رغم الجدل القائم بشأن الجدار الإسرائيلي الفاصل، الذي يعتبره الفلسطينيون “عنصريا” وترى فيه إسرائيل “حاجزا أمنيا يقيها شر الإرهابيين”، نمت على بواباته تجارة تعيش عليها آلاف أسر فلسطينية. DWعربية زارت بعضها بالضفة الغربية.
لم تكمل إسرائيل بعد بناء الجدار الفصل الذي يحاصر الضفة الغربية، وهو في مراحله الأخيرة ليكتمل بطول 780 كيلومتر، ليقسم عددا من القرى ويعزل أخرى عن محيطها الفلسطيني. وقد فُتح في هذا الجدار، الذي يتضمن أبراج مراقبة وآلات تصوير وتعلوه أسلاك شائكة مكهربة، ما يقارب العشرين بوابة لدخول الفلسطينين والإسرائيليين في الاتجاهين. وعند هذه البوابات من الجانب الفلسطيني، فُتحت مئات المحال التجارية لاستقطاب المتسوقين الإسرائيليين.
ورغم أن الجدار، الذي يعلو ثمانية أمتار، يكبّل حرية تنقل العديد من الفلسطينيين ويعزل الكثيرين عن بعضهم، إلا أنه يشكل للبعض منهم مصدرا للرزق. ففي عدد من القرى التي يمر الجدار، عبرها أو بجوارها، بدأت تنمو تجارة رائجة، يعرض خلالها أصحابها سلعا منتجة في الضفة الغربية تغري المتسوق الإسرائيلي لرخص أسعارها ولتجنب دفع ضريبة القيمة المضافة، كما هو الحال في إسرائيل. كما تقدم المتاجر خدمات رخيصة كتصليح المركبات وغيرها، فضلا عن محطات الوقود التي تبيع بأسعار تقل ب15 بالمئة عن مثيلاتها في إسرائيل.
قرية حزما نموذجا
تبعد قرية حزما سبعة كيلومترات عن مركز القدس الشرقية، التي اُحتلت عام 1967، ويقطنها ستة آلاف شخص. وكانت الزراعة تشكل أكثر من نصف الناتج الاقتصادي، لكنها تراجعت إلى أقل من ستة بالمئة، وفق إحصاءات المجلس القروي. وبات الاعتماد الرئيس على الوظيفة، وخاصة العمومية منها والعمل في قطاع الخدمات والصناعة في الضفة الغربية والقدس وإسرائيل.
وكانت سلطات الاحتلال صادرت عشرين بالمئة من الأراضي وبينت عليها مستوطنات مثل مستوطنة “مسجات زئيف”. كما التهم جدار الفصل والطرق الاستيطانية ستة بالمئة من الأراضي الفلسطينية وعزل أربعين بالمئة منها وبات أصحابها مضطرون للحصول على تراخيص من السلطات الإسرائيلية للوصول إليها.
نمو قطاعي التجارة والخدمات في قرية حزما الفلسطينية القريبة من معبر بين الضفة الغربية وإسرائيل…
وشاءت الصدف أن يفتح معبر بين الضفة وإسرائيل على مشارف القرية. وأصبح العابرون، عربا ويهودا، يمرون منها ويتسوقون ما يحتاجونه هناك. وهو ما شجع على فتح المزيد من المحال التجارية قرب المعبر، فأُقيمت تسع محطات وقود وثمانية مشاتل تبيع النباتات ومستلزمات الحدائق وثماني مخازن لمواد البناء وأربعة معارض لإنتاج مقالع الحجارة وسبعين بقالة وعشرة محال لتصليح السيارات وغير ذلك.
ويقول مصلح، وهو عامل في إحدى الورش، في حديث لDW عربية: “نحن لا نقفل بابنا أمام أي متسوق سواء كان فلسطينيا أم إسرائيليا، ولا ننكر أن الزبائن الإسرائيليين هم الأغلبية، فبالنسبة لهم، أسعارنا أقل من إسرائيل بأربعين بالمئة في بعض الخدمات.” أما سائد، الذي يعمل في بقالة، فيرى أن الأسعار “أقل من إسرائيل ب10 إلى 20 بالمئة على الأقل، وهو ما يجعل قرية حزما موقع تسوق مقصود من قبل الإسرائيليين. ونحن نتحدث العبرية، فالعديد منا عملوا في إسرائيل وتعلموا اللغة.”
تطور طبيعي أم تطبيع؟
لافتتات في قرية حزما الفلسطينية باللغتين العربية والعبرية…
وفي رأي الخبير الاقتصادي صبحي سلام فإن مثل هذه الظاهرة منتشرة في معظم بوابات العبور القريبة من القرى الفلسطينية، بل إن بعض القرى والبلدات على غرار “قرية حوارة على مدخل نابلس – ولأن الإسرائيليين يمرون من شارعها الرئيسي – باتت سوقا رائجا، حيث يمكنك في كل هذه الأماكن رؤية اللافتتات التي تحمل اللغتين العربية والعبرية.” ويضيف في حديث لDW عربية قائلا: “وهذا في رأيي أمر طبيعي، فمصادر الرزق محدودة أمام الفلسطينيين، فمنهم من يسعى للحصول على ترخيص للعمل في إسرائيل، وآخرون يتسللون إليها للعمل. أما في القرى المذكروة، فإن عرض البضاعة والخدمات أمام المتسوق الإسرائيلي أمر طبيعي ولا يمكن وصفه بالتطبيع.”
ويوضح سلام أن أكثر من 100 ألف فلسطيني يعملون الآن في إسرائيل سواء بتصاريح عمل أم من بالتهريب، رغم الجدار ورغم الإجراءات الأمنية المكثفة.
مفيد القول أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين أصبح مصدر رزقهم هو المتاجر والمصالح التي اُفتتحت قرب بوابات الجدار الإسرائيلي الذي بني على أرضهم. وهم لا يرون حرجا في أن تتحول هذه المصالح الى سوق يجتذب الإسرائيليين، حتى لو كانوا مستوطنين، فالوضع الاقتصادي الفلسطيني في ترد مستمر ونسبة البطالة في الضفة الغربية وصلت إلى مستويات عالية.
مركز dw الاعلامي .