تجري الدوائر المعنية الأميركية، وخصوصاً في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، مراجعة شاملة للسياسات التي اتّبعها الرئيس اوباما في الولاية الأولى، وذلك كي يتمكن في ضوئها من اتخاذ المواقف الملائمة والحافظة للمصالح الحيوية والاستراتيجية لبلاده، وخصوصاً في منطقة الغليان المتفجّر أي الشرق الاوسط. هذا ما قاله أخيراً خبراء أميركيون في واشنطن. وأضافوا أن المهم في المراجعة الجارية التي اقتربت من الانجاز هو ان الاستنتاج الذي توصل اليه القائمون بها يتناول مستقبل المنطقة المشار اليها. ويؤكد الاستنتاج أن المنطقة ستعيش حريقاً كبيراً في ظل الاتجاه الثابت الغالبية أهلها السنة والشيعة نحو مواجهة مفتوحة او بالأحرى نحو صراع مفتوح. علماً أنه بدأ في سوريا والعراق والبحرين والى الشرق منها. وهو مرشح لأن يقوى ويشتد. انطلاقاً من ذلك يشير الخبراء انفسهم الى أن قراراً رسمياً قد اتُّخذ ببقاء أميركا بعيدة من هذا الصراع، وفي الوقت نفسه بتقديم المساعدة اللازمة لحلفائها الذين ينتمون طبعاً الى مذهب الغالبية المسلمة أي السنّة. وهذا يعني أنه من غير المحتمل أن تقوم الادارة الاميركية بأي عمل لوقف الصراع والحريق الناجم عنه. ويعني ايضاً في صورة أكيدة أن الادارة نفسها لن ترسل جنودها الى المنطقة المشتعلة. لكن هؤلاء الخبراء يلفتون إلى أن الكثير من مواقف أوباما في الشرق الاوسط ستتوقف على ما يحصل بين بلاده وإيران.
ماذا يقول الخبراء انفسهم عن ايران في ضوء المراجعة السياسية الشاملة المشار اليها اعلاه؟
يقولون ان ما ادلى به أخيراً وزير الخارجية المعيّن جون كيري للجنة الكونغرس “يؤشر” الى موقف وزارته والادارة عموماً من هذه الدولة. فايران يجب ان تأتي الى الحوار او “نظيفة” على حد قوله. والحل للقضايا الخلافية معها يفضله ديبلوماسياً. لكنه أكد ان السياسة الاميركية حيالها لن تكون ابداً “الاحتواء”، بل سياسة منع تقدم البرنامج النووي الايراني. ويقولون ايضاً ان معلوماتهم تشير الى أن الوقت المتوافر هو للقيام بمحاولة ديبلوماسية واحدة، ربما لأن المعطيات التي تمتلكها الادارة في واشنطن تشير الى أن الاسرائيليين لم يعودوا بعيدين عن تحقيق هدفهم النووي الأول. واذا فشلت هذه المحاولة فان العواقب ستكون وخيمة. وفي هذه المحاولة يقول هؤلاء ثالثاً ان ادارة اوباما ستكون مستعدة، اذا تأكدت من احتمالات نجاحها، لتلبية عدد من مطالب الايرانيين، مثل السماح لهم بمتابعة التخصيب ولكن بمستوى منخفض قد لا يصل الى الـ5 في المئة، ومثل وقف كل المحاولات لتقويض النظام الذي يحكمهم. لكن عليهم في المقابل أن يأتوا الى المحاولة الديبلوماسية “نظيفين”. كما عليهم ان يوقفوا دعمهم لسوريا الأسد ولـ”حزب الله”. علماً أن أميركا لن تقدم لهم صيغة للعلاقة مع بلادهم مشابهة او مماثلة للصيغة التي كانت معتمدة في أثناء حكم الشاه لها. وعلماً أيضاً انها ستسير في هذه العلاقة بحذر شديد، تلافياً لتخوف أو لتنفير حلفائها الاقليميين وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية. طبعاً يشك بعض هؤلاء الخبراء في قبول ايران لـ”شروط” الاميركيين المذكورة اعلاه. واذا كان شكّهم في محله فان الصيف المقبل قد يكون “مشوِّقاً”.
ماذا في المراجعة السياسية الأميركية الشاملة عن اسرائيل والفلسطينيين؟
يقول الخبراء في واشنطن اياهم أن تحرك الادارة الأميركية، استناداً الى المراجعة المشار اليها، في موضوع السؤال المطروح اعلاه، يتوقف أولاً على نوع الحكومة التي سيؤلّفها بنيامين نتنياهو في اسرائيل. ويتوقف ثانياً على مدى استعداده، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس لمعاودة المفاوضات. واذا كان الاستعداد جدياً فان أوباما قد يعود الى الانخراط في العمل لايصالهما الى السلام. وهناك اشارات الى أن نتنياهو قد يكون راغباً في العودة الى التفاوض جراء حاجته الى أميركا كي “تهتم” بايران، وجراء اقتناع غالبية قادة الجيش والأجهزة الأمنية في بلاده بأن ما يجري حالياً هو تطويق جديد لها، من الأعداء الشرسين.
هل يعني ذلك انسحاب اميركا من المنطقة؟
لن تنسحب اميركا كلياً منها أو لن تتحلّل من كل التزاماتها (Disengage). لكنها ستهتم اكثر ربما بمنطقة المحيط الهادئ، وهذا ما يجري حالياً. ذلك أن المواقف العدائية والممارسات من الصين بدأت تقلق جيرانها وحلفاء أميركا الذين طلبوا مساعدتها. لا يعني ذلك طبعاً حرباً او مواجهة مع الصين ومع روسيا، اللتين لأميركا معهما مصالح متبادلة، رغم أن العلاقة باردة حالياً بين واشنطن وموسكو.
النهار اللبنانية.