رفح – كتبت عيشة صالح: عند الوصول الى منطقة الأنفاق في رفح الفلسطينية والتي كانت تعج حراكا وتسويقا، وجدنا أن بعضها توارى عن الأنظار، وأن قوات أمن تابعة لحركة حماس تحتشد من محيطها الى حدودها بعد أن اصدرت تعليماتها الصارمة بعدم الاقتراب، ما أدخل في الانفس ريبة مما يجري في تلك المنطقة، على الحدود الفاصلة بين مصر وقطاع غزة .
وبعد الوصول تجولت مراسلة “أمد” في المنطقة لرصد الجديد، بعد أن سحبت قوات أمن حماس منها كاميرا التصوير، كما هو مع كل صحفي يصل لتلك المنطقة فالتصوير ممنوع و:انها “منطقة عسكرية مغلقة” ، المنطقة لم تعد كما كانت عليه قبل شهر من الأن، خلت من البضائع تماماً، وصمتت مولدات الكهرباء التي كانت تسحب من جوف الأنفاق ما تمرره الأيادي من الطرف المقابل..
بعض ممن تمكن من التواجد في “المنطقة” كشفوا لـ “أمد” بعض من حقيقة ما يجري فيها بعد حرب مصر الأمنية عليها :
وجدنا هاشم” ز”. الذي يعمل في الانفاق منذ عام 2009 اي مايقارب الخمس سنوات، يقول هاشم ” حتى الان تعمل بعض الانفاق، لكن التجار والاشخاص متخوفيين من اغلاقها باي وقت لان مصر شنت حملة ولا اظن انها ستتراجع”.. هاشم، خريج جامعة الاقصى الذي لا يجد فرصة عمل الي الان، لجأ الى العمل بالانفاق كونها توفر له دخلا يجعله يعيش حياة كريمة افضل من الوظيفة .
اضاف هاشم بنبرة حزن هل وجدنا بديل عن العمل هنا، ولكن وجدنا العمل ماديا افضل على الرغم من المخاطر فانا اتقاضى افضل من عقيد شرطة بالحكومتين بغزة ورام الله ..!! وكنت اتمنى استمرار عمل الانفاق حتى استطيع ان اكون نفسي في تجهيزي للزواج “
ولا يخفي هاشم قيمة دخله الكبير في الانفاق فيقول: “ما يدخل عليا من فلوس أكثر مما يتقاضاه عقيد شرطة في حكومتي فياض وهنية ، واغلاق الانفاق اليوم يعني كارثة حقيقية لي ولأسرتي “.
حسام رزق جلس فوق اكوام من الحجارة بجسده الهزيل، حاملاً في وجهه معاني البؤس واستفساراً حول حاله هذا قال لـ (أمد) :” خراب بيتنا بدأ بتدمير الانفاق ” حسام جاء منطقة الانفاق وهو طفل ليعول أسرته المدونة في الشئون الاجتماعية ووكالة الغوث للاجئين بتصنيف ” اسرة تحت خط الفقر ” عمل داخل الانفاق”حامل للحقائب ” ويزيد صوته حزناً في التعبير عن عذابات عمله فيقول :”عملي من الساعة السادسة صباحا حتى السادسة مساءً بحمل الحقائب فقط للمسافرين والبضائع، واخذ على كل” نقلة ” كما سماها مايعادل 5 دولارات .. وعندما سألناه عن أسباب عمله بعمل شاق ،على الرغم من ضعف جسده ..ضحك حسام وكأنه يسخر من السؤال ” يعني اذا تعلمت شو بطلع مني(..) هيهم بخلصوا من الجامعات وبيروحوا للانفاق يتشغلوا “
وفي جوار المنطقة بيوتا تبدو قديمة نوعا ما ولكنها تحمل إسرار هذه الأنفاق التي عانى الكثيرون منهم .. وسلامة ابو عطيش اكد لنا هذه المعاناة، فقال تجسدت معاناتنا التي لم تذكرها أي وسيلة إعلام أننا كنا نرى بأم أعيينا طائرات الـ f 16 وهي تتجول فوق بيوتنا وندعو الله ان نحيا بعد هذه الغارة وبالفعل قد قامت طائرات الاحتلال بقصف منطقة الأنفاق .وكل مرة نسمع عن عدد من الشهداء او الجرحى .. ناهيك عن الوضع المربك مساءً ان كان هناك دخول للأسلحة تكون المنطقة مؤججة بالأمن وأصوات وارباك ولكن لا نستطيع التدخل ..لانه الأمن يمنع هذا ..والحمد لله ان مصر أخذت هذا القرار باغلاق الانفاق .
اما زوجته قالت وهي مستنكرة لاغلاق هذه الانفاق ” والله انه كل شيئ كان متوفر بس يفتحوا المعابر يسكروا الانفاق … !
من جهته قال مسؤول في كتائب شهدا الاقصى – التابعة لحركة فتح – “ابو المجد” لـ (أمد) :” هذه الأنفاق على الرغم أنها فتحت لتحمي رجال المقاومة في غزة الا أنها انحرفت عن المسار الأساسي لها واصبحت تعمل كمعبر رئيسي لدخول كل شيئ لغزة من ادوية وملابس وغذاء واجهزة وسيارات ….الخ . نحن بالكتائب رفضنا ذلك رفضا قاطعاً لان الانظار اتجهت لرجال المقاومة وأصبح سهل الاحتلال الاسرائيلي مراقبتنا ..والي اين نحن نتجه ..
لم ينكر ابو المجد دخول الاسلحة عن طريق الانفاق … و”يؤكد ان الكتائب ستسمر بالمقاومة وجلب الأسلحة حتى بعد إغلاق الأنفاق ..لان هذا حق لنا في ظل دولة بدون سلاح فكيف لنا ان نقاوم”كما يقول .
واضاف “ابوالمجد” ان قيام مصر بالاغلاق من جانب واحد دون الاتفاق مع اي طرف فلسطيني هو مشاركة فعلية بالحصار.. ولكننا تفاجئنا بذهاب وفد من حركة حماس الي مصر لعقد اتفاقيات بخصوص المعبر ..وهذا ان دل …اشارة واضحة لاتفاق سري باغلاق الانفاق من جانب مصري اسرائيلي ..ورضوخ حركة حماس بالموافقة على فتح المعبر باي شروط مهما كانت ..
اما هيام ابو حطب زوجة وام لعمال يعملون بالنفق ..ابدت فرحة لا توصف باغلاق هذه المعابر وقالت على الرغم انها كانت تدر لنا الأموال إلا أنها كانت تتخوف كل ليلة من نبأ وفاة ابنها او زوجها اللذان يعملان في الانفاق ..”
اما الصورة بالشارع الغزي فهي مغايرة نوعا ما فقد عبر التجار عن أسفهم لإغلاق الأنفاق ..وذلك لاريحيه التعامل في هذه الأنفاق على الرغم من دفع اموال كثيرة ..فقد قال “سعيد ابو العيش ” وهو تاجر وصاحب “بوتيك ملابس ” في منطقة جباليا شمال غزة “اننا أصبحنا ندخل اي كمية من الملابس وباي نوع ولا رقابة من اي شخص ندفع أكثر لكن نجد تسهيلات اكبر “
ولكن محمد سعدة اختلف معه بالرأي قال تصلنا البضائع في حالة يرثى لها بالإضافة الى توريدنا أدوية ممنوعة وفاسدة وانا لاني أخاف الله ” اضطر الى إلقاء هذه الأدوية وعدم بيعها للصيدليات وخسرت، اكثر من ربع رأس المال “.
اما القوى السياسية والوطنية لهلا وجهة نظر شاملة في موضوع الانفاق يقول محمود الزق عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي لـ (أمد):” ان الانفاق فقدت كلمة السر التي بدأت من اجلها فقد حفرت الأنفاق منذ البدء لرجال المقاومة منذ أن عرفت الثورة …ولكن باتت الأنفاق الأن مصدرا للكوارث فالكثير قتل بحثا عن لقمة العيش… وإدخال مواد غذائية أو دوائية تفقد الرقابة الصحية مما جعلت حياة الناس مهددة بالخطر” .
واكد الزق بقوله : ان الخاسر الوحيد بهذه الحملة من القوات المصرية بالإغلاق هم “تجار النكبات وامراء الحرب “
وفي نفس السياق رفض الزق تغييب الشرعية في اتفاقات للمعابر كمعبر رفح الهام لغزة ..واعتبار غزة كينونة منفصلة..ويجب الرجوع عن هذا الفعل لأنه يعمق الانقسام ..واعتبره اندفاعاً من حركة حماس كما سماها.
اما الرئيس محمود عباس في تصريحات أخيرة له يعقب على موضوع الانفاق بقول أنها وجدت منذ عام النكسة لإغراض خاصة وبسرية تامة وكانت بعيدة كل البعد عن التلاعب والعلنية ، ولكنها اليوم أصبحت مكشوفة وعامة وشابتها الكثير من المخاطر لذا اغلاقها أكثر منفعة لشعبنا من تركها مشاعاً وخطرة لهذا الحد.
من جهته اسماعيل هنية القيادي البارز في حركة حماس ، ردد في أكثر من مناسبة أنه يريد اغلاق الانفاق ولكن بشروط ينعدم فيها حصار غزة ، ولا جدوى بحل هذه المسألة إلا بفتح كامل لمعبر رفح للمسافرين والبضائع وعلى مدار الساعة ، اسوة باي معبر حدودي بين دولتين .
الجهاد الاسلامي يرى في تحديد مهام الانفاق مسألة غاية بالاهمية ، مع احاطتها بسرية كاملة ، ومكافحة المتطفلين من تجار السلع والممنوعات والمحرمات ، وعدم تسويع مساحات مناطق الانفاق لكي لا تنكشف وينكشف معها رجال المقاومة الذين يسعون الى تطوير اساليبهم القتالية وزيادة تسليحهم عبر الانفاق.
مع إغراق أوائل الانفاق بالمياه العادمة من قبل الامن المصري ، وفد مسئول من حركة حماس توجه الى القاهرة ، ومن هناك خرج وفد مصري أمني الى تل أبيب ، بعد أن حطت طائرة صغيرة مطار سري في القاهرة كان على متنها رجال أمن اسرائيليين ، مؤشرات تدل على أن حراكاً نحو اتفاق على رزم من قضايا تهم قطاع غزة قد بدا فعلاً ، ولا بد من أن الانفاق داخل هذه الرزمة غير المعلنة .
أمد.