بيت لحم / تطل الشمس بنظراتها البراقة معلنة بداية نهار جديد، تنهض مسرعة … ترتدي ثوبها بنشاط وهمة … تتلفع بمنديلها الأبيض… تخرج قاصدة باب الله .. تصل إلى المكان المقصود… قلبها يسبق خطاها… ويبقى تفكيرها مشغولا كم ستجني…!؟ … تقف تارة لترتاح وتارة أخرى تستكمل عملها .. من أعلى المستوطنة شاهدها… فرحتها أخذت تزعجه… أغلق عينيه… القفزات كأنها على صدره… ضرب صدره بقوة… وقال: أنا لها.. وإذا بالهراوات تتهافت على جسدها دون رحمة، لينتهي حلم رجاء العريض من سلفيت لبرهة من الزمن .
حتى الأغنام لم تسلم
انتظرنا وقتا أمام بيتها لدقائق، ولا نعرف السبب، علما أننا على موعد بلقائها.. لترد علينا من خلف الباب انتظروا علني أجد طريقة لأفتح الباب ، أخيرا فتح..!!، لتستقبلنا بدموعها التي أخذت تنسال على وجنتيها دون توجيه أي سؤال لها ، وكأن الصمت لم يعرف لغة الصمت ، تحاول لملمة ذاتها المبعثرة ، تمعن النظر بيدها الموضوعة في الجبس، والملفوفة بالشاش الأبيض ، ويدها الأخرى لا تستطيع أن تحرك أصابعها ،وبصوت مخنوق أخذت تتحدث إلينا عن الحادثة التي آلمت بها قائلة”: الوضع الاقتصادي لأسرتي صعب جدا، ومن اجل المساعدة في توفير مستلزماتنا ، أقوم بعدة أعمال منها التطريز وتصنيع الخبز وبيعه للناس، والعمل في الزراعة وقطف نبتتي الزعتر والعكوب، من مناطق بعيدة عن البيوت ، من اجل بيعها لتوفير ما تحتاجه أسرتي والتي تتكون من أربعة أفراد . زوجي مريض بالقلب لا يستطيع العمل، ولا يوجد دخل لنا، فنعتاش على ما يعود من هذه الأعمال التي أقوم بها،أجهشت بالبكاء مرددة ” ما إلنا غير الله “
سكون خيم على المكان ليكسره صوت تنهيدتها العميقة،وبدت عيناها وكأنهما تحدقان بمكان بعيد ليخرج الصوت مخنوقا “:اتفقنا أنا وزوجي وجارنا وزوجته للخروج من اجل قطف نبتة العكوب من اجل توفير دخل لنا ، استيقظنا من النوم وصلينا الصبح وانطلقنا إلى منطقة جبلية وهي منطقة تتكاثر فيها نبته العكوب وكل عام نذهب إليها من اجل قطفها.
وتضيف “تقع هذه المنطقة عند مفرق دير ذبوان ومخماس قضاء رام الله ، وهي منطقة خالية من المستوطنات ، ولم نرى أي تواجد للمستوطنين فيها ، ولكن تبين أن هناك مستوطنة تقع خلف الجبل، نحن لم نراها ولكن هم يروننا من فوق، من خلال نصب خيام لهم لمراقبة الفلسطينين ، وتكمل قائلة”: التقينا بإحدى الرعاة، الذين يقومون برعاة أغنامهم في تلك المنطقة أثناء انتظارنا السيارة، لنقلنا للمستشفى بعد حادثة الاعتداء علينا، اخبرنا انه يوجد مستوطنة خلف الجبل عدد أفرادها 120 مستوطن، وهم من المشاغبين الوحوش، ومن كثر اعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينين، قامت حركة السلام برفع قضية عليهم من اجل إخلاء المستوطنة من تلك المنطقة، وتكمل رجاء حديثها قائلة”:لم تتوقف اعتداءاتهم على المواطنين العزل بل يقومون بالاعتداء على الأغنام من خلال وضع قطعة طويلة من الحديد في قرن الغنمة إلى أن تموت ، كما اخبرني الراعي ،وهذا دليل على وحشيتهم وعدم إنسانيتهم”
ليتني لم أذهب
31/3/2012،انطلقت بنا السيارة إلى المكان الساعة 8:30 صباحا،وبدأنا بقطف نبتة العكوب ، وما أن تدق الساعة التاسعة وكأنها متآمرة ، ليهاجمنا مجموعة من الملثمين بالأسود وعددهم أربعة أشخاص، ولم نعرف إنهم مستوطنون إلا عندما اخذوا علينا بالصراخ باللغة العبرية، ولم نفهم ماذا يقولون ،يحملون قطع حديدية طول الواحدة منها متر وربع المتر ، اثنين منهم هجموا علي واخذوا بضربي بها دون سبب ، واثنين هجموا على جارنا وكأنهم وحوش مفترسة انقضت على فريستها ،صمتت وكأنها تستذكر تلك اللحظات، دقائق لتعود لمواصلة حديثها”:جارنا لم يتأذى كثيرا لأنه رجال، وكان يحمل مقصا بيده فدافع عن نفسه، وأنا لم استطيع الدفاع عن نفسي، لان الضرب كان في جسدي من كل الجهات دون رحمة ، حاولت جارتنا مساعدتي ولكنها لم تستطيع ، فقام احدهم برش الغاز في عينيها لتسقط ألما ، وامتزج صراخي مع صراخها ليعطي ضوءا أننا في خطر، ليأتي زوجي وجارنا من بعيد ، وقاموا بمساعدتنا وإبعادهم عني، تكمل “:الوقت الذي استغرقته تلك الحادثة ما يقارب العشر دقائق ، ولكن ما أصعبها من دقائق ،أحسست وكأن روحي تخرج من جسدي.
عادت الدموع تفيض من عينيها لتستدرك “رجاء” قائلة”:وبعد ذلك تم نقلنا إلى المستشفى، وكان جسدي كله تعرض للكدمات، وأصبح لونه ازرق، ولم اعد اشعر بوجود يداي، وتم إدخالي إلى العملية، لان عظم إحداهن تعرض للتفتيت، وتم إجراء عمليه لها، ولغاية الآن لم استطيع تحريكها، وإمساك أي شيء من خلالها ، وأنا أعاني من مرض السكري وهشاشة عظام،
وبصوتها الحزين تواصل قائلة”: لبتني لم اذهب ولم يحدث معي ، اشعر أنني أصبحت عاجزة، ليس بمقدوري العمل ابسط الأمور حتى اغتسال وجهي ، لم استطيع تبديل ملابسي إلا بمساعدة إحدى البنات، وليس بمقدوري القيام بأعمال المنزل ،ومن يقوم ينتظيف البيت صباحا إما أن تأتي إحدى الجارات أو أحدى أقربائي لان بناتي الاثنتين إحداهن تذهب للجامعة، والأخرى للمدرسة،وبعد عودتهن هن من يقومن بأعمال المنزل ،
الشكوى لغير الله مذلة
تحشرج صوت “رجاء “من كثرة البكاء، بل وغاب، وبقيت الدموع هي لغة الحوار بيننا، تهدأ، تنظر إلى يدها ، تتمتم قائلة”: عمري 57 سنه ويأتي مستوطن في مثل عمر أبنائها لضربي!؟ وتضيف”بعد الحادثة جاء لزيارتي ما يعرفوا بحركة السلام واستمعوا لما حدث معنا ، وبدورنا قمنا بتقديم شكوى علي المعتدين في “ارائيل”، لتكون إجابة مستقبل الشكوى أن العكوب ممنوع قطفه من تلك المنطقة ، أجبته نحن لم ندخل مستوطنة ولم ندخل شيك ، وهذه أرضنا فكيف نمنع من دخولها ، ولكن هذه هي طبيعة المحتل وطبيعة أخلاقه وعنجهيته ،” وما بشكيهم إلا لله، لآن الشكوى لغيره مذله “.
المصدر : /PNN عهود الخفش