بيت لحم / اكد المهندس فضل كعوش الرئيس السابق لسلطة المياه الرئيس السابق للجنة المفاوضات حول المياه في دراسة اعدها عن الوضع المالي في الاراضي الفلسطينية ان الوضع المائي غير امن حاليا ومخيف مستقبلا في معظم مناطق الضفة الغربية وذلك مع استمرار الجمود في العملية التفاوضية وفي ظل عدم وجود بدائل لمصادر مياه أخرى لدى الفلسطينيين ، مطالبا المسؤولين والمعنيين التفكير الجدي في هذا الأمر الذي يعتبر في غاية ألأهمية ، ولا يجوز تأجيله وإنتظار المجهول ، حيث على القيادة السياسية الفلسطينية العليا ان تتخذ قرارات شجاعة وحاسمة تتجاوز اية الحواجز والمعيقات السياسية .
وفيما يلي نص الدراسة:
مع استمرار حالة الجمود والتوقف الطويل ، للعملية التفاوضية النهائية ، حول قضايا الوضع الدائم ومن ضمنها ملف المياه ، أصبحت تزداد معها يوما بعد يوم أزمات العطش صعوبة وحدة ومعاناة في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء ، بسبب التراجع والنقص الحاد والشديد في مصادر المياه العذبة اللازمة والضرورية لسد الحد ألأدنى من حاجات الشرب والمنزل وخاصة خلال اشهر الصيف، وتختلف حدة أزمات العطش من منطقة الى أخرى ، يضاف الى تلك المعاناة مخاطر تعرض مصادر المياه المتاحة الشحيحة والمحدودة جدا الى الملوحة العالية وألى أشكال عديدة من التلوث الذي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للمزيد من التدهور والتردي في نوعية المياه وأضرارها الصحية المباشرة على حياة المواطنين الفلسطينيين .
يقدر حجم كميات المياه المتاحة حاليا لآغراض الشرب والمنزل والصناعة معا في كافة مناطق الضفة الغربية بحوالي 88.6 مليون متر مكعب ، من هذه الكميات حوالي 39 مليون متر مكعب في السنة يتم الحصول عليها من أبار مياه الشرب التي تمتلكها سلطة المياه الفلسطينية ودائرة مياه الضفة الغربية وبعض البلديات ومصالح المياه، وحوالي 1.8 مليون متر مكعب في السنة ، يتم شراءها من أصحاب بعض الأبار الزراعية في بعض البلدات والقرى ، وحوالي 4.4 مليون متر مكعب في السنة ، تأتي من تصريف بعض الينابيع والعيون المتبقية ، اي ان إجمالي ما هو متاح للفلسطينيين من أبارهم وينابيعهم من المياه لأستخدامات الشرب والمنزل لم يعد يتجاوز 43.2 مليون متر مكعب في السنة ، اما باقي الكميات وهي حوالي 45.4 ، فيتم كما هو معروف شراءها من الأسرائيليين من خلال نظام التزود بالمياه الخاص بشركة المياه ألأسرائيلية “ميكوروت” وبأسعار تتراوح بين 3.5 ولغاية 4.5 شيكل للمتر المكعب الواحد .
ونظرا لقدم وإهتراء أجزاء كبيرة من شبكات توزيع المياه ، ولأسباب أخرى عديدة ، منها فنية تتعلق بحالات ألأعطال والخراب التي تتعرض له أنظمة شبكات توزيع المياه وعدادات المياه ، والتعديات والسرقات التي تحصل دائما على انظمة التزود بالمياه وغير ذلك ، فأن معدل نسبة الفاقد من المياه المنتجة في الضفة الغربية لا يقل عن 38 % ، وهي نسبة عالية جدا مقارنة بحجم ألأنتاج والتزود المتاح ، لذلك ووفق ألأرقام أعلاه فأن معدل ما يصل فعليا للفرد الواحد من كميات المياه المتاحة من جميع المصادر أي بما في ذلك المياه المنتجة ذاتيا والمياه المشتراه من ألأسرائيليين ، لا يتجاوز 23 متر مكعب في السنة أي بمعدل لا يتجاوز 62 ليتر للفرد في اليوم ، وهو ما يمثل 50 % من الحد ألأدنى لأحتياجات الأنسان اليومية للمياه وفق معايير منظمة الصحة العالمية وهو 120 ليتر للفرد في اليوم .
مع التذكير هنا الى ان العديد من التجمعات السكانية في مناطق عديدة من الضفة الغربية إما محرومة من خدمات التزود بمياه الشرب ولا تتوفر لديها مصادر مياه ولا شبكات للتزود وتوزيع المياه وتعتمد على شراء المياه من باعة الصهاريج المنقولة وهي مياه غير مراقبة وغير آمنة وأثمانها عالية جدا مرهقة للمواطن ، او ان تلك التجمعات تمتلك الخدمات ولكن كميات المياه تصلها شحيحة جدا لا تكفي لسد الرمق ، او ان المياه لا تصل الى تلك التجمعات نهائيا ولأشهر عديدة خاصة خلال فصل الصيف ، وتشمل هذه المناطق بعض القرى وبعض البلدات وألأحياء في بعض المدن الكبرى.
وفي حال قرر الأسرائيليون وقف تزويد الفلسطينيين بالكميات المبينة أعلاه ، لأي سبب كان فأن نصيب الفرد سيتراجع الى اقل من 12 متر مكعب في السنة اي ما يعادل 32 ليتر في اليوم ، اي ان الفلسطينيين سيواجهون أزمة عطش حقيقية ، مدمرة وخانقة جدا ، لا يمكن تحملها .
علما بأن تصريف الينابيع وألأنتاج الفعلي للعديد من ألأبار الزراعية ، يشهد تراجعا مستمرا سنة بعد سنة ، نتيجة للتغيرات المناخية ولحالات ألضغط القصوي التي تتعرض له أحواض المياه الجوفية بالتوازي مع النمو السكاني والتوسع الحضري وبالتالي زيادة الطلب على المياه ، بمعني ان فرضية جفاف الينابيع والعيون ومعظم ألأبار الزراعية وهي في غالبيتها أبار سطحية ، أصبحت تشكل هاجسا كبيرا ومخيفا ، لحياة ومستقبل الفلسطينيين ، وهي لا محال واقعة وهي مسألة وقت ليس إلا ، وقد تجف خلال سنوات معدودة ، وكما يعرف الجميع فقد تراجع معدل تصريف غالبية الينابع خلال السنوات الخمسة عشر الماضية بنسبة تزيد على 65 % وهو مؤشر خطير، ومن ضمن تلك الينابيع مجموعة الفارعة والعوجة وفصايل وهي ينابيع رئيسية معروفة تاريخيا بغزارة مياهها ، كما ان المئات من ألأبار الزرعية قد جفت تماما وأغلقت. اما ابار مياه الشرب فهي الاخرى تواجه ظاهرة خطيرة تتمثل في تراجع مستوى سطح المياه ، بسبب السحب الزائد وتراجع كميات ألأمطار وظاهرة التغيير المناخي ، وقد يؤثر هذا ألأمر على سلامة تلك ألأبار وإنخفاض إنتاجيتها الى أكثر من النصف او توقفها كليا عن أالعمل ، وهو امر حاصل لا محالة ، لأسباب هيدروليكية وهيدروجيولوجية .
وقد سجل خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية هبوط كبير في مستوى سطح المياه ، تجاوز العشرين مترفي عدة ابار في حوض بطن الغول جنوب شرق بيت لحم ، وكذلك في ابار مجموعة عين سامية شرق رام الله وأيضا في ابار نابلس . ويخشى ان يفقد الفلسطينيون السيطرة على وضعية العديد من ألأبار مستقبلا في حالة إستمرار هبوط مستوى سطح المياه على النحو الحاصل ، وإحتمال توقفها عن العمل بشكل كامل .
كما ننوه هنا الى ان عدم جريان المياه بشكل منتظم وكافي في أنابيب شبكات نقل وتوزيع المياه ، يشكل خطورة كبيرة على سلامة وديمومة ألأنابيب ويعرضها للصدأ والتاكل والتلوث الفطري وما شابه ذلك ، وخاصة في ألأنابيب ذات الحجم الكبير الذي يتجاوز قطرها 3 إنش ويقل حجم جريان المياه بداخلها عن 25 % من قطرها .
امام هذا الوضع المائي غير ألآمن حاليا والمخيف مستقبلا ، في معظم مناطق الضفة الغربية ومع أستمرار الجمود في العملية التفاوضية وفي ظل عدم وجود بدائل لمصادر مياه أخرى لدى الفلسطينيين ، فأن على المسؤولين والمعنيين التفكير الجدي في هذا ألأمر الذي يعتبر في غاية ألأهمية ، ولا يجوز تأجيله وإنتظار المجهول ، حيث على القيادة السياسية الفلسطينية العليا ان تتخذ قرارات شجاعة وحاسمة تتجاوز اية الحواجز والمعيقات السياسية بهدف حماية مصادر المياه العذبة والحفاظ عليها من مخاطر الأستنزاف القصوي والتلوث الخطير ولضمان توفير حاجة الموطنين للمياه بشكل دائم وتجنب إتساع حدة أزمات العطش مستقبلا.
وتضمنت المادة الأربعون من إتفاقية طابا المرحلية لعام 1995 التي تم التوصل اليها بين الطرفين الفلسطيني وألأسرائيلي ، إلتزام إسرائيلي بالتعاون مع الجانب الفلسطيني من خلال لجنة المياه المشتركة التي أنشأت وحددت مهامها وصلاحياتها وفق المادة أعلاه وذلك لتمكين الجانب الفلسطيني من الحصول على كميات المياه ألأضافية خلال الفترة ألأنتقاللية 1995- 1999 ، والتي قدرت حسب الأتفاقية المشار اليها ، بمعدل 80 مليون متر مكعب في السنة، على ان يتم التفاوض حول مسألة الحقوق المائية في مفاوضات الوضع الدائم للمرحلة النهائية.
بعد مرور أكثر 17 عاما على توقيع الأتفاقية المرحلية ، لم يحصل الفلسطينيون على نصف الكمية التي حددتها هذه الأتفاقية ، بل على عكس ذلك فقد الفلسطينيون كميات كبيرة من مياه الينابيع وألأبار الزراعية التي تعرضت الى حالات نضوب وجفاف اوتراجع كبير في طاقتها خلال الفترة اعلاه ، قد تكون تجاوزت 40 مليون متر مكعب ، بسبب التغيرات المناخية وتراجع معدلات الهطول المطري وعمليات الضخ القاهروالزائد ، مقابل ذلك إزداد الطلب على المياه بمعدل ثلاثة أضعاف بسبب النمو السكاني وزيادة الحاجة للمياه .
ويقدر معدل الطلب الحالي للمياه في الضفة الغربية ، لحاجة الشرب والمنزل والصناعة ، بحوالي 115 مليون متر مكعب في السنة ، على أساس معدل 120 ليتر كحد أدنى لحاجة الفرد الواحد من المياه للأعراض المنزلية والشرب والصناعة ودائما وفق معايير منظمة الصحة العالمية ، مع إحتساب إجمالي عدد السكان للضفة الغربية والمقدر بحوالي 2.6 مليون نسمة ، وفق المصادر الرسمية ، بذلك يقدر العجز المائي القائم بحوالي 44 مليون متر مكعب في السنة ، هذا على اساس استمرار شراء المياه من ألأسرائيليين وفق الكميات اعلاه ، اما في حالة توقف ألأسرائيليين عن ذلك فأن العجز سيصل الى أكثر من 86 مليون متر مكعب في السنة . وفي ظل إستمرار التغيرات والتأثيرات المناخية ، وإستمرار ألأرتفاع الكبير في معدل درجات الحرارة ، مع التراجع الحاد في معدلات ألأمطار وبالتالي تراجع في طاقة التغذية للأحواض المائية الجوفية مما ينعكس بشكل سلبي وخطير على إنتاجية ألأبار وتصريف البنابيع ، ولهذا فأن إحتمالات حدوث كارثة جفاف وعطش هي مسألة حتمية، ستواجه الفلسطينيين خلال السنوات القليلة القادمة ، إذا لم تتم تتخذ إجراءات عملية لمعالجة الوضع المائي مبكرا .
جانب أخر يتهدد ألأوضاع المائية في الضفة الغربية وهو وضع البنية التحتية لمرفق التزود بالمياه ، حيث تفتقر الضفة الغربية الى نظام مركزي ناقل يربط المحافظات بعضها ببعض مع مصادر المياه اي مع مواقع ألأبار المنتجة ومحطات الضخ ، وهذا النظام موجود فقط في محافظتي ببيت لحم والخليل ولكنه غير مكتمل . اما في محافظات الشمال فغير موجود نهائيا ، حيث لكل مدينة او بلدة نظامها المائي المستقل والمنفصل عن باقي المدن ، وبالتالي فأنه في حالة حدوث أعطال وتوقف ابار المياه التي تتزود منها تلك المدن والبلدات فأنه من غير الممكن تعويضها من مصادر أخرى . لذلك فأن أهمية بناء نظام مركزي للأنتاج والتزود ونقل وتوزيع المياه يربط كافة المحافظات والمدن والقرى ، يعتبر في غاية ألأهمية ويجب ان يكون على رأس اولويات التخطيط المائي الشامل والبعيد المدى .
في ظل سياسة اللامبالاة والتشدد الأسرائيلي تجاه ألأوضاع المائية الحرجة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ومنع الفلسطينيين من القيام بحفر ابار مياه جديدة وعميقة خاصة في مناطق الحوضين الغربي والشمالي الشرقي ، وفي ظل إستمرار الجمود المستمر لعملية المفاوضات للحل النهئي ، ولعدم الوضوح في ما ستؤول اليه تلك المفاوضات بشأن مسألة حقوق الفلسطينين في مجاري الأحواض المائية المشتركة ، ولطبيعة وأبعاد ومخاطر التهديدات التي تواجه مصادر المياه العذبة المحدودة والمتاحة حاليا للفلسطينيين وخاصة ما يتعلق بمؤشرات ألأستنزاف القصوي والتغييرات السلبية للمعطيات الهيدروجيولوجية للأحواض المائية الجوفية وإنعاكاسات كل ذلك على ألأبار والينابيع الفلسطينية بما في ذلك أبار مياه الشرب العميقة وألأبار الزراعية السطحية ، هذه ألأوضاع لم تعد تتحمل التأجيل وعلى أصحاب الشأن ان يتداركوا ألأمر ويقوموا بأجراء الدراسات وتقييم ألأوضاع المائية من كافة الجوانب ، وإتخاذ التوجهات الصحيحة المبنية على الحقائق والمعطيات العلمية ، التي تخدم وتضمن اسس ومتطلبات التخطيط السليم وبما يكفل كما اسلفنا سابقا ألأدارة المثلى وألأستدامة لقطاع المياه وحماية مصادر المياه العذبة والحفاظ عليها من مخاطر ألأستنزاف والتلوث والعمل على تبني مشاريع مركزية تهدف الى تطوير مصادر مياه إضافية تقليدية وغير تقليدية بما في ذلك تحلية مياه البحر وإعادة إستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وفق ألأصول والمواصفات والمعايير الفنية المطلوبة .
وفي هذا الأتجاه فأن على الفلسطينيين ان لا يتنازلوا عن حقوقهم المائية وأن يتمسكوا بمطالبهم العادلة ، وفي نفس الوقت ان يتجاوزوا الحواجز والتعقيدات السياسية ، وان لا يمتنعوا عن ألأستفادة من الفرص المتاحة في إطار تطوير أوجه التعاون الفني مع الجانب ألأسرائيلي ، وخاصة ما يتعلق بالمشاريع ألأقليمية ، لتطوير مصادر مياه إضافية ومن ضمنها مشاريع تحلية مياه البحر وذلك من خلال لجنة المياه المشتركة او من خلال اية مستويات سياسية أخرى ، شريطة ان لا تمس اوجه وأشكال التعاون الفني بالجوانب القانونية والسياسية لمسألة الحقوق المائية .
لا نعتقد ابدا بأن حصول الفلسطينيين على 100 مليون متر مكعب سنويا من خلال بناء محطة تحلية لمياه البحر في مناطق جنوب حيفا ، بالتعاون مع الجانب ألأسرائيلي وبدعم جهات دولية مانحة ، او حتى من خلال نظام إستثمار تتبناه شركات أجنبية وفلسطينية مشتركة وفق نظام “بي أو تي” او ما شابه ذلك ، سيؤثر على الموقف الفلسطيني التفاوضي حول ملف المياه ، فالفلسطينيون في الضفة الغربية يتزودون حاليا بنسبة تزيد على 50 % من المياه المستخدمة للشرب والمنزل من خلال شركة ميكوروت ، وهو ما اوضحناه أشرنا اليه في بداية التقرير بألأرقام .والتعاون الفلسطيني ألأسرائيلي في مجال المياه بأشكاله كما أقرته المادة ألأربعون أعلاه هو جانب فني لا يتعارض على ألأطلاق مع ألأمور القانونية لمسألة الحقوق المائية التي سيتم البحث بشأنها عندما يعود الطرفان الى طاولة المفاوضات .
علما بأن هذا ألأمر قد عرض سابقا على الفلسطينيين عام 2004 من قبل أكثر من جهة مانحة وإستعداد إسرائيلي بدعم المشروع الذي كان في حقيقة ألأمر يتتضمن محطة مركزية لتحلية مياه البحر حددت طاقتها ألأنتاجية للمرحلة ألأولى ب 50 مليون متر مكعب في السنة على ان يتم زيادتها الى 100 مليون متر مكعب بعد عشرة سنوات ، كما إشتمل العرض على كامل نظام الخط الناقل الى الضفة الغربية مع شبكات رئيسية لتوزيع المياه على كافة المدن في محافظات شمال الضفة بما في ذلك محافظة رام الله والبيرة وقد بلغت تقديرات هذا المشروع حوالي 600 مليون دولار ، تعهدت بعض الجهات الدولية المانحة بأستعدادها الكامل لتمويل المشروع كاملا بما في ذلك محطة التحلية والخط الناقل وشبكات التزود والتوزيع ومشتملاتها ، ولكن الجانب الفلسطيني رفض هذا المشروع ، تخوفا من ان يؤثر ه1ذا ألأمر على الموقف التفاوضي بشأن مسألة الحقوق المائية .
نعتقد بأن لهذا المشروع أهمية بالغة ، إذا ما نفذ وفق الكونات التي إقترحت سابقا كشروع متكامل وفق ما ورد، لأنه سيضمن توفير ما لايقل عن 100 ليتر إضافية لكل فرد بشكل دائم ، ولأكثر من ثلثي المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية ، وبتكلفة لا تتجاوز3.5 شيكل اامتر المكعب الواحد .
بعيدا عن الجوانب السياسية لمسألة الحقوق المائية ، فأن مصادر المياه الجوفية ، لا تشكل ضمانا دائما ، بسبب المخاطر التي تتهدد تلك المصادر ، كما اشرنا أعلاه في ظل التغييرات المناخية ، وتأثيرها البالغ على الوضع الهيدروجيواجي لللأحواض المائية ، ومشاكل الصيانة والأعطال الفنية وتعقيداتها ومخاطرها واضرارها الكبيرة ، وتكلفة ألأنتاج العالية والتي تتجاوز حاليا 3.7 شيكل للمتر المكعب الواحد وغير ذلك ، مما يفرض على الجانب الفلسطيني ان يضع كل هذه ألأمور بعين ألأعتبار الجدي ، ويفكر بكل الخيارات والبدائل التي تخدم متطلبات وضروريات التخطيط الواعي والسليم والحكيم والشجاع .
الى جانب بدائل التحلية ، الضغط على الجانب ألأسرائيلي في إطار لجنة المياه المشتركة للموافقة على حفر مجموعة أبار في الحوضين الغربي والشمالي الشرق ، لضمان تعويض ألأبار الزراعية وبعض أبار الشرب التي تراجعت إنتاجيتها بشكل كبير او جفت نهائيا ، وهذا ألأمر قد يتطلب ممارسة الضغط على الجانب ألأسرائيلي من خلال جهات دولية اوروبية وأمريكية .
أما في قطاع غزة فألأمر أكثر خطورة وحرجا عن الوضع المائي في الضفة الغربية ، حيث يواجه القطاع كوارث مختلطة ومركبة : مائية وبيئية وصحية في ظل حصار مشدد ، وتردي كبير للوضع ألأقتصادي ، فعليا لم تعد توجد مصادر مياه عذبة متاحة ، فمعظم مصادر المياه الجوفية أصبحت ملوثة بالملوحة ، وبمواد عضوية ، ولم يعد بألأمكان ألأعتماد عل مصادر المياه الجوفية ، ويلجأ ألأهالي حاليا الى شراء المياه من محطات التحلية التابعة لمصلحة مياه الساحل اومن محطات تجارية مملوكة من قبل تجار ، وغير معروف إن كانت تلك المصادر آمنة من النواحي الصحية ومراقبة بما فيه الكفاية من قبل الجهات المختصة .
سبق وان تناولنا باتفصيل في مقال سابق، وصفا شاملا للحلول العاجلة لقطاع غزة في مجال المياه وإقترحنا ان تشمل المشاريع الرئيسة التالية :
– إستكمال مشروع خط انابيب نحال عوز للحصول على كميات المياه ألأضافية التي تم ألأتفاق حولها وفق المادة ألأربعون من ألأتفاقية المرحلية لعام 1995 والمحددة بخمسة ملايين متر مكعب في السنة تخصص لمحافظات غزة والوسط.
– إعادة بناء وتشغيل خط قطيف القديم والطلب من الأسرائيليين ضخ خمسة ملايين متر مكعب إضافية لمناطق الجنوب عبر هذا الخط .
– الطلب من الجانب ألأسرائيلي تزويد قطاع غزة بكميات مياه إضافية من محطة تحلية المياه في عسقلان لا يقل حجمها عن عشرين مليون متر مكعب في السنة ، يتم ضخها عبر إنبوب ناقل عبر مناطق شمال القطاع .وهذا ما تعهد به الأسرائيليون سابقا .
– الشروع في إنشاء ثلاثة محطات لتحلية المياه بطاقة إنتاجية لا تزيد على عشرة ملايين متر مكعب لكل محطة ، يتم توزيعها على امتداد الساحل ، واحدة لمناطق الشمال والثانية لمدينة غزة والوسط والثالثة لمناطق الجنوب . مع التأكيد على محاذير ومخاطر بناء محطات تحلية لمياه البحر كبيرة الحجم ، تزيد طاقتها على عشرة ملايين متر مكعب ، وذلك للعديد من ألأسباب ، اهمها الجوانب وألآثار البيئية بألأضافة الى التعقيدات الفنية لمشاكل التشغيل والصيانة الدورية وتكاليفها وغير ذلك .
– العمل على إغلاق كافة ابار مياه الشرب التي تحتوي معدلات ملوحة عالية وغير مطابقة للشروط الصحية .
– العمل على تخفيض معدل ضخ المياه من ألأبار الزراعية متوسطة الملوحة الى 50 %
– العمل على إغلاق كافة ألأبار الزراعية ذات الملوحة العالية .
كما أشرنا وأكدنا في العديد من المناسبات بأن لا حدود للمياه وبأن الفلسطينيين يشاركون الأسرائيليين في كامل النظام ألأيكولوجي والهيدرولوجي وبأن التعاون الفني في مجال المياه هو أمر إجباري وليس إختياري للطرفين ، وبأن الحفاظ عاى البيئة المائية وحماية مصادر المياه العذبة وتوفير ألأحتياجات المائية لكل فرد هي مسؤولية مشتركة وفائدة مشتركة .
وبعيدا عن السياسة والمفاهيم السياسية ، وضمن كافة ألأعتبارات والحقائق العلمية والفنية المرتبطة بألأوضاع المائية الفلسطينسة ، ولطبيعة الشراكة الطبيعية في أحواض ومجاري المياه الجوفية منها والسطحية وفي محيط البئية المائية ، فأن كل المعطيات المرتبطة بتلك الحقائق ، تلزم الطرفات بالتعاون الفني المشترك المبني على اساس المسؤولية المشتركة والفائدة المشتركة كما اسلفنا وعلى إحترام كل طرف لحقوق الطرف ألأخر، معززا بمبدأي حسن النوايا وحسن الجوار .
لا نقول ان يذهب الفلسطينيون الى الأسرائيليين ليرجوهم ان يتعاونوا معهم بل للفلسطينيين الحق الكامل ان يطالبوا الأسرائيليين ، بالألتزام بمبدأ التعاون لمصلحة الطرفين، وهذ لا يتعارض ابدا مع الجوانب السياسية والقانونية لمسألة الحقوق المائية، ولا يعتبر تنازلا عن الثوابت المائية وحتى لو حصل الفلسطينيون على كميات مياه إضافية من خلال ألأسرائيليين فأن ذلك يعتبر جزءا من الحقوق المائية التي سيتم التفاوض حولها ، وليس َمكْرَمَةً ولا ِمنَّة من الأسرائليين .
المزايدات والتنظير والخطب الرنانة لم ولن تساهم في جلب ليترا واحدا من المياه للفلسطينيين ولن تحل مشاكل نقص وتملح وتلوث المياه وتردي نوعيتها ، ولن تخفف تلك المزيدات من معاناة الفلسطينيين من أزمات العطش الخانقة ومخاطر التلوث ، ضياع الوقت سنة بعد سنة وشهر بعد شهر بل يوم بعد يوم لم يعد بصالح الفلسطينيين ، بل ضد مصالحهم ويهدد حياتهم ومستقبلهم ما دام ألأمر يتعلق بالمياه وهي اساس الحياة واساس التنمية واساس بناء الدولة القادمة .