لم يستطع اليمين تاريخيا وعلى مختلف مشاربه ، إلا أن يكون متعددا ، وهي حالة مرتبطة بالضرورة بفكره وعقيدته الانغلاقية ، فالحركات الفاشية تعددت نهجاً وأسلوباً ، والحركات الدينية تعددت نهجاً وأسلوباً ، فالحروب تبدأ بالأفكار اولا ، وأزمة الفكر اليميني دائما هو رفض الاخر! من الصراع بين الفرق المسيحية ، التي انطلقت منذ عام 150م، حتى الفرق الاسلامية التي بدأت منذ سقيفة بني ساعده ، حتى العصر الوسيط وبروز الافكار الرجعية اليمينية التي تطورت حتى شن الحربين العالميتين في القرن العشرين، ثم اتخذ اليمين منهج اخر تحت ستر الرأسمالية ، والهيمنة على العالم لكن بأسلوب غير الحروب ما امكن ،فنشأت الشركات فوق القومية ،وأساليب الاحتواء ،والتحالفات مع اليمين الاقليمي والوطني ، في محاولة عابثة لوقف تطور الفكر التقدمي ، واستمرار نهب الشعوب وإبقاء مضامين العبودية .
لقد تحالفت اميركا مع الحركات الاسلامية لمحاربة الاتحاد السوفيتي ، ثم استمرت في ذات النهج ، مع التحول نحو الاسلام السياسي بشقه الاخواني ، واستخدمته في تنفيذ غايتها تفكيك الشرق الاوسط ليبقى منطقة نفوذ ، وان سيطرت عليه جماعات الاخوان ، فهي تمتلك القوة والنفوذ والخبرة الطويلة ،وذات امتداد اقليمي عابر للحدود ، ولن تستطيع الانقلاب عليها ، كما حصل مع مجموعات بن لادن ، لانها تتطلع نحو الحكم ، وتحتاج الى حليفها الخارجي بالخبرة والقوة والاستقرار ،وتتركها تتناقض مع الحركات السلفية والجهادية ، وتمنعها عن مواجهة اميركا بالارهاب ،وبذلك تحقق لها غاية سعت لها بعد ان تمرد القرد على سيده ، في افغانستان ولم تعد تجد سبيلا لوقفه ،وتوفر لها المعلومات المطلوبة والتي تحتاجها اميركا،وهذا ما بدى واضحا في مصر والحراك الاخواني ، وهو ذاته الذي ظهر في فلسطين بما سمي الحسم العسكري في قطاع غزة ، وبذلك فان المقولات الفلسطينية حول الانقسام والمصالحة مجرد امنيات طيبة .
وبالنهج ذاته ، المستند الى قاعدة التعدد بالتناقض بين اليمين ، اخذت تظهر خلافات قد تتسع بين بلدان الخليج التي استخدمت لافتعال( فوضى خلاقة) دعاها البعض بالربيع العربي ، والاخرين بالثورة ، دون انتباه الى ان الثورة بالضرورة لها قاعدة فكرية ، ودون ذلك فهي تمرد وانفجار ، قد احدث هدفه بسيطرة الاسلام السياسي على بلدان تلك الانفجارات ، ومحاولة اقامة دويلات ، ان لم يكن على طريقة بلدان الخليج ، فانها على طريقة امارت بني الاحمر بالاندلس ، وهنا ان لم تجد فرناندو للتحالف معه فانها قد تجد نتنياهو !!
لا تسير الامور في عالم السياسة بالصدفة ، بل هي عمليات مدروسة بعناية ، فحين اطلق بوش الابن شعار شرق اوسط جديد ، وادلج له شيمعون بيرس في كتابه بذات العنوان ، لم يكن الاسلوب لتنفيذ ذلك واضحا ،والخطوة قبل الاخيرة في تلك المعركة المبرمجة هو تقسيم سوريا ، بعد تدميرها ، حيث تحتاج الى عشرات السنين لتعود لحالها ، ولتصبح مقسمة ، بين كرد وعلوين وسنة !!،ولنتهي قضية الجولان ، ولتصبح قضية فلسطين داخلية حتى وان اخذت اعترافا امميا بها كدولة محتلة على حدود حزيران67 ، الا ان ذلك يؤكد حدود اسرائيل ، ويجعل فرص الوصول الى حل ما ممكنا خاصة بعد الحصار الدولي والعربي !!وتبقى حدود اسرائيل الشمالية يحددها انهاء سوريا القائمة ، لتصبح دول اخرى ذات برامج اخرى ، وامر الحدود الجنوبية مفروغ منها من خلال التحالف الناشىء مع حركة الاسلام السياسي الام ، لتلتزم حماس بل ربما توسع لها حدود امارتها دون حصار ومع معبر مفتوح !!وهذه غاية ادعياء شرق اوسط جديد .
ومرة اخرى يتضح ان اليمين متعدد ، لان له مشارب متعددة ، وليس الشعار هو ما يعتد به ، فقد سمى هتلر حزبه النازي ( الوطني الديمقراطي ) ، وهذه حركات الاسلام السياسي تنطلق باسماء ما انزلا الله بها من سلطان ، وفتاوى تسهل العودة الى مضارب الجهل، ولكنها متعددة الرؤىء، وايضا بحكم التاريخ وتجاربه، وحتمية التطور المطلقة ، وبشكل حلزوني قد يؤدي الى ردة احيانا ربما نعيشها ، الا ان اصحاب الكهف لا يمكن ان يتححق لهم التمكن ،وما تلك الحوارات بين اميركا وروسيا بشان سوريا والاتفاق على تلك النظام يقضي عل مجموعات حزب النصرة القاعدي ، او تلك المناكفات الامارتية القطرية والسعودية القطرية ، الا اشارات الى عدم قدرة اليمين على ان يظل دون تعدد ، والتعدد مضمونه الفشل ، وهذه قاعدة عمل اليمين كان اوروبيا مسيحيا او عربيا اسلاميا ، ولعل سؤال معاوية لعمرو بن العاص عن رايه في الخلاف مع علي حين وجده مفتكرا ، فقال له : اني اعلم ان الحق الى جانب علي ، ولكنها الدنيا !!مما جعلني في جانبك ،فهذه ىسمات الحركات اليمينية ، التطرف والعدوان ، ورفض الاخر ومنع حرية الفكر ، الم يحارب ابن رشد بسبب فكره التقدمي في عصره ؟!وجليليو لقوله دوران الارض ، فاعتذرت الكنيسة اخيرا بعد قرون ، وساد فكر ابن رشد وتبعه اجيال ، واندثر الاخرون ، لكن اليمين ذا طبيعة متجددة فهو في اوروبا اليوم معاد للمهاجرين ، وله ايضا حركات فاشية ،وان كانت صغيرة , كذلك لدينا حركات الاسلام السياسي المتعددة المنهج ، ولكنها جميعا في النهاية حليف طبيعي للراسمالية من حيث هي متدرجة بالتاريخ من العبودية الى شكلها الراهن وان بدلت فكرها دون مضمونها الرجعي . ِ