كل يوم تصبح عناوين الأخبار القادمة من العالم العربي أكثر سوءاً: جماعة مرتبطة بالقاعدة، يساعدها مقاتلون أجانب، تشتبك مع سبع جماعات ثوار سورية محلية من أجل السيطرة على المنطقة حول حلب، سورية. تفجير السفارة الإيرانية في بيروت. نسف وزير المالية اللبناني السابق المحترم محمد شطح بعد انتقاده تكتيكات حزب الله الوحشية. مجموعة أخرى موالية للقاعدة تنتزع السيطرة على الفلوجة في العراق. الانفجارات تهز مصر، حيث يقوم الجيش حالياً بسجن الناشطين الإسلاميين والعلمانيين. ليبيا متاهة من الميليشيات المتحاربة.
ما الذي يجري؟ البعض يقول إن الأمر كله يتعلق بـ”فراغ السلطة” –لقد نأت أميركا بنفسها عن المنطقة. لكن الأمر لا يتعلق بنا نحن. هناك أيضاً “فراغ قيم” هائل أيضاً. الشرق الأوسط مكان تعددي للغاية –شيعة، سنة، أكراد، مسيحيون، دروز، وقبائل مختلفة- والذي ظل مترابطاً معاً طوال قرون بفعل القبضة الحديدية للقوى الاستعمارية والحكام الدكتاتوريين، التي تمسك به من الأعلى. لكن ذلك التحكم الرسمي انهار الآن، قبل أن تتمكن هذه المنطقة من تطوير أي تعددية صاعدة من الأسفل إلى الأعلى –أخلاقيات واسعة من التسامح- والتي ربما تمكن شعوبها من العيش معاً كمواطنين متساوين، من دون قبضة حديدية تطبق عليهم من الأعلى.
حتى يكون للصحوة العربية أي مستقبل، فإن الإيديولوجية التي تمس إليها الحاجة أكثر ما يكون الآن هي تلك التي يتم تعزيزها وترويجها أقل ما يكون: التعددية. وحتى يتغير ذلك، كما يقول مروان المعشر، في كتابه الجديد المهم للغاية “الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية” –فإن أياً من الثورات العربية لن يكتب لها النجاح.
مرة أخرى، كان يمكن للرئيس أوباما أن يفعل المزيد لكبح جماح القادة في العراق ومصر والعربية السعودية وإيران أو سورية، والحيلولة دون ذهابهم إلى التطرف. لكن الأمر في نهاية المطاف، كما يقول المعشر، هو أن ما يجري الآن هو نضال العرب من أجل مستقبلهم السياسي. إذا لم يستطع 500.000 جندي أميركي في العراق، وترليون دولار، أن تزرع تعددية دائمة في التربة الثقافية هناك، فإن أي خارجي لن يستطيع ذلك، كما يقول المعشر. ينبغي أن تكون هناك إرادة للتغيير من الداخل. لماذا تقاطر نحو 15.000 من العرب والمسلمين إلى سورية ليقاتلوا ويموتوا من أجل الجهاد، بينما لم يأت أحد إلى سورية للقتال والموت من أجل التعددية؟ هل كان ذلك فقط لأننا لم نمنح “الأخيار” ما يكفي من البنادق؟
كما يلخص الأمر مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني الأسبق ونائب رئيس منحة كارنيغي في واشنطن، في إحدى المقابلات، فإن “ثلاث سنوات من الثورة العربية كشفت إفلاس كافة القوى السياسية القديمة في العالم العربي”. الأوتوقراطيون الفاسدون الذين أخفقوا في منح شبابهم الأدوات اللازمة ليزدهروا –وكنتيجة لذلك، أشعلوا شرارة هذه الانتفاضات- ما يزالون يخوضون صراعاً ضد الإسلاميين، الذين ليس لديهم بدورهم أي فكرة عن كيفية تقديم الوظائف والخدمات والأمن والنمو الاقتصادي. (ربما تكون تونس استثناء). ويقول المعشر: “طالما بقينا عالقين في هذه اللعبة التي مجموعها صفر، فإن الحاصل سيكون صفراً“.
لن يكون إحراز أي تقدم مستدام ممكناً، كما يقول المعشر، من دون تعددية عرقية تتخلل كل جوانب المجتمع العربي –تعددية في الفكر، تعددية في فرص الجنسين (الجندر)، تعددية في احترام الأديان الأخرى، تعددية في التعليم، تعددية تجاه الأقليات، تعددية في الأحزاب السياسية التي تتداول السلطة، وتعددية بمعنى حق كل شخص في التفكير بطريقة مختلفة عن التفكير الجمعي.
كانت الصحوة العربية الأولى في القرن العشرين كفاحاً من أجل الاستقلال من القوى الاستعمارية، كما يقول المعشر. ولم يستمر ذلك الكفاح أبداً في شكل نضال من أجل الديمقراطية والتعددية. حرب الأفكار تلك، كما يصر المعشر، هي ما يجب أن يكون موضوع “الصحوة العربية الثانية”. لا يستطيع الحكام المستبدون ولا الإسلاميون عرض التقدم. “التعددية هي نظام التشغيل الذي نحتاج إليه لحل جميع مشكلاتنا، وطالما لم يكن نظام التشغيل هذا عاملاً، فإننا لن نصل أبداً إلى هناك. هذه معركة داخلية. دعونا نتوقف عن الأمل بأن تأتينا إرسالية من الخارج”. لكن ذلك، سيستغرق وقتاً.
ساذج؟ كلا. إن السذاجة هي التفكير بأن كل شيء يدور حول غياب أو حضور القوة الأميركية، بأن شعوب المنطقة ليس لديها التفويض والمؤهلات. هذا خطأ: إن العراق يتقسم لأن رئيس الوزراء المالكي تصرف كرجل ميليشيا شيعي، وليس كمانديلا عراقي. الآن أخذ الشباب العرب أمر تقرير مستقبلهم بأيديهم، مدفوعين إلى حد كبير بدوافع التعددية. لكن النظام القديم برهن أنه بالغ العناد. ومع ذلك، لم تذهب تطلعات هؤلاء الشباب، ولن تذهب.
يكتب المعشر: “سوف يمر العالم العربي بفترة من الاضطراب، والتي ستحاول فيها القوى الإقصائية الهيمنة على المشهد باستعمال الحقائق المطلقة والدكتاتوريات الجديدة”. لكن “هذه القوى ستتلاشى أيضاً، لأن الخطابات الإقصائية والسلطوية لن تستطيع في نهاية المطاف أن تلبي حاجات الناس لنوعية أفضل من الحياة…. كما أثبت التاريخ بشكل كبير، فإن الازدهار يوجد حيث يوجد احترام للتنوع. وخلافاً لما علّمت الحكومة العربية مجتمعات شعوبها على مدى عقود –أن التسامح، وقبول وجهات النظر المختلفة، والتفكير النقدي، هي عوامل هدامة ومدمرة للوحدة الوطنية والتنمية الاقتصادية– تثبت الخبرة أن المجتمعات لا تستطيع الاستمرار في تجديد نفسها، بحيث تزدهر، إلا من خلال التنوع“.
المعشر، الذي يعود إلى الأردن للمشاركة في هذا النضال من أجل التنوع، كرس كتابه لـ”شباب العالم العربي -الذين ثاروا، ليس ضد والديهم، وإنما نيابة عنهم“.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة (نيويورك تايمز)