تناقلت وسائل الإعلام المصرية الأخبار عن تمرير الكونغرس الأميركي قانوناً سوف يسمح لإدارة أوباما باستمرار إرسال المساعدات العسكرية لمصر، على الرغم من الانقلاب الذي نفذه جيشها الصيف الماضي، وما أعقب ذلك من المذابح وانتهاكات حقوق الإنسان. ويقرأ إعلام الدولة المصرية بفخر هذا القانون على أنه قبول أميركي بالوضع الجديد في مصر، وأنه عودة حميدة للعلاقات الأميركية المصرية السابقة، وتأييد أميركي لكافة الأعمال التي يقوم بها النظام الجديد في مصر.
في الشهر الماضي فقط، قام وفد من الكونغرس الأميركي بزيارة لمصر. وبينما كانوا يتحدثون إلى وسائل الإعلام المحلية عن شفافية الاستفتاء الأخير على الدستور، قال المشرعون الأميركيون إن مصر تسير على الطريق الصحيح في اتجاه الديمقراطية والحرية، وإنهم يدفعون من أجل استمرار المساعدات العسكرية الأميركية للحكومة المصرية.
مع ذلك، نظر بقية العالم إلى الاستفتاء الدستوري الجديد على أنه أحادي الجانب، حيث سُمح للمصريين بالتصويت بـ”نعم،” بينما أصبح كل من يعتنق وجهة نظر أخرى تحت الهجوم واعتباره خائناً ينبغي اعتقاله أو قتله.
أتذكر جيداً تصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين في الصيف الماضي حول ضرورة إصدار قانون أميركي يحظر إرسال المساعدات الأجنبية لأي دولة بعد قيام انقلاب عسكري فيها، بدعوى أن القيم الأميركية تحظر دعم الحكومات الاستبدادية. وقد كرر المسؤولون الأميركيون هذه النقطة مرة تلو المرة قبل قيام التظاهرات في القاهرة يوم 30 حزيران (يونيو)، وقبل تدخل الجيش يوم 3 تموز (يوليو).
لكن مسار مصر الحالي يعاكس المثل الديمقراطية للولايات المتحدة، وتصريحات المسؤولين الأميركيين تتناقض مع القيم الأميركية. وفي حقيقة الأمر، تقترح التصريحات الأخيرة أن الولايات المتحدة تدعم الاضطهاد، تماماً مثلما ظلت تدعم نظام حسني مبارك طوال 30 عاماً.
هل زار وفد الكونغرس الأميركي أي سجن مصري ليسمع آراء الآلاف ممن يعارضون الدستور الجديد؟ هل سمع الزوار الأميركيون عن مئات الشباب الذين اعتُقلوا بسبب التعبير عن آرائهم سلمياً باليافطات؟ هل سمعوا عن منافذ الإعلام المحلي التي تتهم كل من يعارض الدستور، أو أجزاء منه، بأنه خائن وتدعو إلى وجوب اعتقاله؟ ماذا عن تصوير الإعلام المصري للولايات المتحدة على أنها بلد يريد تدمير مصر، أو اتهام أعضاء في حركات الشباب المصرية بأنهم عملاء أميركيون؟
حتى لو أن جماعة الإخوان المسلمين حكمت مصر بطريقة سيئة –وأنا أوافق على أنها فعلت ذلك- فإن اعتقال الجيش لمئات من الشباب في الشهر الماضي في ذكرى ثورة 2011 يبقى غير ذي صلة بالديمقراطية، أو الحرية أو الاستقرار.
بعد الانقلاب، كتبتُ مقالة في صحيفة “الواشنطن بوست” عبرت فيها عن مخاوفي العميقة من تدخل الجيش في المسرح السياسي، وظهور ملامح حقبة جديدة من الإرهاب في مصر. وقام النظام باعتقال أو تشويه سمعة أي شخص ينتقد قمعه أوقتله للناس تحت مظلة “مكافحة الإرهاب”. وكنت أخشى من التعرض للاعتقال والاتهام بالخيانة لأنني عبرت علناً عن استيائي من تصرفات النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان.
للأسف، كان هذا هو ما حدث بالضبط. فقد تم اعتقالي يوم 30 تشرين الثاني (نوفمبر) وحُكم عليّ في كانون الأول (ديسمبر) بالسجن ثلاث سنوات -في الحبس الانفرادي، إضافة إلى غرامة قدرها 50.000 جنيه مصري- لأنني جاهرت بالحديث ضد قانون جديد يحظرالتظاهر. وتم سجن ناشطين آخرَين معي، هما محمد عادل وأحمد دومة. وهذا السلوك هو انتقام سافر مارسه النظام ضد الثورة التي كان لي أنا وبقية أعضاء حركة شباب 6 أبريل شرف المساعدة في إطلاقها في العام 2011. ويسعى الجيش إلى الانتقام من أي مجموعة كان لها أي دور في أحداث ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، والتي أفضت إلى وضع نهاية لحكم نظام مبارك.
ربما يكون اعتقالي مفيداً. إنه يقول الكثير عن النظام العسكري؛ وهو يؤكد مخاوف المواطنين من قدوم دكتاتورية عسكرية. وفي الحقيقة، لا تعرف السلطات العسكرية المصرية ولا هي تحترم قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ببطء، يعود نظام مبارك نفسه الآن إلى السلطة، وتعود معه شبكات الفساد والاضطهاد أيضاً. في مصر اليوم، يبدو الأمر كما لو لم تكن هناك ثورة على الإطلاق.
بينما أكتب من سجني مشدد الحراسة، معزولاً عن العالم، فإنني أتعرض لمعاملة غير إنسانية. عدد المسجونين هنا يستمر في النمو، ونحن محرومون من الملابس الدافئة والعناية الطبية والفرشات. وليس المسجونون الجدد أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وإنما هم أعضاء زملاء في الحركات الثورية أو الليبرالية التي تعارض الإجراءات التي تنتهك حقوق الإنسان. وهناك بين المسجونين أيضاً صحفيون كانوا يقومون بعملهم، ويقدمون تقاريرهم عن الأحداث في مصر. وتخضع وسائل الإعلام المصرية لسيطرة الجيش وتستمر في تشويه سمعتنا. وقد حرمنا أنا وعادل ودومة من حق الرد على تلك الاتهامات عبر وسائل الإعلام أو من خلال القنوات القانونية. كما أنه لم يُسمح لنا بالالتقاء بأفراد عائلاتنا أومحامينا بانتظام، في انتهاك آخر للمعايير الدولية.
الآن ينبغي طرح السؤال: هل يدعم دافعو الضرائب الأميركيون ويمولون الاستبداد في مصر؟ هل تقف الولايات المتحدة متفرجة بينما تعود الدكتاتورية إلى مصر؟ أم أن الأميركيين سيقفون إلى جانب الشعب المصري في نضاله المستمر من أجل الحرية والديمقراطية؟
الغد الأردنية