“طولكرم تغرق” – بهذه العبارة وصفت تلفزيونات طولكرم المحلية الوضع المتردي في المدينة نتيجة للمنخفضات الجوية والأعاصير التي ضربتها بقسوة الخير الذي طال انتظاره ليأتي ويغرق الطرقات ويغلقها في وجه المواطنين مما أدى الى حصار الكثير منهم ومنعهم من الوصول الى منازلهم وأدت الى حالة من النكبة التي من خلالها تم مناشدة الأهالي واستنفار أجهزة الدفاع المدني والشرطة والبلدية وغيرهم ، وأدت أيضا الى كشف عورة بنيتنا التحتية ومدى افتقارها الى ابسط الأسس ومعايير السلامة والأمان وما يحتاج معه الى مساءلة ومراجعة لكل المسئولين ذوي العلاقة في تضخيم نتائج الطقس السيئة على المدينة.
وفي نفس الوقت ومع استمرار الأحوال الجوية المرعبة وتعطيل كافة مرافق الحياة ومع حصار الأهالي داخل منازلهم وتلهفهم لمعرفة ما يحصل خارجا ومع تعطل أجهزة استقبال الأقمار الصناعية في معظم ساعات اليوم تأتينا محطاتنا المحلية صباحا بمسلسلات تركية فيها الكثير من مقاطع مثيرة ومخلة بالآداب وعلى رأسها مسلسل “عودة مهند ” الذي يحتوي على مشاهد خادشة للحياء بإباحيتها وعريها ، وهذا يشمل كافة المحطات مما يثير التساؤلات عن مدى التصميم على عرض تلك المسلسلات ، وما هو الحدث الرهيب الذي لا يمنع عرضها أثناء الكوارث وخاصة الطبيعية منها ؟
ان ما يأتي من هذه المسلسلات يتنافى مع أخلاقنا وتعاليم ديننا وهي غير مقبولة لنا وهذا واضح في محاولة المحطات قطع مثل هذه المناظر أثناء عرض المسلسل دون جدوى ، والعتب على إعلامنا المحلي الذي كان مصدرنا الوحيد للمعلومات في الوقت الذي أعلنت فيه المدينة أنها منطقة منكوبة ولم نعرف ذلك الا بعد وقت طويل حيث ظهر حجم الدمار الهائل وآثاره على كل شيء من إنسان وحيوان وجماد .
ان هذه المسلسلات وغيرها من البرامج الشبيهة موجهة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية على وجه الخصوص لإحداث تغيير جذري على أنماط تفكيرنا وتقاليدنا نستبدل بها ثقافة الحب وتبادل القبلات العلني واللباس غير المحتشم والشفاف والذي يأتينا كموديل نرتديه دون تفكير وذلك كي تجردنا من الغيرة على عرضنا وعلى قدسية وطهارة واقعنا الذي يحرم البغاء والعهر والعلاقات الغير بريئة بين الرجل والمرأة.
ان محاولات الإقناع التي تمليها هذه البرامج بأهمية الحرية في العلاقات وحرية المرأة وتحريرها من عبودية الواقع العربي لمجاراة الدول الأخرى التي تطهرت وثارت على واقعها لا يجب ان تمر علينا بهذه البساطة لنعرضها فقط من اجل إسعاد المواطنين وإلهائهم برؤية العالم التركي المتحرر الساحر .
في نفس الوقت تقريبا وغالبا ما تشاهد المسلسل التركي مهما كان اسمه على ثلاث محطات محلية على الأقل ومنها ما وصل الى عدة أجزاء بمئات الحلقات يشاهدها ويقضي معظم وقته معها الكثيرون من أبناء شعبنا تبرز فيها قوة ومتانة زيدان وجمال ورقة مهند . والغريب في الأمر أيضا انه وعند قيام أحداها بقطع الحلقة لفاصل إعلاني ترى المحطات الأخرى تتبعها في ذلك لا ندري لذلك سببا او عبرة – اهو غيرة او اتفاق او منافسة !!!
كثيرة هي الأمور التي تبعدنا وتلهينا عن واقعنا ومسلسل حياتنا ، ففي هذا الوقت بالذات وإضافة لأحوال الطقس المتهورة والفيضانات التي تغمر مختلف أرجاء الضفة الغربية ، فالرواتب مقطوعة ودولتنا الفتية على شفا الإفلاس ، والمستوطنون يشنون علينا حربا ضروس، وحائط البراق آيل للسقوط والانهيار ، والأفق السياسي مسدود ، والعرب يتواطئون مع أمريكا وإسرائيل لإكمال حصارنا وتدمير مقدراتنا ، وأوضاع أسرانا مزرية وخطيرة ، وأهلنا في مخيمات سوريا يذبحون ، وغير ذلك الكثير ، ومع ذلك نشيد بالدولة التركية وبأبطالها ونقضي جل وقتنا نتابع مسلسلاتهم مهما كان الهدف منها ومهما كانت رسالتها والتي لا تكون في الغالب لمصلحتنا أبدا.
ان على مؤسساتنا الإعلامية ان تتحمل مسئولياتها والقيام بدورها الوطني في كل الأوقات وفي كل الظروف لأننا لا نعيش في رخاء تام تقطعه بعض المنغصات من آن لآخر ، فالعكس هو الصحيح ووضعنا صعب للغاية وطريقنا للحرية يحتاج الكثير لتصويبه وتمهيده
ان تعريف وإشراك كافة المواطنين بالواقع والتحديات التي يعيشها الآن هي مهمة وطنية وهي إحدى أسس وأركان قيام المشروع الوطني الذي يعتمد على الطاقات البشرية والكوادر الواعية من الشباب والتي يجب ان تكون جاهزة للتعامل مع ما تقتضيه الظروف والأحوال القادمة والتي في ظاهرها لا تبشر بالخير الكثير. ان صعوبات الحاضر توحي بوقوع انفجار قريب الحدوث ولكن لا يعرف ماهيته ولا بوجه من سينطلق . ولهذا يأتي دور الإعلام ووسائل البث الإذاعي المرئي و المسموع لتقوم بدورها الوطني .
ان اللحظات العصيبة التي تمر على مدينة طولكرم والتي لم نشهد لها مثيلا منذ حوالي ستين عاما هي نكبة بمعنى الكلمة تحتاج منا الى تضافر كافة الجهود والتكاتف والوحدة والمشاركة من الجميع يقودهم من ينقل الصورة لهم ويسلط الضوء على همومهم ومشاكلهم ويشاركهم مسيرتهم ويظهر لهم أهمية الإعلام الصادق المتطور المرن لان الإعلام الصديق بائس ضعيف تحكمه أمريكا وإسرائيل التي استطاعت تحريف الوقائع التي تقوم بها ضدنا امام العالم ورغم الانتصارات القليلة التي نحظى بها من حين لآخر الا ان إعلامهم نجح في إضفاء الشرعية على احتلالهم بالصمت والقبول الدولي .
ان المطلوب من إعلامنا ان يرقى وان يبقى على مستوى الحدث الذي يتجدد ويتلاحق بسرعة يصعب مجاراتها في غالب الأحيان
ان المسلسلات التركية وغيرها من الأفلام والبرامج الخبيثة ذات المحتوى المشبوه والأهداف التخريبية التدميرية لن تعطينا الثقافة الموعودة ولن تكون بديلا عن ثقافتنا الوطنية لان واقعنا يفرض علينا الحرص الشديد على مقدرات شعبنا وتراثه ومستقبله والحفاظ على الثورة ومسيرة النضال والكفاح .
ان الثقافة التي نحملها أسمى بكثير مما يحاولون بنا الوصول إليه وان محاولاتهم باءت بالفشل سابقا وستبوء به آجلا مهما فعلوا ومهما جربوا من أساليب لأننا نحمل ثقافة الحق وثقافة العهد حتى الحرية والدولة.