عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران، لم يهلل لها ولم يبتهج بها احد في العالم ربما، كما كان عليه الحال بين أبناء فلسطين، أبناء فلسطين ليس فقط في الأرض الفلسطينية، لا بل وفي كل بقاع الدنيا وحيثما وجد هؤلاء، حيث كان ينظر إلى شاه إيران كحليف استراتيجي ليس لأميركا فقط، وإنما لدولة العدوان في فلسطين.
وقد كان لما قامت به الثورة الإيرانية من تحويل سفارة كيان الاحتلال في طهران إلى سفارة لفلسطين الأثر الأكبر على أبناء فلسطين، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت الكثير من أبناء هذا الشعب وخاصة القوى الديمقراطية فيه، أن تقف ضد الحرب التي جرت بين إيران والعراق، لا بل ولم تتردد العديد من القوى من توجيه أصابع الاتهام واللوم والعتاب إلى القيادة العراقية على تلك الحرب- على الأقل في البدايات-.
الخطاب الإيراني الذي ظل يتردد حول فلسطين وعنصرية دولة العدوان منذ قيام الثورة هناك، لم يعد هذه الأيام بالنسبة إلى الكثير من أبناء فلسطين هو ذات الخطاب، ولم يعد له ذات الصدى، ولم يعد يفعل فعله في القلب أو العقل الفلسطيني، فهو أصبح بالنسبة إلى الكثير ممن هللوا للثورة في البدايات، مجرد شعار للمتاجرة بفلسطين والقضية الفلسطينية، وهو لا يبتعد كثيرا عن الخطاب الرسمي العربي الذي طالما رددته دول الخنوع والردة العربية، فصار ينظر إليه على انه خطاب ممجوج فيه الكثير من الترداد الزائف لذات العبارات والشعارات الرنانة، وفيه الكثير من النفاق والبحث عن ‘موطئ’ قدم في صدور السذج من أبناء امة العربان والأمم والشعوب الإسلامية.
لم تتغير المشاعر الفلسطينية تجاه إيران وثورتها رغبة في التغيير، لكن لان للفلسطيني قلبا هو دليله، ولان للفلسطيني تجاربه المريرة التي جَعلته يشْتَمُ عن بعد من يريد ركوب قضيته كمطية يمتطيها للوصول إلى مآرب أخرى، وصار يميز بين الغث والسمين، لا بل صارت له ‘قرون استشعار عن بعد’، يعلم من خلالها من ذا الذي يرغب حقيقة بالمساعدة ومن ذا الذي لا ينفك مزايدة على فلسطين والقدس والشهداء والضحايا…
ما فعلته إيران خلال السنوات الماضية، وتحديدا منذ احتلال العراق، وهذا الحلف غير المعلن بينها وبين قوات الاحتلال الأمريكي، وعدم مقاتلتها للشيطان الأكبر كما تفضل أن تسمي أميركا، والعمل من صدام حسين أضحية للعيد، وتحويل العراق إلى’حديقة” لا بل معسكر خلفي لدولة فارس، وكل هذا القتل الذي مورس في العراق ضد أبناء الرافدين والمشاركة في مطاردة العلماء والطيارين والعقول العلمية العراقية، وسرقة العراق من عروبته في عز الظهيرة، جعل من الشعارات التي ترفعها إيران حول فلسطين، وتدمير دولة العدوان، مجرد شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي بضاعة لم تعد تجد من يشريها إلا لدى بعض السذج من الناس الذين يعتقدون بصدق الرواية الإيرانية.
أبناء فلسطين الذين دافعوا عن الثورة الإيرانية، وتبنيها لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتلك العلاقة التي تم نسجها عبر سنين ابتعاد إيران عن التدخل في فلسطين والبلدان العربية، لم يعودوا مقتنعين بان إيران هي إيران ذاتها التي اصطفوا إلى جانبها بداية الثورة، وهي تثبت كل يوم انها ليست كذلك.
الدعوة المزدوجة التي قام بها الرئيس الإيراني لفلسطين لحضور مؤتمر قمة عدم الانحياز هي دعوة مشبوهة ولا تنم عن حرص ايراني حقيقي على المسالة الفلسطينية، وهي محاولة للتشكيك بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني،- بغض النظر عما سيقوله دعاة الثورية في هذا الإطار، وسواء قبلوا أم لم يقبلوا، فقد دفع الناس عشرات الآلاف من الضحايا من اجل وحدانية التمثيل وهي محاولة واضحة لتعميق الانقسام الفلسطيني.
الدعوة الإيرانية لوفدين لتمثيل فلسطين، لا يمكن أن تتم عن جهل أو سذاجة، بقدر ما تنم عن محاولة للتخريب وتجسيد للقطيعة وتعميق للفصل بين الضفة والقطاع، وهي تشجيع لقيادة حركة حماس من اجل مزيد من الاستقلال ومنحها حق تمثيل الشعب الفلسطيني.
هذه الخطوة ليس سوى محاولة لتشجيع دول أخرى على سلوك ذات النهج، بعيدا عن دولة مصر وتونس وليبيا التي حكمها حلفاء حماس من الاخوان، وهذا ما يعني أن هنالك جهتين تمثلان الشعب الفلسطيني، وهذه هي الطامة الكبرى، حيث لن يكون مستغربا خلال فترة بسيطة قادمة، أن يقوم العالم بمطالبة الشعب الفلسطيني بتوحيد – تمثيله- لندخل في معركة جديدة من اجل وحدانية التمثيل، سيف جديد سيسلط على رقاب الفلسطينيين، بعد ان تم تسليط سيف الانقسام على الرؤوس منذ الانقسام، حيث صار الكل يطالب الشعب الفلسطيني بالوحدة أولا، علما بان الوحدة كانت موجودة قبل الانقسام، ولم يفعل العالم أي شيء لحل القضية الفلسطينية، وصارت الحجة هي الانقسام الذي يعصف بالوطن.
حيث اننا نعتقد بان مثل هذه الدعوة هي محاولة للتخريب وليس محاولة للإصلاح أو الدعم للقضية الفلسطينية، فاننا نعتقد بان على الرئيس محمود عباس ان لا يشارك شخصيا في هذا المؤتمر، وان تكون مشاركة فلسطين في أدنى مستوى لها، كأن يتم انتداب سفير فلسطين أو من هو اقل درجة من العاملين بالسفارة الفلسطينية في هذا المؤتمر الذي تحاول ايران من خلاله التشكيك بتمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي حاولت محاربته العديد من الدول العربية قبل ان تعترف صاغرة بالمنظمة، وهو الأمر الذي حاربته قوى البغي ودولة الكيان بكل قوة.
كما نعتقد وحيث بات اللعب على المكشوف في موضوع التحالفات والاستقطاب، التي تستهدف فلسطين وتمثيل فلسطين، في ذات الوقت الذي ينادي به وزير خارجية كيان الاحتلال، بالتخلص من السيد أبو مازن، ان على القيادة الفلسطينية ان تعمل بكل طاقتها من اجل إقناع العديد من الدولة العربية والصديقة وحيث ما أمكن ان تخفض تمثيلها في هذا المؤتمر، لان المسألة ليست سهلة ولا عرضية كما قد يعتقد البعض، فهي معركة تستهدف منظمة التحرير أولا وأخيرا.