من الصعب وصف نضال طويل ومليء بالمنعطفات السياسية والتضحيات الجسام ببضعة كلمات، لتيار اجتماعي وسياسي واسع مثله جبهة النضال الشعبي الفلسطيني منذ (57) عاماً ويرسم طريق آخر بالإصرار على النضال.
وما يجب التوقف عنده، وربطه بما يجري اليوم على الأرض الفلسطينية، وفي العالم هو إنَّ هذا التيار السياسي – الاجتماعي الذي مثله جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، هو امتداد لتيار تحرري وتقدمي وإنساني، إذ بات يترك بصماته على المجتمع البشري، ويشكل أملاً عظيماً في تحقيق الغد الإنساني، وقد تجسد في اعتصامات في الشوارع والساحات وخاصة الغربية منها، وفي الجامعات في عشرات المدن في العالم، ورفض جناح فيه من العمال تحميل سفن الأسلحة لدولة إسرائيل التي أقل ما توصف به كونها نازية، وأرغم محاكم تابعة للدوائر الإمبريالية العالمية بإدانة حكام دولة إسرائيل الفاشية، وإصدار مذكرات توقيف بحقهم لارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
ما يثير الغضب والاشمئزاز، هو أنَّ الإعلام المأجور يركز على إبراز دور القوى اليمينية والرجعية حد النخاع، في الطرفين، الطرف الفلسطيني والطرف الذي يدعم دولة إسرائيل دون أيّ حياء وخجل أو حتى أدني ضمير إنساني.
وبالمناسبة، فكل جرائم إسرائيل لم تحرك ساكناً أو حتى تحرك شعرة من مشاعر الدوائر الإمبريالية العالمية، لتقول كلمة واحدة لنتنياهو – سموتريش – بن غفير؛ كفى يعني كفى، أو كما يقال باللغة الإنكليزية التي أكثر دلالة وقوة (Enough is enough)، وتفرض حصاراً اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً، كما فرضت على صدام حسين ونظامه عندما اجتاح الكويت، في الوقت الذي تجاوزت فيه الجرائم التي تقترف اليوم بحق الشعب الفلسطيني عن حجم جرائم ذلك النظام بحق الشعب الكويتي، إلا أنَّ أمريكا والدول الغربية ومجلس الأمن أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لان صدام حسين حسب مزاعمهم قتل أطفال الخدج كما صوره نفس الإعلام الذي يغض الطرف اليوم عن جرائم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني، وآخرها حكومة نتنياهو- بن غفير- سموتريش، قتلة الأطفال، مع فارق واحد، ففي ذلك العهد كان الإعلام حكراً على الأنظمة والحكومات، أما اليوم، فأن عالم السوشيال ميديا والفضائيات تكشف عن الجرائم التي يرتكبها جيش “الديمقراطية” الإسرائيلية.
ألم يقل الغرب لنا أنَّ إسرائيل هي واحة الديمقراطية، لكن فاتهم بأنه سيأتي يوم، وفي عالم سيكون كل شيء فيه مفضوح، أن يضيفوا لديمقراطيتها المزعومة وصف كالفاشية أو النازية أو الاثنين معا لتصبح – إسرائيل واحة الديمقراطية النازية – في الشرق الأوسط، وتستحق صفة النازية أكثر من الفاشية، لأن أمثال سمتوريش وبن غفير يعرفون معنى النازية أكثر من غيرهم، ويبدوا أنهم تفننوا وتفوقوا على الممارسات النازية بحق الشعب اليهودي في هولوكوست، ليطبقوها بشكل مهني وميداني وعملي ضد الشعب الفلسطيني بكل الوسائل الدعائية والإعلامية والأمنية والعسكرية والمالية.
وفضلا على كل ذلك، وفي عالم يمتهن فيه مهنة النفاق بحرفية عالية، ففي مقال نشر في احدى وسائل الإعلام الأمريكية، أنَّ إدارة بايدن قضت وقتاً بدبلوماسية “فاشلة” وأضاعت الكثير من الوقت، يتساءل صاحب المقال، ولا نعرف فيما إذا كان بسذاجة أو بدراية خبيثة، أو خانه الذكاء أو افتقاره للتجربة، بأن الإدارة الأمريكية لم تمارس الدبلوماسية الفاشلة ولم تضيّع الوقت إلا لتكسبه لصالح دولة إسرائيل من أجل تحقيق مكاسب ميدانية، وفي الوقت ذاته لذر الرماد في عيون الرأي العام العالمي، بأن البيت الأبيض يذرف دموعا حقيقية على الشعب الفلسطيني، وان كنتم لا ترونها إلا دموع تماسيح، وتسويق رواية كاذبة وتثير القيء؛ بأن شخص نتنياهو وراء تعنت الحكومة الإسرائيلية بعدم الموافقة على إيقاف الحرب في غزة والقتل الممنهج في الضفة الغربية وهدم البيوت ومصادرة الممتلكات.
إنَّ أحد عوامل إبراز اليمين أو تصوير كل القضية الفلسطينية هي “السابع من أكتوبر” من قبل الإعلام المأجور، سواء ذلك الذي يتبع للدوائر الإمبريالية الأمريكية أو دولة (الأبارتايد) الإسرائيلية، والتركيز على أنَّ الشعب الفلسطيني يمارس الإرهاب للوصول الى أهدافه، هو سياسة جهنمية تبغي لتحقيق هدفين في آن واحد: الأول هو تمرير صورة نمطية أمام العالم بأنه ليس هناك تيار متمدن وإنساني وتقدمي يناضل من أجل الحرية والاستقلال في فلسطين، وتعويم لوحة مزورة ومزيفة بأنَّ كل ما هو موجود هو إرهابي، والهدف الآخر من أجل طمس القضية الفلسطينية والظلم القومي على الفلسطينيين ومحو عدالتها أمام العالم، وبالتالي فرض سلطة الاحتلال الإسرائيلي كسلطة مسلمة بها، ولا يحق للشعب الفلسطيني التمتع بدولته المستقلة وبالحرية والأمان وبالمساواة دون أي تمييز قومي.
إنَّ هذه الصورة مزقها المارد الإنساني في العالم، ووضع حدا للرواية الإسرائيلية والمعاداة السامية المزعومة، وان جبهة النضال الشعبي الفلسطيني هي جزء من ذلك المارد الإنساني، مما يعني أنَّ تأسيس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني هو احدى الخطوات العظيمة لتمزيق الصورة النمطية التي حاول الاحتلال الإسرائيلي والدوائر الإمبريالية الداعمة تصويرها عن القضية الفلسطينية، وتسويقها للعالم.
وان وجود هذه الجبهة في الأراضي الفلسطينية هو خنجر في خاصرة الاحتلال الإسرائيلي، الذي سوف يعجز ومهما حاول وبذل المساعي لتصوير أنَّ الفلسطينيين يمثلهم جناح واحد يميني فقط، فذلك سوف يرتطم بصخرة نضال تيار له امتداد عالمي وله وتضامن أممي عارم.
وفي هذه المناسبة، مناسبة الذكرى السابعة والخمسين، لا يسعنا إلا توجيه التحية والتهنئة لكل المناضلين في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والوقوف إجلالاً للمضحين في طريقها، طريق الحرية وتأسيس دولة فلسطين المستقلة.
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي