كتب حسني شيلو : بيدو أن الخارطة الطلابية التي رسمتها نتائج انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت، مشابهة للخارطة السياسية على المستوى الوطني، يتصارع فيها قطبان على قيادة الحركة الطلابية ،الشبيبة الطلابية ،وكتلة الوفاء الإسلامية، ويتعايش بينهما التيار الوطني الديمقراطي بتأييد متفاوت من موقع لأخر .
وبمشاركة حركة حماس في انتخابات جامعة بيرزيت و8 كتل طلابية أخرى تمثل الفصائل الفلسطينية ، توفرت لدينا أداة للقياس حول اتجاهات الرأي العام الفلسطيني فنتائج انتخابات جامعة بيرزيت تعتبر دلالة هامة على مدى شعبية هذه الفصائل ، ومدى تقبل الجماهير لبرامجها السياسية والنقابية والاجتماعية ، والتي تعتبر من أهم المؤشرات على مدى اتساع أو انحسار التأييد الجماهيري للأحزاب المختلفة داخل المجتمع الفلسطيني وخاصة بين فئات الشباب .
منذ اللحظة الأولى لإعلان تحديد موعد الانتخابات ، بادرة قيادة المنظمة الطلابية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني بالدعوة لاجتماعات مكثفة مع الرفاق في الفصائل الديمقراطية اليسارية لتشكيل أوسع ائتلاف لخوض الانتخابات ، ولكن لم تغلّب هذه الكتل الطلابية المصلحة الوطنية على الفئوية ، ولإدراكنا أن المصلحة الوطنية تستدعي كتلة طلابية ديمقراطية يسارية قوية، حاولنا خوض هذه التجربة متحدين، لكن البعض أتخذ من الدعوة سهرة رفاقيّة داخلا في خضم لعبة المسميات والحصص الفصائلية .
لم يعد خافيا على أحد أن القوى الديمقراطية اليسارية قد فقدت رونقها في المشهد السياسي الفلسطيني، وباتت تتصرف بشكل مراهق في أحيان كثيرة ، مما اضعف ثقة المواطن العادي بها، خاصة أنه كان مفروضا أن يكون هذا التيار ممثلا له ، فقد هجرت الجماهير هذه القوى الديمقراطية لأنها أدركت بحسها العفوي عجزها عن تغيير واقعها المزري فذهبت تبحث عمن يستطيع القيام بذلك، واختارت القطبين فتح و حماس رغما عن عدم تساوي رصيد حماس النضالي تاريخيا مع تاريخ القوى الديمقراطية اليسارية.
وبالعودة إلى لغة الأرقام لعلها تجد في نظر القوى الديمقراطية متسعا من الوقت لقراءة مستفيضة تأخذ منها العبر والدروس ، فالمعركة النقابية الطلابية ما زالت في بدايتها ، فقد حصلت الشيبة الطلابية على 2732 صوتا، وكتلة الوفاء الإسلامية 2006 أصوات، بينما حصلت القوى الديمقراطية اليسارية مجتمعة على 922 صوتاً، إن هذه النتائج تستوجب من القوى الديمقراطية دراسة أسباب التراجع، إن هذه النتائج تظهر أزمات بنيوية تنظيمية وفكرية وسياسية وبدرجات متفاوتة بين أروقة هذه القوى ، التي ما يجمعها لا يقل كثيرا عما يفرقها.
على قيادة المنظمات الطلابية لهذه القوى أن تنظر بعين الناقد المدرك لفجوة هذه الأرقام والمساحة الواسعة التي تفصلها عن قطبي الساحة الفلسطينية ، والحذر كما درجت العادة من النظر إلى الفرق بين كل كتلة ديمقراطية عن الأخرى ، فإن ذلك أول أسباب الفشل الذريع والهزائم المتتالية التي تلحق بالقوى الديمقراطية اليسارية .
شكلت تجربة انتخابات نقابة الصحفيين التي جمعت كلا من الرفاق في الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وجبهة النضال ” بالتحالف المهني الديمقراطي ” رافعة وركيزة اساسية في العمل النقابي ، وتمنيت أن يستمر التحالف بأوسع من ذلك بضم الرفاق في الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني فدا وحزب الشعب الفلسطيني في انتخابات جامعة بيرزيت ، لكن على ما يبدو أن سيطرة الخلافات الثانوية ضمن القوى الديمقراطية اليسارية الطلابية ، جعلها تخوض معارك جانبية خاسرة دون أن تميز بين التناقضات الأساسية والخلافات الثانوية ، في الوقت الذي يجب أن تعرف كيف تتجاوز الخلافات التي تقوم بينها وبين الأحزاب الأخرى التي تشاركها أهدافا وغايات متقاربة ومتكاملة .
لم يعد خفيا أن بقاء هذه القوى الديمقراطية اليسارية على حالها سيقود إلى المزيد من التآكل والتهميش والتراجع، ما هو مطلوب لوقف حالة التراجع وتوليد حالة نهوض جديدة، لأمل قادم ولمستقبل واعد، يتطلب :
أولاً :مراجعة نقدية وموضوعية لمجمل المواقف السياسية ، وبناء علاقات قائمة على نبذ الخلاف وتوحيد الصفوف بين هذه القوى وإعادة دورها في المؤسسات الوطنية والاتحادات الشعبية والنقابات الطلابية و العمالية ، بشكل موضوعي بعيدا عن أي نفس تبجيلي استعلائي للذات ، واتهامي وتخطئي للغير، أساسها الجرأة والرغبة في تصحيح الأخطاء والتعلم منها للانطلاق بمرحلة جديدة .
ثانياً: الوصول إلى تفاهمات مشتركة لأن ما يجمع القوى الديمقراطية اليسارية أكثر من ما يفرقها ونجاح تجربة انتخابات نقابة الصحفيين ، ووضع الخطوط العريضة لائتلاف ديمقراطي انطلق ليأخذ دوره في النقابة تجربة بحاجة للتوقف أمامها ، ونقلها لمختلف النقابات والأطر الطلابية .
ثالثا: البحث عن وحدة حقيقة بين الأحزاب الديمقراطية اليسارية على أن تتم على أسس تمكن من جذب أعداد ملموسة من الديمقراطيين اليساريين المستقلين ، ببرنامج قائم على الدفاع عن مصالح وقضايا العمال والفقراء والمرأة والشباب، خشية تراجع دور هذه القوى إلى درجة الاندثار، في نظام سياسي بات ثنائي التكوين الحزبي الحاد.
إن وحدة التيار الديمقراطي يمكن أن تؤدي إلى ولادة التيار الثالث الذي طال انتظاره وهو مهم لإحداث التوازن، والحد من الاستقطاب الحاد وطالما تمت الدعوة له بدون طائل.
*********
أن خوض حركة حماس لانتخابات جامعة بيرزيت ومشاركتها بالعملية الانتخابية دليلا ساطعا على حجم الحريات المتاحة في الضفة الغربية داخل المؤسسات التعليمية ، وأن الاختلاف في الرأي وحرية التعبير مكفولة لجميع الكتل الطلابية على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية، من أجل عمل نقابي ديمقراطي باعتباره وسيلة هامة ، على حركة حماس إعادة النظر بسياستها وتصرفاتها في قطاع غزة وإتاحة مساحات واسعة من الحرية ، والكف عن سياسة الاعتداء على الحريات العامة ومحاولة كم الأفواه، التي تمثل خنجراً في خاصرة الديمقراطية الفلسطينية.
دائرة الثقافة والإعلام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينين