ما لا يخطر ببال أصحاب النوايا الطيبة ممّن يَدْعون إلى ائتلاف عربي ولو في الحدّ الأدنى هو ذلك العدد من الذين احترفوا الدفاع حتى عن الشيطان، وَعَششوا في الصدوع التي لا يَرْتجون رَأبَها على الإطلاق لأنهم عندئذ يُصبحون عاطلين عن العمل . وحين يتعلق أمر هذه البطالة بالإعلام فإنّه يُصبح أشدّ حساسية وخطورة، لأنّ من لا يجدون الحاضنات المناسبة لتفقيس البيض الفاسد قد يضطرون إلى تأجير أقلامهم كما يحدث للبنادق أيضاً لمن يدفع أكثر .
هؤلاء المحترفون من الغربان لا يروق لهم النعيق إلا على أطلال عواصمنا ويعشقون الغبار والدخان لأنهما يحجبان المشهد بحيث يختلط الحابل بالنابل قبل أن تُشْرق الشمس ويتضح أن الأبقار ليست كلها سوداء إلا إذا عمّ الظلام .
وفي إحدى مسرحيات الإسباني لوركا يتحول القمر إلى شاهد يفتضح ما يجري على الأرض، لهذا أصبح عدواً لعشاق العتمة . ما إن يرتطم كوز بلد عربي بجرّة بلد آخر رغم أن كليهما من فُخار حتى يبدأ محترفو التّبرير والتّزوير النّفخ في القِرب التي غالباً ما تكون مثقوبة، وبالمقابل ما إن تبدأ الأجواء الساخنة بالميل إلى الاعتدال حتى يصاب هؤلاء بضيق التنفس لأن بضاعتهم تصبح مُهدّدة بالكساد، وقد جرّبنا كعرب خلال أكثر من ستة عقود عجاف كيف كان للإعلام الذي أساء الكثيرون فهم رسالته دور البطولة في إعادة الخلافات السياسية إلى حروب القبائل على طريقة داحس والغبراء أو حرب البسوس!
وإذا كان لبعض المثقفين من ذوي الوعي المفارق للسائد دور في الترشيد وعَقْلَنة الخلافات فإن هذا الدور يبقى هامشياً إذا قورن بفحيح الحرباء، كما جاء في الحكاية السليمانية الخالدة .
وقد زُودَ من يُعَشّشون في الصدوع بحاسّة شَمّ سياسية مُدربة ولا تصاب بأي زكام . لأنهم يشمّون عن بعد ما يرضي هذا النظام أو ذاك، ولأن معجمهم هجائي فقط، فليس لديهم كلمة طيبة تُقال في الأزمات، وهم أشبه بمن وصفهم شاعرنا العربي مِمّن لا خيل لديهم يهدونها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحالُ .
أما الأطراف التي تسعى إلى توظيف هذه السلالة فإن لها نصيباً من الإثم لأنها لم تدرك بعد أن من معها سيصبح ضدّها في أول مزاد قادم .
القدس دوت كوم