الفرصة الوحيدة لمعقولية فكرة هذه الكونفدرالية أو الفيدرالية هي قيام دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، واستفتاء الشعب الفلسطيني حولها وقبوله بها، واعتراف الأمم المتحدة بعضوية كاملة لهذه الدولة، ثم استفتاء الشعبين الفلسطيني والأردني على هذه الكونفدرالية أو الفيدرالية شرط أن يوافق عليها الشعبان بأغلبية مطلقة، ودون ذلك فهي فكرة في رأيي مرفوضة ولا منطقية لها، وتبقى مجرد تهريج إعلامي مرفوضة من الشعبين الأردني والفلسطيني وغالبية قواهما السياسية.
ايلاف .