المعارك الجانبية أدوات تفتعل غالبا إبعاد أصحاب القضايا عن معركتهم الرئيسية، يعمل عليها بصمت وتصنع في اروقة مراكز البحث والتفكير لتأهيل وصنع ما يعرف بالقادة الجدد تبعاً لمرحلة جديدة تكون قيد التحضير وتدار من غرف الاستخبارات والمخابرات الدولية، لتشتيت الجهد وصرف الانتباه.
تبدأ عملية التدوير هذه عادة، عبر وسائل الإعلام ذات التأثير والانتشار الواسع، يتبعها جيش من المحللين، وأخطر ما فيها القفز عن الرمزية القائمة ومحاولة شطبها تارة بالتخوين واخرى بالتكفير، مع التركيز على خطاب شعبوي عاطفي.
منذ السابع من أكتوبر 2023 والذي إذا وضع في سياقه الطبيعي فإنه مرحلة من النضال الفلسطيني وجه ضربة موجعة للكيان ونظرية الردع، لكن محاولة أصحابه استغلاله لشطب النضال الفلسطيني على مدار عقود وتصوير أن تاريخ النضال الفلسطيني بدأ يومه هي محاولة لشطب الرمزية الفلسطينية، كما هو نهج الاخوان المسلمين فرع فلسطين دوما بدءاً من الاستهزاء بالمناسبات الوطنية مرورا بمنع الاحتفال بذكرى أبو عمار، وليس انتهاء بتخوين الحركة الوطنية الفلسطينية ومحاولات إيجاد بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية.
تحاول حركة حماس عبر جيشها المنتشر في الفضاء الالكتروني وبدعم من الأم الاخوان المسلمين، أن تشطب الرمزية الفلسطينية بكل مكوناتها لصالح نهج الإخوان.
حتى الأسرى المحررين الذين تتغنى حماس بتحريرهم ولسنا هنا بموقع الحديث عن التكاليف وفواتير الدم والخراب وما تعرض له وما زال اهلنا بغزة ، وتقيم هذه المغامرة السياسية، لكن حتى هؤلاء الأسرى لم يسلموا من الشيطنة لمجرد حديث في مقابلة صحفية في محاولة شطب رمزية الأسير إن اختلف معهم فكرياً وسياسياً. حتى لو كان عميد الأسرى الفلسطينيين محمد الطوس على خلفية قوله،” إنه لو عرف الثمن الذي سيدفعه من أجل حريته لكان رفضه”، فرغم أنه بذلك كان يعلن التضحية بحريته قولًا وفعلاً ويظل مخلصًا لذاته وللهدف الذي ضحى من أجله هو وكل الأسرى.
مؤسف جدًا هذا السباب والإسفاف والاستخفاف الذي يتعرض له شخص قضى 40 عامًا، وقبلها عامين في سجون الاحتلال من أجل فلسطين، وكان رمزًا نضاليًا معروفًا داخل السجن.
فقد كان الطوس المعلم والأب الأول لكل الأسرى الأطفال، وكان بمثابة المدرس والمشرف على كل أسير طفل داخل السجون. ومن المعيب جدًا الإساءة إلى الرمزيات المقدسة لشعبنا، خصوصًا الشهادة والأسر، أمر محزن جدًا ما نراه.
لقد كشف السابع من أكتوبر وما تلاه عمق الانقسام الفلسطيني وتجذره لدى حركة حماس وقادتها وكمية الفكر الذي زرعته وما زالت في عقول انصارها، وخطورته التي تهدد المجتمع الفلسطيني.
اليوم نتجادل ونختلف في سرديتنا الداخلية، ويتبارى أشباه محللين وكتاب وحتى صحفيين في النقاش حول النصر والهزيمة، حول من يمتلك الشرعية، ومن سيكون الحاكم على ركام ودم غزة، كل هذه المعارك الجانبية تخاض بأسلوب عنيف يصل حد الارهاب الفكري ولربما التهديد الجسدي ضد بعضنا، بينما الاحتلال يستغل كل ذلك ، بخطاب مختلف بكل اللغات للعالم يسوق روايته ، ويخنق الضفة بحواجز وبوابات حديدية أصبحت معها مدننا وبلداتنا التي تواجه ذات العدوان جزر متناثرة لدرجة لم تمكن الأسير المحرر الانتقال من رام الله إلى محافظته، فيما يبقى السؤال من يفتعل هذه المعارك ومن المستفيد وتبقى الإجابة كفى يجب انهاء المعارك الجانبية ومحاولة خلق رمزية جديدة في وقت يتحدث فيه ترامب صراحة عن التهجير، وغزة تحت الردم والقتل والدمار ، الضفة يتوعدها الدور.
كل ذلك يدعو للسؤال على ماذا نختلف، على ماذا نراهن غير وحدتنا ومصلحتنا كفلسطينيين، في وقت باتت فيه مواقف الدول تباع وتشترى بعيداً عن تصوير الامر وكأنه خلاف تحليلي عن انتصار أو هزيمة؟ من يمثل ومن يمتلك الشرعية؟ على بقايا أرض تنهشها المستوطنات؟ هل كل ما يحدث لا يهز جفن ويلزم بمراجعة كافة السياسات والارتهان على دول أو محاور؟ الم يكفي ما حدث بغزة وما سيحدث بالضفة لنكن لمرة واحدة نصنع تاريخنا بأيدينا لنتحاور معاً نحو وحدتنا فهي قوتنا، لم يبقى شيء نختلف حوله، هل من دعوة وإرادة صادقة لطي صفحات الماضي، ونبدأ يداً بيد بعيداًعن المناكفات الحزبية، فلسطين وإن كانت مثخنة تتسع للجميع وبلسم جراحها شيئا من الخجل والانتصار لدم الشهداء.