غزة : ظهرت حركة حماس في المشهد الوطني الفلسطيني كحركة مقاومة ، قادت خلال مسيرتها جماهير لا يمكن استغفالها من أبناء الشعب الفلسطيني ، ولا أحد ينكر او يمكنه أن ينكر أن حماس كحركة فلسطينية ، جاءت في سياق العمل النضالي الوطني ، الذي استهدف حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ، وعندما نجحت حماس في انتخابات 2006 كان لظروف نجاحها ما قبله من معطيات ساعدتها على هذا النجاح منها غياب رمزية خصمها السياسي ، وانخفاض مستواه على الارض ، واستهلاك مؤسساته في السلطة الوطنية التي دمرت هي ايضاً بفعل الاحتلال ، وكثرة الايادي المفسدة مما ألبّ على حركة فتح الكثير من جماهيرها ومؤيديها واتجهوا انتقاماً من بعض قيادتها وانقلبوا على الحركة في تلك الانتخابات ، وهذا عامل من عوامل كثيرة ساعدت حماس بالصعود نحو الواجهة الرسمية والجماهيرية الفلسطينية.
ومع فوز حماس وانقلابها عسكرياً على السلطة وأجهزتها الامنية في عام 2007، دخلت حماس مرحلة التثبيت الدموي لأركان حكمها ، واستخدمت عصاها الغليظة أمام المذبوح خصمها السياسي حركة فتح ، وكان على حماس أن تواجه جميع ما فرضته الوقائع الجديدة عليها ، فلم تحسن خيارها” المقاوم” في الدفاع عن قطاع غزة مقابل ترسيخ حكمها “المضطر” ، وأصبحت بعد عدوان 2008- 2009 م أكثر تشبثاً بالحكم من بوابة ” الضربة التي لا تكسر تقوي” فسادت أشباه مؤسسات من جمع الضرائب الى خارجية تتحدث عن تغيير في سفارات وخطط وخطوط وقنوات للعلاقات الخارجية ، ومن هنا دخلت محاولات اختبارية بايدي خفيفة لمعرفة موقع اسرائيل على خارطة التفكير الحمساوي اذا ولو.. واذا أمكن أن تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية ، التي توقفت حركتها عند مطالبها الثابتة وشروطها الحديدية بأن لا عودة للمفاوضات إلا بوقف الاستيطان وايجاد مرجعيات دولية واضحة للعملية السلمية ، وهذا ما جعل من حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو ايجاد وسائل بحث خفية عن البديل ، وكان أولها حركة حماس والتي انشغلت فعلاً من خلف الكواليس مع التعاطي السري ، فذهبت الى سويسرا ، وانقرة ، وواشنطن عن طريق رجال أعمال، وأخرها صوفيا لتقيس إمكانيات البديل .
ما حدث في صوفيا العاصمة البلغارية اليوم من طرد وفد قيادي لحركة حماس ، بلا شك لا يسر فلسطينياً ولا وطنياً ، ولكن حماس تتحمل مسئولية هذا الطرد قبل صوفيا التي لم تحترم أصول الضيافة ، ولو كانت خارجيتها رفضت منح تأشيرات دخول لوفد حماس ، كان الوضع أكثر احتراماً لفلسطين ككيان سياسي ونضال شعب ، ولكن بما أن الخارجية سمحت بدخول الوفد ، واستقباله والسماح له بتنظيم عدداً من اللقاءات ، كان الأجدر أن يتم التعامل مع الوفد بصفة فردية وليس برلمانية او سياسية ، ليتم طرده فيما بعد بشكل يخدش احترام فلسطينية المعنى ـ ويؤذي وطنية كل فلسطيني ، وصوفيا الرسمية التي اتهمت حركة حماس بالارهاب كذريعة لطرد الوفد ، وقعت في مغالطات كبيرة ، الأجدر أنها صمتت وأخرجت الوفد من اراضيها بإحترام العلاقات البلغارية – الفلسطينية .
ومسئولية حماس في هذا الأمر تقع على نواياها للاوطنية ، بترسيم نفوذها على الخارطة الدولية ، والترويج لنفسها أنها قوة سياسية تحتل مكانة واسعة حتى في العلاقات الدولية ، هذا الثوب الفضفاض يسيء اذا ما رفضته تلك الدول التي تضعها في انابيب الاختبار لصالح اسرائيل ، ومن ثم تحرق معمل التحليل عليها لتجعل من حركة عريقة بمكانة حماس اضحوكة ، والفعلة صناعة قيادات في الحركة اصيبت بمرض العظمة .
والوطني الممكن كان متوفراً لو قبلت حماس بالمصالحة ، والذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية ، ودخلت إلى العالم من بوابة فلسطين “اللارهابية” وليس من باب حماس الضيق في ممرات الدول المساندة للاحتلال الاسرائيلي .
حماس تتحمل مسئولية الاساءة لفلسطين في صوفيا ، لأنها تعجلت الدخول الى العالم على طريقتها هي وليس على الطريقة الوطنية .
ورغم هذا لا يمكن الفرح بطرد حماس من صوفيا ، بل يجب استنكار هذا الفعل المضر بحقوق شعبنا ، ولا بد للخارجية الفلسطينية أن تعبر عن استهجانها ، حتى ولو اتصل وزير خارجية بلغارية بوزير خارجية السلطة ليؤكد له مسبقاً أن الوفد الحمساوي لا يقوم بلقاءات رسمية ، بل دعوته جاءت من جهة غير رسمية ، فالطرد انتقاصة باللغة الدبلوماسية ، وكان هناك ما يمكن لصوفيا أن تستند عليه لكي تستدرك غلطتها بالسماح لوفد حماس دخول اراضيها ، وهي صوفيا التي لم تصوت لصالح عضوية فلسطين كدولة مراقب في الامم المتحدة ، بل امتنعت لترضي اسرائيل حليفتها ، ومن هنا دخلت حماس الى دول مسيطر عليها أمريكياً واسرائيلياً لتلعب في ملعب موحل لا يعود على شعبنا بكثير من الخير .
مسئوليات موزعة بالنسب على بلغاريا وحركة حماس ، وخارجية السلطة التي اُستغلت من قبل صوفيا لتمرر قرار الطرد استرضاءً لإسرائيل التي حاربت زيارة وفد حماس من خلف الستار ، وخلطت أوراق في أروقة الانقسام الوطني لتوجه حماس في الداخل أصابع الاتهام للمالكي الذي اتصلت به خارجية بلغارية ، وتحمله مسئولية طرد وفدها من بلغاريا وهنا لابد من توتير العلاقات الوطنية وتعكير أجواء المصالحة ، وإطالة عمر الانقسام .
لذا المصالحة قبل او بعد الانتخابات أصبحت جازم وطني لإنهاء مسلسل الاهانات التي تأتي لهذا الطرف وذاك من بوابة الاستفراد والطموح المضر لفلسطين وشعبها وعدالة قضيتها.
أمد.