أياً تكن الروايات المتضاربة حول نشأة تنظيم “داعش” الإرهابي ومن يقف وراءه والداعمين له ومصادر تمويله، فإن الشيء المؤكد أنه سيبقى أسوأ إنتاج للحضارة البشرية على مر العصور والأزمان . إذ لا يوجد في الذاكرة البشرية من حاول استغلال الدين على هذا النحو البشع لتبرير جرائمه، بدءاً من عهد قابيل وهابيل مروراً بنيرون سفاح روما وحتى هتلر وموسوليني أو ستالين في القرن العشرين .
وسواء كان ذلك التنظيم إنتاجاً محلياً أم مؤامرة خارجية، ومهما حاول تجميل نفسه أو الظهور بمظهر حضاري بعرض الحوار والتفاوض مع الغرب من خلال نشره شريط فيديو للصحفي البريطاني المختطف جون كانتلي، فإن صورة الجرائم البشعة التي ارتكبها من عمليات الإعدام والذبح واستهداف المدنيين وقتل النساء والأطفال والشيوخ ورجال الدين وتهجير الأقليات، إلى فرض الجزية على الطوائف الأخرى، وإقامة الحد والجلد ورجم النساء في الشوارع، لا يمكن محوها من الذاكرة البشرية .
لا شك في أن “داعش” الذي أريد توظيفه في نشر ما يسمى “الفوضى الخلاقة” في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفق ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، أو حتى في إسقاط النظام السوري حسب ما كانت تخطط له قوى اقليمية ودولية، أصبح خارج السيطرة بعد أن انفلت من عقاله، وانتشر كالوباء، وبات يشكل تهديداً عالمياً ينبغي بالتأكيد مواجهته واستئصاله بكل السبل والوسائل المتاحة .
ومع اقتراب الحسم العسكري وتشكيل التحالف الدولي بقيادة أمريكية، وإنهاء الإجراءات التمهيدية، سواء كانت تشريعية أو لوجستية لبعض الدول المشاركة، ومنها اعطاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الضوء الأخضر لادارة أوباما لتسليح المعارضة السورية، وإقرار خطة “البنتاغون” لضرب مواقع “داعش” في سوريا، إلى جانب بيان مجلس الأمن الداعم للعراق في حربه ضد التنظيم الإرهابي، وانضمام فرنسا فعلياً للمشاركة في عمليات القصف، بات مسرح العمليات مهيأ للجميع، فيما بدأت ترتسم في الأفق ملامح صورة أكثر قتامة وتعقيداً للمنطقة التي يخيم عليها شبح التقسيم، ونذر مواجهة اقليمية لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها .
فتنظيم “داعش” ورغم محاولته الاستباقية باجتياح عشرات القرى الكردية في شمال شرق سوريا، إلا أنه فعلياً بدأ ينكفئ ويخلي مواقعه ومستودعاته في المناطق الاخرى الى داخل المدن والتجمعات السكانية استعداداً لحرب عصابات، ما يعني من الآن أخذ هؤلاء السكان المدنيين رهائن، وتعريضهم لأخطار هائلة جراء عمليات القصف والتدمير .
الأخطر من ذلك هو دخول العامل الإسرائيلي على الخط، مع تجدد الحديث عن آلية تنسيق أمريكية – إسرائيلية كان قد جرى الاتفاق حولها بين الجانبين أثناء أزمة السلاح الكيماوي السوري خلال العام الماضي . وتقضي هذه الآلية، وفق ما نقلته صحيفة “ديفنس نيوز” الامريكية عن مسؤولين إسرائيليين بتنسيق طلعات أمريكية – إسرائيلية في وقت واحد ومتزامن في الاجواء السورية . وان صح هذا الكلام الذي يأتي مشفوعاً بإعلان بنيامين نتنياهو تأييده للتحالف الدولي ضد “داعش” في ظل خلافات مع روسيا والنظام السوري حول حدود التدخل الدولي وآليات عمله، فقد بات يخشى أن المنطقة ذاهبة باتجاه حريق كبير قد يحتاج الى أكثر من تحالف دولي لإطفائه .