إتسمت النخب الحزبية الإسرائيلية بخاصية تميزهم عن غيرهم من أقرانهم في دول العالم قاطبة، تتمثل في المرونة العالية في نقل الراية الحزبية من موقع لآخر، وبغض النظر عن الموقع الذي تحتله هذه الشخصية او تلك في هذا الحزب او ذاك. كمثال على ذلك شارون، عندما كان رئيسا لحزب الليكود، وتصادمت مصالحه مع كتلة رئيسية فيه، قام بشق الحزب، وشكل حزب “كاديما” نهاية نوفمبر 2005. ونفس الشىء مثله الرئيس الأسبق الراحل، شمعون بيرس، وقبلهم بن غوريون، وحاييم رامون وتسيبي ليفني … إلخ. يتنقلون بين المواقع الحزبية، كما لو كانوا يتحركون بين مربعات لعبة الشطرنج.
الأسباب الماثلة وراء هذا التبسيط والإستسهال في التنقل بين مكونات الفسيفساء الحزبية القائمة او إنشاء أحزاب وحركات جديدة على مقاس هذا الزعيم او ذاك تكمن في أن: اولا كافة الأحزاب الصهيونية بتلاوينها وتصنيفاتها الشكلية “اليمين” و”اليسار” و”الوسط” ذات خلفية أيديولوجية واحدة، هي النظرية الصهيونية؛ ثانيا حدود التمايز بين أقصى اليمين واليسار الصهيوني نسبية، ولا تمس أو تؤثر على الخلفية الفكرية؛ ثالثا عطفا على ما تقدم، فإن القوى والأحزاب والحركات الصهيونية تستند في توجهاتها الفكرية والسياسية والإقتصادية والعسكرية والأخلاقية والقانونية والثقافية إلى الجذر الفكري الإستعماري، وتقوم على أسس واحدة بالنسبة للأرض والدولة والشعب والنظام السياسي وفي العلاقة مع الآخر الفلسطيني العربي. وبالتالي التباين والتعارض ليس على الثوابت الناظمة للعملية الإستعمارية الصهيونية، إنما على حدود القبول بالشعب العربي الفلسطيني الواقع تحت نير استعمارهم، وسقف التنازل السياسي في اي عملية سياسية؛ رابعا رسوخ السياسة النفعية الإنتهازية في وعي واللأوعي النخب السياسة والأمنية الصهيونية. وتسيد لغة المصلحة الشخصية (الذات، الأنا) على المصلحة العامة للمجتمع الإسرائيلي، أي على ال(النحن)، الأمر الذي يتيح لإي مراقب ان يلحظ الحراك الدراماتيكي لاي قائد إسرائيلي مهما كان وزنه او موقعه. وهو ما يشير إلى تغليب الطابع التجاري النفعي على الأيديولوجيا والسياسة.
ما تقدم يلحظه المراقب فيما يجري مع رئيس الوزراء الأسبق،إيهود باراك، الذي كان قبل إسبوع، يقول أنه لا يفكر بالعوة القريبة للمشهد السياسي او لحزب العمل، غير انه اول امس السبت، عندما سئل عن صحة العودة للحياة السياسية وقيادة حزب العمل بعدما عرض عليه عدد من قادة المعسكر الصهيوني (إئتلاف حزب العمل والحركة) ومنهم عضو الكنيست، مانويل ترايتنبيرغ العودة لرئاسة الحزب عبر المنافسة المرتقبة خلال الفترة المنظورة مقابل إنسحاب الآخرين، وفق ما ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية، أكد صحة الخبر والمبادرة. ووافق فورا، لكن بعض المرشحين رفضوا الإنسحاب لصالحه. وهو ما قد يصعب عليه المنافسة في حال بقي مواصلا مشوار التنافس. ولمن لا يعرف فإن وزير الحرب الأسبق، هو نفسه من ترك حزب العمل سابقا مطلع 2011، وأدار الظهر له، وواصل مشوار التعاون من نتنياهو. وأكد في العديد من المقابلات، انه كان أكثر تطرفا من نتنياهو تجاه العديد من الملفات، وشكل له غطاءا في العديد من المحطات. لكن وفق ما أعلن اكثر من مرة، فإن نتنياهو خذله، لإنه ليس صاحب قرار، ومتردد وخاصة في معالجة الملف النووي الإيراني، حيث كان باراك مع توجيه ضربة للمفاعل النووي الإيراني. أضف إلى انه أبعد كثيرا نحو اليمين، ولا يهمه شيئ سوى مصالحه وبقاءه في الحكومة على حساب الدولة.
باقتضاب وتكثيف شديد، يلحظ المرء، ان إيهود باراك إنحاز لصالح منافعه الذاتية وبشكل دراماتيكي وإنتهازي فاقع. وتخلى عن موقفه، الذي اعلنه قبل إقل من إسبوع فقط. وهو ليس إستثناءا، بل إمتداداً لذات المدرسة والعقلية السياسية الحزبية الإسرائيلية. التي لا تحكمها مبادىء وقيم وأخلاق، بل المنفعة الذاتية اولا وثانيا وثالثا .. وعاشرا. ولكن فيما لو عاد باراك لقيادة العمل، فإنه لن يساهم في إنقاذ الحزب من حالة التراجع والتفكك، التي يعيشها، لإنه هو بالأساس لم يعد يملك الكاريزما المقنعة للجمهور الإسرائيلي المنحدر أكثر فأكثر نحو اليمين والحريديم المتطرف.
باراك والنفعية الإنتهازية ..بقلم :عمر حلمي الغول
Leave a comment