يتساءل المواطن الفلسطيني والعربي لماذا لا يطبق القانون الدولي على “اسرائيل ” التي ترتكب حرب ابادة جماعية واضحة الأركان ضد الابرياء في قطاع غزة، ولماذا تتوارى السياسة الخارجية للعديد من البلدان ولا تحرك ساكناً تجاه دولة الاحتلال؟ هل الخلل في قدرة القيادة الفلسطينية ومن ورائها الدول العربية الصديقة في التأثير لإحداث التغيير.
الإجابة على هذا الكم من الأسئلة والتساؤلات المريرة، يتطلب اعادة النظر في المنظمومة القانونية الدولية التي بنيت على أساس التفوق العرقي والعنصرية في السياسة الدولية رغم ان العديد من علماء العلاقات الدولية تجاهلوا طويلاً الدور المحتمل للعرق في تشكيل الشؤون الدولية المعاصرة، حيث أن الهرمية في العلاقات الدولية ذات تأثير واضح في رسم السياسات الدولية، فإن الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا ترى بأن الشعب الفلسطيني مختلف وبالتالي فهي تناصر القريب منها بالعرق “اسرائيل”، “فالهرمية العرقية” في العلاقات الدولية، تُصنف الدول والمجتمعات بناءً على معايير عرقية، مما يؤدي إلى نظام عالمي يُعزز التفوق والتبعية ما يؤثر على مجالات عدة من السياسة الدولية، بما في ذلك القانون الدولي، والسياسة الخارجية، وتفاعل الدول مع مختلف القضايا الملحة.
تلك المنظومة تقوم على تصوريين، الاول: يُنظر إلى الدول ذات الأغلبية غير البيضاء على أنها ناقصة بطرق معينة، مما يُبرر التدخلات الدولية والمعايير القانونية المتحيزة التي تعكس وتعزز الهرمية العرقية، والعدوانية المُتصورة: يُنظر إلى هذه الدول على أنها تشكل تهديدًا بطبيعتها، مما يؤثر على كيفية تقييم الدول الأخرى للأمن والتهديدات وتشكيل سياساتها الخارجية استجابةً لهذه التصورات، فالعرق كمعيار يشكل بشكل غير مباشر الطريقة التي يتم بها صياغة القوانين والاتفاقيات الدولية وكذلك طريقة تنفيذها ومراقبتها، مما يعكس ويعزز الهياكل العرقية القائمة، ولنأخذ مثلا المحكمة الجنائية الدولية (ICC) منذ تأسيسها بموجب نظام روما في عام 1998، بسبب تركيزها العقابي بشكل روتيني على الأفارقة، لغاية الآن، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لوائح اتهام ضد 42 فردًا، جميعهم من الأفارقة السود و/أو العرب، ومذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال و “نقلهم بصورة غير القانونية”، وعلى الرئيس الصربي السابق رادوفان كاراديتش بالسجن مدى الحياة، بتهمة الجرائم التي ارتكبت بعد سقوط سربرنيتشا في تموز / يوليو 1995، وكلاهما ايضا من العرق الاخر ولدواعي سياسية ،وأن تركيز المحكمة الضيق على الأفارقة يعكس نوعًا من النقص المُتصور تجاه “الآخر” العرقي، مما يُبرز كيف يُمكن للقانون الجنائي الدولي أن يُعزز الهرميات العرقية، بينما لم تصدر المحكمة أي قرار عقابي ضد دولة الاحتلال رغم أن جرائم الاحتلال واضحة وخاصة خلال العدوان المستمر على قطا غزة ، لكن برؤية وتركيبة هذه المنظومة الدولية فإن “الاسرائيلي ” المتفوق عرقيا هو محمي بطريقة غير مباشرة فلا تطبق عليها القرارات بل توفر له الحماية.
إن هذا الفهم يساعد في تكفيك منظومة العلاقات الدولية التي نسير ضمن نطاق يجمع بين التفوق المعرفي والهرمية العرقية في رسم السياسات الخارجية للدول، فنجد أن الولايات المتحدة من السهل أن تبني علاقات جماعية وتوقع اتفاقيات مع الدول الأوروبية متجمعة، بينما تترد مع الدول الاسيوية بل نرى اتفاقيات تأخذ صيغة الثنائية، كما لا تقلق تجاه مناورات عسكرية مثالا تقوم بها فرنسا ، بينما ترى في مناورات الصين تهديدا للأمن العالمي وتبدأ بالحديث عن صعود الصين وتأثيره على محيطها الاقليمي والدولي ، كل ذلك هو نتاج نظرتها العرقية والعنصرية.
لقد اظهرت الدراسات النقدية في العلاقات الدولية شبكة واسعة من التحيزات التي ترافق السياسة الخارجية للدول في تصرفاتها وأفعالها وتحدد لها رسم سياستها الخارجية وفق منظور التفوق الغربي واحتكاره للعلم والمعرفة، إن عدسة هذه الدراسات تفتح الباب واسعا أمام كشف التحيزات ولربما أن ما يحدث الان من “انتفاضة الجامعات ” في امريكا والعديد من الدول الأوروبية يظهر هذا الفهم ويكشف زيف الديمقراطية الغربية، فلو كانت تلك الاحتجاجات ضد روسيا ومؤيدة لأوكرانيا فهل سيكون نفس التصرف تجاه طلبة الجامعات؟ .
إن طرح المساقات العلمية في الجامعات الفلسطينية والعربية لطلبة العلوم السياسية ذات التفكير النقدي يساهم في الفهم الجدي للعلاقات الدولية ويكشف التحيز الذي يقف وراء عدم القدرة على تطبيق القانون الدولي وحتى التأثير في السياسة الخارجية لدول المنظومة الغربية، مما يتطلب التقارب مع الدول التي تتعرض لهذه السياسات والتي بنظر اليها من ناحية عرقية أنها الأقل بينما الاخر الغربي هو المتفوق.