بقلم: ليان فولك دافيد/السنة الأخيرة كانت سنة صعبة في موضوع العلاقات الخارجية الإسرائيلية؛ بسبب الإصلاح القضائي والحكومة الأكثر تطرفا في تاريخها. في هذه السنة، قامت إسرائيل بخطوة للوراء في الانضمام للعالم الغربي الحر والمعتدل. شبكة العلاقات مع الدول الغربية أصبحت في افضل الحالات باردة، حتى ان بعض هذه الدول بدأت في التشكيك بالقيم المشتركة مع هذه الحكومة، وفي قدرة إسرائيل على مواصلة كونها جزيرة للاستقرار الديمقراطي والحر في الشرق الأوسط.
بعد ذلك جاء 7 أكتوبر. إسرائيل حصلت على دعم غير مسبوق من زعماء دول ووزراء ورؤساء أجهزة أمنية، ترافقه تصريحات في حقها في الدفاع عن نفسها وتزويدها بالسلاح والحماية العسكرية في المواقع الإقليمية الاستراتيجية. حتى ان بعض الدول الغربية ذهبت بعيدا في إدانة “حماس” وعزلها واقتراح فرض عقوبات على مصادر تمويلها وإخراجها خارج القانون. خطاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، في 10 أكتوبر نقل رسالة واضحة لإيران و”حزب الله”. “من يفكر في استغلال الوضع يوجد له كلمة واحدة وهي لا تفعل”.
دائرة الدعم هذه التي شملت الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية المعتدلة يمكن اعتبارها “زخما سياسيا – امنيا”، الذي كان يجب على إسرائيل استغلاله من اجل تحقيق إنجازات أمنية ملموسة. هذه كانت فرصة لتجنيد الحكومات في الغرب والدول العربية المعتدلة في “تحالف معتدلين” أمام محور الشر الإيراني. في يد قبضة عسكرية قوية غير متساهلة، وفي اليد الأخرى رسم صورة مستقبل سياسية – أمنية للمنطقة، تشمل ضمانات دولية لمستقبل إسرائيل الأمني.
مع كل هذه الدائرة للدعم إلا أن الجمهور في إسرائيل ما زال يشعر بأن “العالم كله ضدنا”. ربما أن هذا مفهوم ضمنا. جو بايدن الذي طرح (بعدم إحساس) حل الدولتين للخطاب العام بعد بضعة أيام من 7 أكتوبر ومشهد الرعب في لاهاي والإعلام الدولي المنحاز والشبكات الاجتماعية المسممة والتظاهرات الكبيرة في أوروبا وفي الجامعات الأميركية – كل ذلك عمق الشعور بأننا “وحدنا في العالم”. وأنه من غير المهم ما سيحدث لنا، دائما سنكون المذنبين ومن تقدم له الطلبات.
على هذه موجة المشاعر يركب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يحب رسم معسكرات في الجمهور الإسرائيلي. دائما يوجد “نحن” و”هم”. “نحن” سنمنع إقامة الدولة الفلسطينية. و”هم” سيقيمونها. بهذا التقسيم المصطنع والخيالي يمنع نتنياهو نقاشا معمقا للخيار الثالث، الذي يوضع الآن على طاولة “الكابنيت”، إدارة مدنية فلسطينية محلية معتدلة في غزة بدعم دولي، يشمل الدول العربية المعتدلة، من خلال صفقة تشمل تطبيع العلاقات مع السعودية. في الحقيقة نتنياهو بدأ يطلق بالونات الاختبار لوسائل الإعلام على شاكلة “مبادرة لرجال أعمال” لـ”اليوم التالي”، لكن الحديث يدور عن ضريبة كلامية، لأن السياسة الخارجية الرسمية للحكومة الآن يمكن تلخيصها بكلمة واحدة وهي “لا”. “لا” لمناقشة “اليوم التالي”. “لا” لإقامة كيان فلسطيني محدث. “لا” لمبادرات سياسية إقليمية.
من اجل أن تستطيع إسرائيل الوصول إلى الاستقرار الأمني يجب عليها من الآن (لا نقول أمس) أن تجيب هي نفسها عن ثلاثة أسئلة رئيسة وهي: من الذي سيحكم مدنيا في قطاع غزة – “حماس” أو إسرائيل أو سلطة فلسطينية محدثة؟ ومن الذي سيمول إعادة الإعمار في القطاع – قطر، إسرائيل، الدول الغربية، السعودية والإمارات؟ وما هو ثمن منظومة علاقات متعكرة أو وطيدة لإسرائيل مع الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية المعتدلة؟.
من اجل أن تكون الإجابة عن هذه الأسئلة مفيدة لأمن إسرائيل يجب عدم إضاعة ولو يوما واحدا. “الأمر سيكون على ما يرام” لن يساعد هنا. الجيش الإسرائيلي من الآن مضطر إلى العودة على أعقابه في شمال القطاع بسبب عودة “حماس” للسيطرة المدنية هناك. “اليوم التالي”، السياسي والأمني، موجود هنا الآن.
يجب على الحكومة الإجابة بالإيجاب عن الخطاب البناء في المبادرة الأميركية. كل الأطراف تدرك بأن إقامة الدولة الفلسطينية هي أمر غير عملي في المدى المنظور. لذلك فإنه لا يوجد أي سبب يمنع إسرائيل من أن “تدفع” بالتصريح أنها لا تعارض حل الدولتين، إذا كانت الظروف مناسبة في المستقبل. في ظل تصريحات الوزراء والمؤتمر الاستعراضي حول العودة لاستيطان القطاع، يجب على الحكومة التوضيح للعالم بأنها لا ترغب في السيطرة على القطاع، وأن عليها أن تستثمر بشكل فعال في بناء بديل مدني لـ”حماس”، ويجب على إسرائيل العمل يوميا مع الحلفاء من اجل “اليوم التالي” الآن، ضد “حماس”، ضد ايران وضد الإرهاب. هذه السياسة الخارجية هي أولا وقبل أي شيء آخر مصلحة أمنية لإسرائيل. بالونات الاختبار على شكل “مبادرة رجال الأعمال” غير كافية. وكل يوم تستمر فيه إسرائيل في قول “لا” فإن الزخم السياسي والأمني الذي نشأ بعد 7 تشرين الأول لا يتآكل فحسب، بل يتم تحطيمه أيضا.
عن “هآرتس”