تشتد المنافسة بين ترامب وكامالا هاريس مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث يستخدم كل منهما ما لديه من أوراق قوة لكسب أصوات الناخبين خاصة المستقلين والمترددين، وإحدى هذه الأوراق البارزة حتى الآن هى إستراتيجية الهجوم على المرشح الآخر والتخويف من فوزه، وهو ما ظهر فى خطاب هاريس فى ختام المؤتمر العام للحزب الديمقراطى، والذى تم فيه قبولها رسميا ترشيح الحزب، حيث احتل الهجوم على ترامب جزءا كبيرا من خطابها والتخويف من مخاطر عودته للبيت الأبيض لأنه، من وجهة نظرها، سيقوض الديمقراطية الأمريكية وحكم القانون وسيعيد البلاد إلى الوراء وسيهدم قيم التعايش فى المجتمع. وفى المقابل لجأ ترامب أيضا لنفس السلاح وهو الهجوم على هاريس التى وصفها باليسارية المتطرفة وأنها ستقود البلاد إلى حرب عالمية ثالثة. هذا الهجوم المتبادل بينهما يعكس حالة المشهد السياسى الأمريكى منذ فترة والذى يتسم بالاستقطاب الحاد بين الحزبين والصراع السياسى بينهما والذى امتد إلى المحاكم وإلى لغة الخطاب السياسى والتنابز بالألفاظ.
لكن إستراتيجية التخويف والهجوم على المرشح الآخر لا يمكن لكلا المرشحين أن تساعده فى الفوز، لأن العامل الحاسم هو القضايا الموضوعية ومدى قدرة كل منهما على تقديم رؤى واقعية وجادة فى حالة فوزه للتعامل مع تلك القضايا وعلى رأسها القضايا الاقتصادية والتحديات المرتبطة بارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم غير المسبوقة وارتفاع تكاليف معيشة المواطن الأمريكى، ومستقبل الطبقة الوسطى وسبل التعامل مع ظاهرة الهجرة غير القانونية والموقف من الإجهاض، وهى التى ستحسم توجهات الناخب الأمريكى تجاه هذا المرشح أو ذاك.
وفى هذا الإطار يقدم ترامب رؤية أكثر شمولية وتماسكا من هاريس فيما يتعلق بالقضايا الداخلية والخارجية، وذلك بحكم خبرته السابقة فى البيت الأبيض وكرجل أعمال حقق إنجازات اقتصادية من قبل فى ولايته الأولى، لولا أن كورونا قضت عليها، حيث تعتمد سياسته الاقتصادية على تخفيض الضرائب على الأغنياء والشركات من أجل تحفيزهم للتوسع فى الاستثمارات والتشغيل وتوفير فرص العمل، كما يعتمد على زيادة الرسوم الحمائية على السلع والمنتجات الأجنبية، خاصة من الصين، لدعم الصناعة الوطنية، وإن كانت هذه السياسة الحمائية ستؤدى إلى رفع أسعار السلع والمنتجات. كما قدم ترامب رؤيته بشأن الهجرة غير النظامية، والتى حمل بايدن وهاريس مسئولية دخول الملايين منهم خلال السنوات الماضية، حيث أشار إلى أنه سيقوم بترحيل جماعى لهؤلاء المهاجرين، ويستكمل بناء الجدار العازل مع المكسيك. وأيضا على الصعيد الخارجى أكد قدرته على وقف الحرب فى أوكرانيا عبر إستراتيجية تحقيق السلام عبر القوة، كما أنه سيسعى لوقف حرب غزة. وفى المقابل سعت هاريس إلى تقديم بعض التصورات العامة حول تلك القضايا، تقوم على تخفيض الضرائب على الأسر المتوسطة والفقيرة، وذلك لدعم الطبقة الوسطى، كما انها ستقوم بإقامة العديد من المشروعات الاقتصادية التى سيستفيد منها الأمريكيون، ودفع الشركات لتخفيض أسعار السلع وكذلك العمل على إصلاح نظام الهجرة المعطل ودعم قانون الرعايا الصحية وقانون الرعاية الميسرة بشأن التعليم، ولكنها لم تقدم آليات واضحة بشأن حل تلك القضايا. كما أن سياستها الخارجية ستكون غالبا امتدادا لسياسات بايدن خاصة تجاه أوكرانيا والصين.
وهنا يبرز دور الولايات المتأرجحة فى حسم مسار الانتخابات، وهى بنسلفانيا وميتشجان وويسنكسون، والمعروفة بحزام الصدأ، نظرا لتوقف المصانع فيها، إضافة إلى نيفادا وأريزونا وجورجيا، والتى تحتوى على ما يقارب 6% من السكان ولديها 79 مندوبا فى المجمع الانتخابى، وقد صوت أغلبها لبايدن فى الانتخابات السابقة، بينما صوتت لترامب فى انتخابات 2016، ولذلك فإن الدعاية الانتخابية لكلا المرشحين تتركز بشكل أساسى فى تلك الولايات لأنه لن يستطيع أى منهما الفوز فى الانتخابات بدونها. ومن هنا، تبرز أهمية معالجة كلا المرشحين للقضايا التى تهم سكانها، وعلى رأسها قضية البطالة وإعادة تشغيل المصانع المغلقة والتى انتقلت صناعاتها إلى دول أخرى مثل الصين والمكسيك، وهنا يمتلك ترامب ميزة نسبية فى قدرته على إعادة توطين الصناعة خاصة فى بنسلفانيا. كما أن قضية ارتفاع الأسعار والتضخم والتى تهم كل الأمريكيين أيضا، تهيمن على اهتمامات الناخبين فيها، وهنا يسعى ترامب وهاريس إلى تقديم أفكار خاصة بمحاربة التضخم، لكن هذا لن يتحقق بدون رؤية شاملة للاقتصاد الأمريكى الذى يواجه تحديات كبيرة. أيضا الأقليات خاصة من العرب والمسلمين، وكذلك من أصول لاتينية سيلعبون دورا رئيسيا فى حسم الانتخابات فى تلك الولايات خاصة ميتشجان، حيث فاز فيها بايدن على ترامب بصعوبة فى انتخابات 2020 وبفارق 11 ألف صوت فقط، وهناك أكثر من 100 ألف صوت للعرب والمسلمين فيها، ولذلك فإن موقف المرشحين من حرب غزة سيكون حاسما، حيث تحاول هاريس استقطاب هؤلاء عبر التصريح بأنها ستعمل على وقف الحرب فى غزة ووقف معاناة الفلسطينيين ودعم حقهم فى الكرامة والمساواة وتقرير المصير، فى محاولة لإصلاح ما أفسدته سياسة بايدن، لكنها فى المقابل لم تقدم آليات أو سياسات حقيقية للضغط على إسرائيل لوقف الحرب أو العمل على إقامة الدولة الفلسطينية، ورغم أن غالبية العرب والمسلمين لن يصوتوا لترامب بسب انحيازه لإسرائيل وموقفه من الأقليات، لكن عدم تصويتهم لهاريس سيقلل من فرص فوزها.
وبالتالى فإن الولايات المتأرجحة هى من ستقرر من الفائز فى البيت الأبيض، ترامب أم هاريس كأول امرأة تحكم أمريكا ومن أصول إفريقية وآسيوية.
عن الاهرام